الصَّبيٓ…

بقلم ألعميد مُنذِر ألأيوبي*

هو بدأ برتشفِ فنجان قَهوته ألصَباحية من زاويةِ شُرفةٍ ألبسها ثوبآ زجاجيآ مُكتفيآ بالنظر إلى الشارع مُتفاديآ تلوث الهواء و السَمَع ، أخذَ جَريدة اليوم و بين أصابعه قلم أل Bic ألذي زامِلُه منذ ألطفولة مُتخِذآ قرارآ مُسبقآ بعَدم قراءتها و ألإنغماس بَدَلآ بِحَلِ شَبَكاتها تلافيآ لقلقٍ يزاوج رشفات قهوته ، مُتعاليآ عن ألمٍ يصعق أملآ و مُجتَرآ أحلامه في اليَقظةِ و الخيال ..!
و إذ إفتَقَدَ “ألأنوار” و صَفحَة كلماتها ألمُتقاطعة ،، قَلَبَ ألصفحاتِ إلى ألثامِنة لصَحيفةٍ تُجاهِدُ لِتَحيا وَ ألمَصلُ مَفقود داعيآ لها بطول العُمر … فَٰ ” أعمارُ ألطُغاةِ قِصارُ ” – مُستَذكِرَآ ألجواهري … !!

في شَبَكة “كلمة ألسر” إنهَى حَلَها بِسهولة و مجموع أحرُفها كلمة : فَ سَ ا د ..! أتَت الأرقام السحرية
ل Sudoku 10452 ،، تابع باتجاه نتائج “اللوتو” و ألاملُ مَقطوع غَيرُ مُتَقَطِع و أليَأسُ سَيد ،، فلم يَجد رقمآ مُطابقا كالمُعتاد … أما في “زيد” فوجد أرقام ميلاده : 183959 قَد نَسيَهُ أو تَناساه منذُ زمن …
بدأ بشبكة الكلمات المتقاطعة و قد تَشَقَق جزءٌ من جِلدِ إبهامِهِ و ألسُبابة فالقلم ينامُ بينهما مُسَبِحَآ “ألَذي عَلَمَ بِالقَلَم” سورة ألعَلَق- ٩٦-٤” …!! أما رأس القلم “ألمَيسَم” فَقَدْ فَقَدَ الغطاء و تَهشمَ من ضَغطِ أسنانه و مَضغِهِ مُعاِلِجَآ به صُداعآ نِصفيَآ – وفقَ نظرية D.Gin Leonard …!

ألمدادُ يَنسالُ أزرقآ صافيآ و ألكلِمات تَترى في خاناتها ألمُرَبعة بدايَةً جَميلَة … ألبلدٌ ألجميل طبيعة خلابة و ألشَعب ألعَظيم ،، حَيٌ ، مُبتكِرٌ، مُبدِعٌ، مُغتَرِبٌ بما يفوق ألإندماج دون إنفصام … على صَوت فيروز فَرَغ أل Bic من حِبْرِهِ … أبدَلَهُ بِ خَشَبي Fabre-Castell جرافيتي رَصاصي أسود تَساقَطت منه أحرُف كلماتٍ قاتلة ،، طائفيةٌ سَادَت، مذهبيةٌ تَفشت، فسادٌ عُمِمَ ثُم تَعَمَم، تلوثٌ تَهادى بينَ أرضٍَ و بحرٍ و هَواء، هدرٌ دون حِساب، هِجرَةٌ صُنوَ تَهجير، أحزابٌ هٍشَة، جَمعيات مُصَنَعَة و مُصطنعة، نقاباتٌ خاضِعة و مُستزلمة، فدراليةٍ مُقَنَعة Veiled Federality ، شياطينٌ أبالسةٌ سَحَرة يتناظرونَ بِمَسخَرَة .. ألخ … أصبَح ألُلبنان و صَمَتَت فيروز ..
‎جُروحٌ تَتوالى تُمَزِقُ جسم الوطن ، تَخَلٍ عن ألذاتِ و الهويةِ و التاريخ ، إنحِسار ألَمساحات ألمُشتَركة، أعشاشُ بيئات دينيةٍ عاقرة و عَلمانيةٍ كاذبة ، أما ألقِسمة فربما تصبح على ثلاثة مُستقبلآ إن بقي ..
‎سَقَط ألواقع ألسياسي في دَجَلٍ و جدَل بين إنتدابٍ و إحتلالٍ و وصاية ،، أصبَحَت
ألحقيقة عَارية فَبانت إزدواجيتها وباتَ التَلَطي خلف ألوطنية و مكافحة ألفسادِ موضة كالجينز ألمُمَزَق Jeans Pant … إلى أن قَبَضوا أخيرَآ على ألمُوَلِد Generator …!
مِنَ ألناقورة إلى ألنهرِ ألكبير و مِنَ ألشاطيء إلى ألجُرود لَم يَبقَ سوى فَجرُها و ألفِتيان هؤلاء ألَذين يُمسِكون ألعَلَم يَركَعونَ لَه و يُقسِمون … ما تَبَقى هَيكلُ فارِغٌ لَم يَبقَ في صَندوق نُزوراتِه شيء فَتَحَولوا إلى جُيوب ألمَوتى قَبل ألأحياء …
قالوا هو ألصَبي يسألونَ عن أمه و أبيه !!
قَالَ دََعوني يتيمآ فَٰ “الله أبو أليتامى وقاضي ألأرامل في مَسكَنِ قُدسه” (مزمور ٥:٦٨) …

*كاتب و باحث في ألشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية .