نساء بعضلات مفتولة في صالات ال Gym…قوة ؟ أم تطرف؟ أم جمال؟

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

خلال المئة سنة الأخيرة، أخذت الصورة النمطية لجسد المرأة أشكالا مختلفة ومتقلبة، بين الانحناءات الحادة وانعدامها، والأجزاء المتهدلة لتليها المشدودة، إلى أن انتشر حديثا شكل جديد لجسد المرأة هو حاد التعرجات، إلا أنها تعرجات مشدودة.
وبين هذا وذاك، كانت النساء تسعى غالبا إلى تأقلم أجسادهن مع المعايير السائدة في كل فترة، لكن يمكن القول إن جانبين مهمين أغفلا طويلا خلال حدوث التغيرات والقفزات الشكلية، هما الصحة والقوة البدنية.
سعت النساء بشكل عام في المئة سنة الأخيرة إلى الجري وراء المستحضرات التجميلية التي تعد بجسم رشيق، يناسب المعايير والمنتجات الحديثة لدور الأزياء، وملابس البحر، بينما كان دخولهن إلى الصالات الرياضية، تحقيقا لهذه الغاية، مع غياب خوفهن من رفع الأثقال وخسارة الكثير من العرق، بما يشبه ما يقوم به الرجال.
ولكن في الوقت ذاته، تحقق الصالات الرياضية إيجابيات تتعلق بالتكلفة المادية الرخيصة، مقارنة بالعمليات التجميلية ومستحضرات التجميل باهظة الثمن.
كما أن النتائج تكون مضمونة إلى حد ما، وطبيعية، دون أعراض جانبية صحية، مثلما هو الحال مع الكم الهائل من المنتجات الطبية والتجميلية التي تغمر الأسواق.
أول صالة رياضية للنساء:
في العام 1968، وعد أحد مراكز التجميل “إلين باوارز” في ولاية “ملواكي” الأمريكية النساء بجسم أصغر، حتى يستطعن ارتداء فساتينهن بفخر، عبر إنشاء أول صالة رياضية للنساء (Gym) في العالم.
وكان الإعلان عن افتتاح الصالة يعد النساء بجسم مناسب، يتلاءم مع الفساتين اللواتي يرتدينها “إذا كنتِ بحجم 14 يمكنكِ أن تكوني
إذا كنتِ بحجم 16 يمكنكِ أن تكوني بحجم 12
إذا كنتِ بحجم 18 يمكنكِ أن تكوني بحجم 14″.
كان الإعلان من مركز التجميل كافيا لتدفق نساء الولاية على الصالة، ومباشرتهن اللعب على الآلات الرياضية، ثم يستلمن قائمة بأنواع الوجبات التي يأكلنها، وهن يحلمن بالفتاة المثالية “إلين” التي روج له صالون التجميل على أنها الفتاة منحوتة الجسم، بما يشبه الإعلان التجاري.
وبحلول منتصف السبعينيات، كان مركز “إلين باورز” قد افتتح أكثر من 300 فرع في أنحاء الولايات المتحدة، قبل أن يغلق المركز فروعه في الثمانينيات.
إلّا أن تلك المرحلة شهدت قيام جميع الصالات الرياضية بأدوار لدعم لياقة المرأة، قبل أن يتطور الأمر إلى احتواء الصالات الرياضية النسائية على آلات رياضية ضخمة وأثقال، تشبه الآلات المتواجدة في صالات الرجال.
وانتقلت النساء في الألفية من مرحلة خسارة الوزن إلى مرحلة العضلات المفتولة، والأجسام القوية، الأمر الذي أصبح يشبه الظاهرة، بشكل يشبه دخول النساء إلى حلبات الملاكمة، والانضمام للخدمة الطوعية في الجيوش.
تحقيق الذات:
إن كانت الصورة المروج لها عبر الأفلام والمجلات في السابق، تُظهر المرأة على أنها كائن رقيق وضعيف ومغلوب على أمره، وتحتاج لرجل حتى يحميها ويخلّص لها حقوقها ويوفر لها أسباب الحياة واستمراريتها. فإن صورة أخرى للمرأة خرجت عبر الثقافة البصرية في أواسط الثمانينيات، عندما ظهرت نساء بعضلات ضخمة.
ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، أخذت الصورة الجديدة تتسع عبر وسائل تناسب المرحلة الزمنية التي نعيش، إذ تنشئ نساء على مواقع التواصل الاجتماعي حسابات وصفحات تهتم باللياقة وكمال الأجسام، وتركز على الظهور بعضلات مفتولة، كما تنشر النساء من خلالها نشاطاتهن الرياضية والتطورات التي يصلن لها بفعل الرياضة.
وتتنوع هذه الصفحات بين كمال الأجسام واللياقة البدنية، إلا أنها تعزز في نهاية الأمر حق المرأة بالحصول على القوة البدنية، كسلاح ونمط حياة، وعدم حصرها بالرجل، لما لها من تأثير إيجابي في العامل النفسي. وإلى جانب اكتساب القوة، فإن اللياقة البدنية تكسب النساء الثقة بالنفس والشعور بالاستقلالية وإعداد الذات وتأهليها نفسيا وماديا إلى جانب عوامل وإنجازات أخرى، ربما منها البحث عن الشهرة والتفرّد واكتساب متابعين على وسائل التواصل.
تطرف رياضي؟
قد تبدو صور النساء بعضلات ضخمة غير طبيعية، خصوصا عندما تبدأ الفروقات الجسدية بين المرأة والرجل بالاختفاء، مما يحدث تشوها بالحدود الشكلية بين الجنسين، الأمر الذي يفقد المرأة طابعها الأنثوي، ومعالم جسدها الأصلية، وهذا ما يثير خوف كثير من النساء المعاصرات حول ممارسة اللياقة البدنية، إلّا أن الطب يؤكد أن الوصول إلى عضلات ضخمة كما عضلات الرجل يحتاج إلى نسبة عالية من هرمون التيستيرون.
وفيما يخص كمال الأجسام الأنثوي، فإن الشكل المبالغ فيه للعضلات الرجولية يأتي نتيجة تمارين قاسية، إضافة إلى إقدام نساء كمال الأجسام على ممارسة سلوك خطر بتناول منشطات تؤدي إلى رفع الهرمونات الذكورية كمنشط ستيرويد، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى تحول المرأة لرجل، كما حدث مع الرياضي الألماني أندرياس كريغر، الذي كان سابقا هايدي كريغر.
ولكن برغم التطرف الرياضي في بعض حالات دخول المرأة لساحة الرياضة الثقيلة، إلّا أنها تعتبر من وجهة نظر أخرى وسيلة لتحقيق الذات وتمكين المرأة، إذ إن ارتباط الرياضة بالصحة جعل مقولة أن “الصحة هي للطبقات العليا” مجرّد مقولة بدائية، خصوصا مع توفر الصالات الرياضية لكلا الجنسين وبأسعار معقولة، حتى لا تكون المرأة -كما هي العادة- ضحية إعلان تجاري.