مسرح العبث .. Teatre OF The Absurd

بقلم العميد منذر الأيوبي *
 
لا يَبدو أنَ الواقِع اللُبناني سَيَستَطيع التَمَلُص من إرهاصات الموازَنة و الملفات المُتراكِمة تِباعَآ تَطوي بعضها خلف بعض ، فلا الوطن يتنفس أوكسجين ألإنعاش و لا المواطن بعيد عن توتر مصحوب بقلق
و غضب مترافق مع حزن و ألم ..
ألثوابت ألسياسية و الوطنية باتت وجهة نظر ، كذلك المعايير الاجتماعية و الأخلاقية فهي في سكون التلاشي ، أما الاقتصادية و المالية النقدية فحدث و لا حرج صِفرٌ دون كُسور وفق قول قديم مأثور :
“خَيرُ ذا مِن شَر ذا فَإذا الله قَد كَفى” بمعنى صفر مكعب ..
 
لم يُؤخَذ من علم السياسة سوى عبارة “فن الكذب” ، و لم يُكتَسَب من علم الاجتماع و نظرياته سوى “نظرية ألوصم” Stigmatisation الوَصْم ألمتجذر بالفساد و هدر المال العام ، إضافة إلى خشية من “تغير الهوية الاجتماعية” بوجود الجيران النازحين السوريين المقيمين في شبه مستوطنات بعيدة عن أدنى متطلبات الحياة الإنسانية ، أما في علم الاقتصاد فمن مباديء الاقتصاد الرَيعي Rent-Seeking قيام الحكومة بِ “رشوة” المواطنين ، بمعنى رعاية اجتماعية واسعة تستجيب لإحتياجاتهم بالتزامن مع ضرائب اقل تُخفي بموجبها فشلها السياسي و فسادها الإداري ، في الأعجوبة اللبنانية العكس حاصل ضمن وقاحة نظرية “أبو رخوصة” Abou Raghousa ..!
 
في الأمن تقوم الدولة على سيادة القانون و القضاء الشفاف النزيه العادل و المستقل ، أما الاستسابية
و تسلل السياسة بمساوئها إلى أسس النظام “الأمن و القضاء” فما هو إلا كَحَرقِ “أرتَحششتا” لِلمَذبَح Artaxerxes king of Persia تدمير ممنهج لأعمدة الهيكل لِإسقاطه على رؤوس الجميع .
من جهة أخرى ، يتميز “مسرح العبث” Absurdity Theatre وفق الفيلسوف “ألبرت كامو” Albert Camus بأللاعقلانية و إنعدام الحبكة المسرحية ، أفكار غير منطقية ، كليشيه نمطية دون معنى هو في نسخته اللبنانية دراما مشوشة و متضادة إلى حد ألثمالة أو الكفر ..!
في نفس السياق المأساوي ، يقول الفيلسوف “صامويل بيكيت” Samuel B.Beckett :
“أنه متزود جيد بالأدوية المسكنة ، يتناولها بكثرة دون أن يسمح لنفسه بالجرعة القاتلة التي يمكن أن تنهي مهمته ~حياته~ باكرآ “. سعيدآ يَرقُد في مقبرة “مونبارناس”Montparnasse Cemetery
فقد إرتسمت مسرحيته واقعٍ لبناني صَرف لم يكن يتوقعه ..!
بِألتالي ، مهدّئات تلو مهدئات من أصناف و أنواع شتى هي النسبة الاعلى المستوردة و المستهلكة في لبنان مقارنة بمعظم الدول، أما المسكّنات فَ تُضَخ عُهرَآ لزوم سَاسة يأكلون ألحرام من أهل البلد، ألتهلكة باتت معتلمة ، مؤشراتها في إكتئاب عَمَ لأسباب شتى سيان يكون في معيشة و تعليم أو طبابة
و تقاعد ..
هستيريا مكتومة متوازية مع هلوسة متكررة عن أوضاع و أزمات ، ليست الخشية من انهيار النقد أولها و لا الخوف من حُروب قد يطال تشظيها الوطن الصغير آخرها ، ألأمل مفقود عنف عائلي و جوع قارَبَ الحدود ، المعالجات قاصرة خاطئة و الظلم يسود ..!
ألجمهورية في وادٍ غائر ، يسأل ألجميع مَن ؟ و كيف السبيل إلى إنتشالها ؟؟
تظهر إستحالة في تَشبيك الصدق و النزاهة مع الوفاء للناس و الإخلاص للوطن ، قدرة عدمية Nihilism لدى القيادات على إنقاذ مُفترض و مُنتَظر يتماثل بصفاقة مع شخصية “غودو” Godot ، إنتظار لإنقاذ لن يأتي أبدآ إذ لا وجود له أصلآ .!
ماذا في قادم ألأيام ؟؟ البلد مشحون بتيار من اليأس و الغضب “عالي ألفولتية” High Voltages
>> 1500V كتسعيرة الدولار $ على العملة الوطنية المتذبذبة هبوطآ .. يقولون لا عودة إلى البيت سيبقي الجميع في الشارع على ما يبدو ، إسترسالآ ستنتشر دراما التهديد و التمرد كعدوى دون لقاح شافٍ منبتها عسكريون متقاعدون لا يفترض طحنهم في هزيع الربع الأخير من حيواتهم ..!
 
باتوا اللا مُسَمى ، في نشاط سياسي مميز و جلسات ليلية متواصلة تجسد عمق الهاوية في سحيقها ، تكشف مشكلة انعدام ألإتصال و التواصل و فهم العامَة ، إستحالة مطردة لطردهم من الهيكل بات الوطن معهم حبيس واقع و أسير قدر محتوم .!
في علم البيولوجيا Biologie تتذوق الفراشات Butterflies ألرحيق من أرجلها حيث تضعها على الزهرة أو ما تريد تذوقه بشكل دقيق تم تقوم بامتصاصهبواسطة “ألْشَفْط” – Suction Analogy .!!
هذه الفكرة الاعتراضية العلمية ليست خروجآ عن النص ، إنما تشبيه لاذع و تهكم شائع من واقع مُعاش في مواجهة قَضمٍ من مَعاش و دوسٍ على رغيف الخبز .!
في المضامين الفكرية و الإنسانية علامات شائنَة Innommable تَرتَسِم !! و تساؤل يُطرح ؟؟
هل قرروا حَقَآ ترك المتقاعدين و من يماثلهم في الهَم “و كلنا في الهم شرق – أحمد شوقي” على قارعة الطريق في وطن مَسَخوه Metamorphose صحراءً جدباء ماحلة إن عثروا فيها على شجرة فهي جرداء و إن لاحت لهم واحة فهي خيال ، أرض دون نهاية لأن لا بداية لها سوى سراب .!!
وَطَن “تراجيديا” Tragedy إغريقية ، شَخصيتان مُستَعبِدٌ و مُستَعْبَد كِلاهُهما يلهوان على خَشَبَة مَسرَح أللا معقول ، مَسرَح العَبَث ..!!
بيروت في 14.05.2019
*عميد متقاعد ، كاتب و باحث .