ليبيا .. النار تأكل نفسها !

 بِقَلَم ألعميد منذر ألأيوبي
بَعدَ ثماني سَنَوات عَلى سُقوط نِظام ألعَقيد ألقَذافي لا تَزال ألأرض ألليبيَة تَحتَرِق ، تَنظيمات إرهابية ، مِيليشيات خَارِجَة عَن ألسَيطَرَة ، حُكومَتان ، جَيشان يَتواجَهان و ألفَوضى في ألسياسَة و ألمَيدان سَيدَة ألمَوقِف ..
في ليبيا أجهِزَة ألمُخابَرات وَ ألإستِعلام لِدوَل غَربيَة ، عَرَبيَة وَ شَرقيَة تَسرَح و تَمرَح على هَواها ، تَتَصارَع فِيما بَينَها ، تَتَقاطَع أهداف ألبَعض مِنها حِينَآ فَتَتَحالَف ، كَما تَتَضَارَب ألمَصالِح و ألأهْداف أحيانَآ أُخرى فَتَحتَدِم ألمُواجَهَة بِألوَكالَة عَبرَ أطراف ألصِراع ألداخِلي وِفقَ مَصالِح دوَل كُلٍ مِنها ،،
وَ هَكَذا … ألدَوامَة مُستَمِرَة وَ ألأفُق مَسدود لإنجاح أيَة تَسويَة حَتى ألآن
 
أتى ألضَوء ألأخضَر مِن القائِد العاملِلقُوات المُسَلحَة الليبيَة ألمُشير خَليفَةحَفتَر لِقواتِه بِألتحَرُك نَحوَ ألعاصِمَة طرابلُس ألغَرب وَ تَحريرَها لِيُزيد مِن تَفاقم ألأمور وَ يُمزِق أوراق ألتَسوية ألداخلية ألَمطروحة بين حُكومَة عبداللهالثني ألمَدعومة مِنه و ألباسِطَة سيطَرَتها على شَرق ليبيا و بين رئيس المجلسالرئاسي الليبي فايز السراج “حكومة ألوفاق”
ألتسويَة ألتي تَم ألتَوَصُل إلَيها أوائِل ألشَهر ألمُنصَرِم تَضَمَنَت ثلاثَة بُنود رَئيسيَة هيَ : إنهاء المَرحَلَة الانتِقاليَة ، تَوحيد مؤسَسات ألدَولَة ألمُشَرذَمَة ، إجراء انتِخابات عامَة في البِلاد تَليها ألإنتِخابات ألرئاسية ، وَ ذَلِك خِلال فَترَة زَمَنيَة لا تَتَجاوَز خَريف ألعام ألحالي 2019 …
 
مِن ألَمنظور ألجيوسياسي ، تَبلُغ مَساحَة ألأراضي ألليبية 1.750.000. Km^ و ألتَعداد ألسُكاني حوالي 6.500.000 نسمة ، ألأعْراق ألأربَعَة “ألعَرَب، ألبَربَر، ألتبوهيا، ألكراغَلَة” ،، لا صِراعات عِرقيَة فيما بَينَها أو حُروب ، القَبيلَة هيَ ألمُكَوِن ألأساسي لِلمُجتَمَعو ألقَبائِل ألمُتعَدِدَة بِمُعظمِها ذاتُ أصول عَرَبيَة …
أيضَآ ، لا يَضُم ألمُجتَمَع ألليبي طَوائِف أو مَذاهِب مُختَلِفَة حَتى ألأحزاب ألإيديولوجيَة ألسياسيَة تَكاد تَكون مَعْدومَة …
ألسؤال ألبديهي ألذي يُطرَح هو لِماذا ألصِراع ألمُسلح وَ ألتَدمير ألمُمنهج لِلدَولة و مؤسساتها و بنيتها ألتحتية .؟؟ ما هيَ هَويَتَهُ وَ أبعادَهُ ألإستراتيجيَة ..؟
ألنِزاع في أساسه مُندَلِع على خلفية سياسية و إقتصادية حَتمَيَة ، ألطاقة و موارد ألبلاد و ثرواتها ألطبيعية و موقعها الجغرافي هو ألهناء وَ ألبَلاء ، فَ السيطرةعلى ألمقدرات ألليبية هو ألهدف ..!
إذ أن أيدي ألعديد من ألدول أوروبية و عربية مُنغَمِسَة فيه و مُستفيدة منه ، من هُنا يبدو الاستقرار بَعيد الَمنال مَا لَميَتُم مواجَهة الأمر عَبر تَسويَة تَرعاها ألأُمَم ألمُتَحِدة تَضمن تَوحيد ألدَولَة ضِمن إطارٍ ديموقراطي توافقي و في نفس ألوقت تَحفَظُ و تُراعي مَصالِح دوَل ألجِوار و ألإقليم …
 
في هذا ألإطَار ،، لا يُمكِن تَفسير سُقوط ألتَسويَة ألأخيرَة و تَجَدُد ألمَعارِك سِوى أن ألمصالِح ألجيوسياسية ما زالَت مُتضاربة إلى حَدٍ بَعيد بَينَ ألأفرِقاء ألإقليميين كَما أنَ ألقواسِم ألمُشتَرَكَة مَعدومَة ، ألجِهات ألمُتَوَرِطَة وَ ما أكثَرَها تَتَقاذَف ألإتهامات و تَرمي ألمسؤوليات على بَعضها ألبَعض ،، في هذا ألأتون يُحاول ألمَبعوث ألأُمَمي إلى ليبيا ألوَزير ألسابِق ألدكتور غسان سلامة “غَير أليائِس” تَعبيد طَريق ألسَلام في صَحراءٍ من ألألغام …
 
ألصِراع يَدور مِن خَلف الكواليس إقليميآ و دوليآ لَكِنَهُ غَيرُ خَفي ، عِدَة عَناوين رَئيسيَة تَرسُم ألمَشهَديَة وِفقآ لِلتالي :
*إيطاليا تتهم فرنسا بزعزعة الاستقرارأَلليبي .!
*ألإمارات ألعربية ألمتحدة تَدعَم ألمُشير حَفتَر سياسيآ وَ مَيدانيَآ .!
*مصر تحذر من امتداد دور تركياالمُقْلِقفي ليبيا وَ مِنها إلى إلى دولأفريقية أخرى .!
*ألإمارات تُهاجِم دولة قَطَر وَ تَتهمهابالعبث في ليبيا واستهداف أمنها ، و تُقَدِيمها ألدَعم للفصائل المُتحارِبَة ..
*أين ألولايات ألمتحدة ألأميركية مِما يَحصَل ..؟
*مَا هوَ دَور روسيا ألإتحادية ..؟
لَم تَستَطِع حكومة الوفاق الوطنيالمَدعومَة و ألمُعتَرَف بِها مِن المُجتمع ألدَولي السَيطرة على ألبلاد نَتيجَة الصِراع السياسي وَ ألمُسَلَح ألمُستَحكِم بَينَ ألقُوَتَين ألمُتَنازعَتين على السُلطَة ،مِما يُؤشِر بِألتالي أنَ ألإنقِسام داخِل مَجلِس ألتعاون ألخليجي “أللاعبين ألعَرَب” لا يزال يُلقي بِظلالهِ على ألمَسرَح ألليبي ،،
وَ يَتَبلور تأثيرَهُ مِن خِلال عَدَم ألرَغبَة في ألدَفع بِإتِجاه تَشكيل ألنظام ألسياسي من جديد …
 
أما ألدَولَة ألمَصريَة فَتَعتبِر ليبيا مَجالها ألحَيوي وَ إنَ زَعزَعَة ألإستِقرار فيها سَيَنعكِس حَتمَآ على ألداخِل ألمَصري ، مِن هذا ألمُنطَلَق فإنَ أجهِزَة ألأمن ألمَصرية تَضَع ما يَجري تَحتَ ألمُراقَبَة أللَصيقَة وَ ألدَقيقَة ،، إذْ أنَها باتَت على ثِقَة مِن تَوَرُط جِِهاز ألمُخابرات ألتُركي MIT في شُحنات ألأسلحة و ألعتاد ألعسكري ألتي يتِم تَهريبَها عَبرَ ألشواطيء ألليبية إلى ألميليشيات ألمُواليَة لِدَولَة قَطَر و مَجموعات إرهابيَة مُتَطَرِفَة و أُخرى مِن جَماعَة ألأخوان ألمسلمين ..
تَأكَدَت صِحَة هَذِه ألمُعطَيات بَعدَ ضَبط قوات ألمُشير حَفتَر كَميَة ضَخمَة مِن ألسِلاح في ميناء “ألخَمَس” غَرب ليبيا مُوَرَدَة مِن ميناء إسطنبول تَحتَ سِتار مَواد بِناء وَ قَد سَارَعَت تُركيا إثْرَ ذَلِكَ إلى نَفي عَلاقتها بِألأمر … مِن ناحيَة أُخرى ،، تُشير مَصادِرُنا إلى إنتِقال مِئات ألمُسَلَحين ألتابِعين لِتَنظيمَي “داعش و ألقاعدة” مِن تُركيا ، سوريا و ألعراق إلى مِنطَقَة ألمُثَلث ألحُدودي “ليبيا ، ألنيجر ، ألجزائر “…
بُغيَة تَأسيس بُنيَة إرهابيَة جَديدَة وَ “غُب ألطَلَب” تَتَوَلى ألمَسرَح ألأفريقي …
يُستَنتَج ،، أن ألمُخَطَطات و ألعَمليات ألإستِخباراتية ألتُركيَة لَنْ تَألوا جُهْدَآ في تَرجَمَة طُموحات ألرئيس أردوغان في عَزْمِهِ وَ رؤيَتِه ألإستراتيجية ألهادِفَة إلى تَرْسيخ و تأسيس نُفوذ تُركي مؤثِر في ليبيا ، شمال أفريقيا وَ دوَل ألمَغِرب ألعَرَبي …
بِألتَزامُن ،، وَ عَلى خَلفيَة تاريخية و جيو إستراتيجية تَعتَبِر ألحُكومَة ألإيطاليَة أن مُستَعمَرَتها ألسابِقَة “ليبيا” أِحدى مَناطِق نُفوذِها وَ هيَ تَرفُض بِألمُطلَق دُخول فَرنسا عَلى خَط ألأزمَة ،، وَ قَد تَظَهَر ألخِلاف ألفرنسي – ألإيطالي مِن خِلال تَصريح وَزيرَة ألدِفاع ألإيطالية “إليزابيتاترينتا” Elisabetta Trenta ألتي حَذَرَت أمام وَسائِل ألإعلام عَلى هامِش الاجتِماعالوزاري ألأخير لِدوَل حِلف أل NATO ألذي عُقِدَ في ألعاصِمة ألبَلحيكيَة “بروكسل” Brussels نَظيرَتِها ألفَرنسية “فلورنس بارلي” Florence Parly مِن ألتَدَخُل في ألشَأن ألليبي ، مُؤكِدَةً أنَبِلادَها هيَ الدَولَة ألوَحيدَة ألمَعنيَة “إنالقيادة في هَذا ألبَلَد بيَد روما حَصرَآ”…
إستِطرادَآ ، مِن ألواضح أن آلرئيس ألفرنسي “ماكرون” بِألإضافة إلى قرارهِ مُواجَهَة ألنُفوذ ألإيطالي على ألأراضي ألليبية فَهوَ يُحاول أيضَآ إيجاد موطيء قَدَم دائم في ليبيا ، لا سيما و أن قوات من ألجيش ألفرنسي تتواجد في دولة مالي ألمتاخمة حُدوديَآ ، على هذا ألأساس جاء ألدَعم ألفرنسي لِلمُشير خليفة حَفتَر و حَثِهِ على ألبِدء بِحملتِهِ ألعسكريَة نَحوَ ألعاصمة وَ ألإمساك بها ضمن نظرية “ألمَيدان يَحكُم” وَ بألتالي ألقضاء على ألميليشيات ألمُتَمَركِزة فيها مِما يٍضمَن تحسين شروط ألتفاوض مُستَفبَلَآ و فرض ألأمر ألواقِع … لَكِن ألخشيَة هُنا تَكمُن في ألإنزِلاق نَحوَ مَزيد مِن ألفَوضى في حال صُمود ألميليشيات و تَحول ألمعركة حَرب إستنزاف و حِصار طويلَي ألأمد …
 
