مسرحية ال”كورونا”…

 

 

بِقَلَم العَميد مُنْذِر ألأيوبي *

لَطالَما تميز الرئيس الاميركي دونالد ترامب بمقاربته الامور والقضايا بشكل مختلف عن الآخرين سواء يوم كان الملياردير النجم في عالم المال و ادارة الاعمال أو بعد ان وطأت قدماه عتبة البيت الابيض .. هو صاحب شخصية غرائبية في بعض أوجهها إن لَم نقل كلها في سلوكياتها تحمل صفتين متلازمتين الاولى عجرفةٌ مقيتة بحق غالبية العامة في صفاتها قلق كامن و عدم استقرار نفسي او عاطفي أما في شقها الثاني فغرور طاغي Overbearing Vanity مثار غلو بنفسه قبل اعجاب الجماهير المنجذبة بها و إليها، يجهد الرجل لابراز صورته كشخصية خارقة متفوقة يُحاول زرعها في عقول الناس في اعتقاده و لا وعيه الباطني Subconscio ان مردودها فوزآ في الانتخابات الرئاسية تجديدآ لولاية ثانية ..!

مِن جهة اخرى ؛ منذ بداية انتشار وباء COVID 19 تعاطى الرئيس الاميركي مع الجائحة بكثير مِن الاستخفاف و الانكار “وهم الحقيقة” Illusion Of Truth مقللآ مِن خطورتها مِما سبب تغاضيآ عن التدابير الوقائية بموازاة عدم رفع مستوى الانذار لدى الاجهزة الصحية و نقصآ في التجهيزات الطبية و الانقاذية كما انعكس ذلك عَلى الشعب الاميركي اهمالآ مؤداه وفاة اكثر مِن 200 الف ضحية في حين قاربت الاصابات 7.500 مليون شخص تقريبآ حتى ألآن .. أداء الرئيس ترامب اعادنا بالذاكرة الى تقرير للكاتب الاميركي Mark J. Singer في مجلة نيويوركر The New Yorker بنهاية مقابلة صحفية معه ذيله بعبارة “ترامب كائن لا يؤلمه تأنيب الضمير” Not tormented by conscience ..!
في سياق مُتَصل ؛ أتَت المناظرة التلفزيونية الصاخبة بين الجمهوري Donald Trump و المرشح الديمقراطي John Biden مساء يوم الثلاثاء 29.9 متوترة الاجواء فوضوية الاداء وضيعة في تبادل الاتهامات و الاهانات الشخصية :(إخرَس- المهرج- عديم الذكاء- أسوأ رئيس- دمية- الكاذب إلخ..) .. عَلَق عليها الاكاديمي في جامعة “ميشيغان” Aaron Kall بعبارة “انها أسوأ المناظرات في التاريخ” ..!

زمنيآ لَم يمضِ اكثر مِن 72 ساعة عَلى ما رآه و سمعه الجمهور الاميركي عَبرَ الشاشات حتى أُعلِنَ عن اصابة الرئيس بفيروس كورونا المستجد حيث نقل الى المركز الطبي العسكري Walter Reed NMMC في واشنطن و بعد ثلاثة ايام او تكاد غادر المستشفى بناء لرغبته قائلآ “انه يشعر بحال افضل مِما كان عليه قبل 20 عامآ” ، داخلآ البيت الابيض وسط هتافات مؤيديه و مِن عَلى الشرفة الرئيسية استعرض امام عدسات الاعلام نزعه الكمامة مبرزآ نفسه مقاتلآ شرسآ امام المرض موجهآ رسالته للأميركيين : “ادعوكم الى الخروج
و عدم الخوف مِن كورونا” في وقت كانت ترتفع فيه اعداد الضحايا و المصابين في معظم الولايات ..
مِما لا شك فيه ان البيت الابيض يخضع للعديد من البروتوكولات و المستويات الامنية ذات التقنية العالية اضافة الى التدابير الوقائية مِن فيروس كورونا لذلك برز التساؤل عن اسباب تفشي المرض بين العديد مِن الموظفين بهذه السرعة لا سيَما الدائرة المقربة من ترامب و عَلى رأسهم Robert O’Brien مستشار الامن القومي و Stephen Miller مستشار البيت الابيض ، المتحدثة بإسم نائب الرئيس Mike Pence و غيرهم مِن قادة عسكريين و اعضاء في مجلس الشيوخ .!

