هاجس … أخاف سطوة أحضانك!

بقلم : فاطمة صالح*

 

تواعِدُني بين فترةٍ وأخرى…
حتى أظنُّ أننا سنلتقي عمّا قريب..
و.. غالباً، تبتعِد.. في ظروفٍ، لا يمكنُ لإدراكي أن يعرفَها..
منذ سنواتٍ، وسنوات.. وأنا أتوقّعُ أننا سنلتقي..
أهربُ منك.. لكنكَ لا تُبالي..
تقتربُ متى أرَدْتَ.. تكادُ تحضنني وتسافرُ بي إلى مَجاهلِكَ البعيدة..
أخافُ سطوةَ أحضانك.. وأهربُ من يديكَ، هَلِعَةً، مَرعوبة..
فتحرَد.. تغيبُ عن باصِرَتي إلى حين.. ثمّ أشعرُ أنكَ تدنو، بكَفّيكَ القويّتين.. فأفغرُ فمي، وأفتحُ جَفنَيّ إلى أقصى مَداهُما.. فتزعل.. تغيب.. ولا أحزنُ من غيابك..
أشعرُ بالإطمئنان.. لكنهُ ليس اطمئناناً كافياً ليُشعِرَني بالإستقرار.. بالرّكون..
هاجسي يبقى يدورُ حولَ احتمالِ حضوركَ على حينِ غفلة.. أو بمعرِفتي المُسبَقة..
كلُّ احتمالاتِ حضورِكَ تُرعِبُني.. فأحاولُ تجنّبَها، عَبَثاً..
أو أنَّ وَهمي هوَ الذي يحضر.. وليسَ أنت..؟!!
لم ألحَظْ – مَرّةً – أنكَ لا تحبّني.. لكنني أخشاك.. لا أعرفُ لماذا..!!
ربما لأنني اكتسَبْتُ هاجِسَ الخوفِ منَ المجهول.. وأنتَ المَجهولُ بعَينِه.. بكلِّ سَطوَتِه.. بكلٍّ رَهْبَتِه..!!
وكيف لا أخافُكَ، وفي حُضورِكَ الغِياب..؟!!
حضورُكَ الغِيابُ العَميق.. أيها المَوت..!!
أيها المَجهول..
هل أنتَ – فِعْلاً – مُخيف..؟!!
هل أنتَ رَهيب..؟!!
هل أنتَ قاسي..؟!!
أم أنّ مَخاوِفَنا هيَ القاسية.. هيَ الرهيبة.. هيَ المُخيفة..؟!!
أخافُ أن أطلبَ منكَ أن تنزعَ القِناعَ عن وَجهِكَ المَجهول..
أخافُ أن تبدو لي كما أتوقّع.. أو أكثرَ بَشاعة.. أكثرَ قَسوة..
أنا أخشى القَسوة.. أخشى العُنف..
أنفُرُ منَ المَجهول…. لأنني أتوقّعُ أنهُ مُرعِب..
لكن.. قد يكونُ خوفي غيرَ مُبَرَّر..
قد تكونُ مَلامِحُكَ ناعِمَة..!! لكن.. جِلدُ الحَيّةِ – أيضاً – ناعِم..!!
قد تكونُ طَلّتُكَ مُشرِقة..!!
مَن يدري..؟!
مَن رآكَ، وغادَرَ معكَ إلى مَجاهِلِكَ.. ثمّ عادَ وأخبَرَنا بماهيّةِ عالَمِك..؟!
لن أستجديكَ – بعدَ الآن – أن تأتي.. أو ألاّ تأتي..
سأحاولُ تجاهُلَ حضورِكَ، أو غيايِك..
لن أكونَ حَمقاءَ إلى دَرَجةِ أن أتركَ كلّ مالدَيّ.. وأقعُدَ بانتظارِك..
صديقاً، أم عَدوّاً..
حبيباً، أم غريباً..
وَهماً، أم حقيقة..
وسأبقى أفعَلُ.. وأتفاعَل..
أبني.. وأهدم..
في واقِعٍ مَرئيّ، ومَحسوس..
ساعيةً – بكلِّ مالَدَيّ – لتكونَ أبنيتي حلَقةً من حلقات البناءِ الصاعدة.. أفقياً، وعَمودياً..
ف (منَ العَبَثِ،أن نقلَقَ لأشياءَ غير خاضعَةٍ لإرادَتِنا).

 

* شاعرة وكاتبة سورية