ماذا عَن ألدَور ألأميركي ..؟
لا يزال ألتَرَقُب عُنوانَهُ ..! إلا أنَ ألأزمَة سَتَتَضاعَف وَ تَتَفاقَم في حال لُجوء ألحُكومَة ألإيطالية إلى مُواجَهَة ألنُفوذ ألفرَنسي عَبرَ تَحالُف تَكتي مَع واشنطن تَحصَل مِن خلاله عَلى تَفويض بإدارَة ألأزمَة وَ وقف ألإشتِباكات و ألمعارِك عِندَ ألخُطوط ألَتي وَصَلَت إلَيها ، مِنْ ثُمَ تَوجيه ألعَمَلية ألسياسية بِما يَضمن أمنَها ألقَومي و مَصالِحَها ألجيوسياسية في ليبيا وَ سواحِل المغرب ألعربي ، هذا ألتَحالُف غَير مُستَبعَد فَهوَ قابِلٌ للولادة و ألنَجاح في ظِل إنعِدام ألكيمياء بَينَ ألرئيسَين ترامب و ماكرون ، إضافَةً إلى تَضارُب في ألرؤيا وألأهْدَاف ألإستراتيجية عَلى ألمَسرَح ألأوروبي بَينَ واشنطن و باريس ..
 
في ظِل ألصَمت ألأميركي حيال ألأزمة ألليبية ، كان لافِتَآ إعلان الرئيس دونالدترامب تشجيعه ألحُكومة ألإيطاليَة على عقد مؤتمر دولي لِلسلام يَكون بَديلَآ عن مؤتمر باريس الذي انعقد ألعام ألماضي و وضع خارطة طريق لانتخابات برلمانيةو رئاسية إلا أن مقرراته بقيت حبرَآ على وَرَق ..!
 
ماذا عَن ألدَور ألروسي ..؟
بِألتوازي مع دَعوَة ألإتحاد ألأوروبي يَومَ أمس ألإثنين ألمُشير خَليفَة حَفتر إلى وَقف هُجومِهِ عَلى ألعاصِمَة ألليبيَة وَ ألعَودَة إلى طاوِلَة الُمفاوَضات تَجَنُبَآ لِحَربٍ أهليَة أعلَنَ ألمُُتَحَدِث بِإسم ألكرملين “ديمتري بيسكوف” : أن روسيا تَستَخدِم كُل ألإمكانات لِوَقف إراقَة ألدِماء في هذا ألبَلَد ..!
 
عَلى أرضِ ألواقِع ، بَعيدآ “لا تَكذيبآ” عَن ألتَصريحات ألإعلامية يَبدو أن ألمُشير حَفتَر بَدَأ إستِدارَته نَحو موسكو ألَتي تَلَقفَت حَرََكَته وَ مَنعت صُدور بَيان عَن مَجلِس ألأمن ألدَولي يَدعوه لِوَقف هُجوم قُواتِه على طرابلس .. بِألمُقابِل أكَدَت واشنطن رَفضَها ألشَديد لِعَمَليَة ألجيش ألوَطَني ألليبي داعيَةً إياه إلى وَقفٍ فَوريٍ لِلهُجوم ..
آخر ألدَعَوات لِلتَدَخُل ألروسي في ليبيا جَاءَت أمس في تَصريحٍ لِوزير ألخارجية عبد ألهادي ألحويج في حُكومة عبدالله ألثني ألمواليَة للمُشير حفتر ، طَالَبَ فيها موسكو رِعايَتَها عَقد مؤتَمَر وَطَني لِلمُصالحَة يَضُم كافَة ألأفرِقاء ألليبيين بُغيَة إنهاء ألنِزاع .. وَ مِن ألواضِح أنَ ألرئيس بوتين غَير مُستعجِل ألولوج إلى ألساحَة ألليبية ، هوَ يَنتَظِر تَهاوي ألبَيادِق تِباعَآ و إنهَاك أفرِقاء ألصِراع لِلتَدَخُل …
خِتامآ ،، بِرعايَة ألأمَم ألمُتحِدَة مُمَثَلةً بِمَبعوثِها ألدائم إلى ليبيا ألوَزير غسان سلامة سَيَنعَقِد بتاريخ 14 ألجاري و عَلى مَدى يَومَين ألمُؤتَمَر ألدولي لِحَل ألأزمَة ألليبية في مَدينة “غدامس” ألواقِعة على ألمُثَلَث ألحُدودي مَع تونِس و ألجَزائر ،، ألآمال مَعقودَة على نَجاح عَمَليَة “قَسطَرَة” ألإنسِداد ألسياسي لِلتَسويَة عَسىانا نُهَنْيء بِألسَلامَة …
بَيروت في 09.04.2019