أما السؤال الاساسي فهو هَل تم تسييس الوباء .؟ هَل سيعيد COVID 19 الرئيس اقوى ام اضعف في
السباق الانتخابي .؟ المبدأ أنه في مرحلة الانتخابات كل شيء مسيس مباح ..! و نَظرآ لتقلص فترة علاج الرئيس اضافة لعدم خضوعه لفترة الحجر الصحي المفروضة كذلك عدم ظهور اية اعراض خارجية قد يعني في نظرية المؤامرة Conspiracy Theory إصابة عدة اهداف في آن معآ منها :
دعوة الناس لتحدي الفيروس حرصآ عَلى إعطاء دفعة للاقتصاد المنهار ، الترويج للعلاجات و اللقاحات التي صنعت في المختبرات الاميركية ، السعي لاستدرار عطف الناخبين و ايضآ اظهار نفسه مواجهآ المرض الفتاك دون انهزامية خاصة بعد ان اشارت استطلاعات الراي الى تقدم منافسه J.Biden بفارق كبير .. بالمقابل يبدي الاخير “بايدن” حكمة و حنكة أكثر مما كان يُتَوَقَع فهو اعتبر تصرف الرئيس غير مقبول داعيآ اياه الى اخذ العبرة مِن اعداد الاصابات و الضحايا بدل التغريدات التي تقلل مِن خطورة الوباء الخارجة عن الابحاث و النتائج العلمية الطبية .! استطرادآ يَبدو ان حوالي 40% من الاميركيين لا يثقون بصحة و صدق حقيقة مرض الرئيس يرون فيها “أدوارآ مسرحية” Theatrical Rôles ..! و في تطور لافت و غير مسبوق بدا ترامب كمن يطلق النار عَلى قدميه اذ صرح “ان التصويت بالمراسلة سيستخدم بكثرة بسبب وباء كوفيد-19 و سيشجع على “التزوير”.! أما منافسه “بايدن” فتعهد بقبول نتائج الانتخابات أيآ تكن ..!
من زاوية اخرى ؛ في حين يَبدو ان البيت الابيض تسكنه الاشباح حاليآ إذ اصبح خاليآ مِن معظم الموظفين يتطلع الرئيس ترامب الى المناظرة الثانية التي ستجري في مدينة ميامي يوم 15 الجاري تليها اثنتان بتاريخ 22 في مدينة ناشفيل و 07.11 في سولت لايك أما منافسه بايدن فقط طلب عدم اجراء المناظرات الى ان يشفى الرئيس مع التزام استخدام الكمامة و التباعد الاجتماعي ..!

أخيرآ ؛ لا يحتاج الرئيس الاميركي الى الوعي الاخلاقي لكنه بحاجة الى ممارسته في خضوعه للمعايير العلمية و رأي الباحثين المخبريين مع اعتماد استراتيجية واضحة دقيقة لصد الوباء و انقاذ ارواح المواطنين الذين يفارقون الحياة كل يوم .. سيكون سقوطه في الانتخابات الرئاسية مدويآ كما لَم يسبق ان حصل في تاريخ بلاده نتيجة منطقية ان لَم نقل حتمية لاعتماده الانكار بديلآ عن التقبل و القبول و مهاجمته بشراسة وسائل الاعلام CNN و غيرها ..!
يصف ترامب الحياة (( بأنها مكان خطر لا يمكن الوثوق به ، ان الانسان اكثر الحيوانات ضراوة و عتفآ )) من هذا المنطلق و في جحيم وباء يَعم الكوكب تفرض العلاقات الانسانية التخلي عن “النرجسية” Narcissisme و عدم جعل المواجهة مع كورونا مسرحية لصالح معركة إنتخابية غير مضمونة او محمودة العواقب ..!

*بيروت في 08.10.2020