فراغ الوقت الضائع

 

بقلم : نمر أبي ديب*

في حين ينتظر اللبنانيون حلحلة سريعة لِلعِقَد الحكومية، تنتظر مُجمَل الطبقة السياسية الموجودة في لبنان إكتمال المشهد الإقليمي – الدولي، على مسرح العودة الأميركية إلى المنطقة للبت في جُملَة مؤثرات داخلية، من ضمنها تشكيل الحكومة العتيدة، والعمل على إخراج لبنان من كنف “العزلة الدولية” التي يعيشُها اليوم، بالرغم من الدور الفرنسي المحدود والمشروط بتنفيذ المبادرة الفرنسية أولاً للحصول على الدعمين المالي والسياسي.

ما يجري اليوم على الساحة الداخلية إجتهاد لبناني في فراغ الحل السياسي ومحاولات محدودة تفتقر في هذا التوقيت إلى مظلة إقليمية – دولية جامعة وموقف أميركي حازم حاسم من جُملة عناوين شرق أوسطية، لضمان فرملة سياسية ناجحة للفوضى الإستثنائية التي خَلَّفَها الرئيس السابق دونالد ترامب في كل من سورية، اليمن، العراق، ليبيا، وغيرها من الدول الشرق أوسطية التي شملتها ثنائية صفقة القرن/قانون قيصر، والشروع في صياغة مشاريع الحل الإقليمية أو الدخول المُمَنهج في تسويات كُبرى، ضامنة في الحد الأدنى لتوازنات إقليمية ومساحات نفوذ شرق أوسطية، لبنان اليوم جزء لا يتجزأ من منظومتها الأساسية وأيضاً من عِقاريتها الجغرافية سواء على مستوى التهديد الذي شكَّله تفجير مرفأ بيروت لدول المتوسط،  أم على مستوى الحاجة الدولية أميركية كانت أم أوروبية لتوازن عسكري جديد حالي أو حتى مستقبلي مع روسيا في المنطقة.

من شروط العودة الأميركية اليوم إلى المنطقة، عناوين أساسية أمنية، سياسية، وحتى إقتصادية، تتعاطى معها الإدارة الأميركية الجديدة على قاعدة خيارات مُلزِمة، لتحديد المسار الإستراتيجي الذي يُفترض أن تتظهَّر من خلاله السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، ويتحدد من جدِّيَتِه سقف العودة الأميركية المُرتبط اليوم بِجُملَة مؤثرات شرق أوسطية وعناوين أساسية أبرزها:
– الإتفاق النووي مع إيران التحدي الأكبر للولايات المتحدة الأميركية في هذه المرحلة، ومفتاح العودة الحقيقية إلى المنطقة نظراً للحساسية الإقليمية التي يتركها هذا الملف على دول الممانعة اليمن سورية، العراق، ولبنان تحديداً.
– الزعامة السنية في المنطقة، حجر الزاوية، والأساس التاريخي في المعادلة الإقليمية التي تصدرت على مدى عقود طويلة من الزمن الواجهة الإقليمية لأحد المُعَسكرين على الساحة الإقليمية وتمثَّلت في مراحل سابقة بما عُرِف بمعادلة ال”سين سين” (سوريا/السعودية) واليوم تتراوح بين إيران من جهة والمملكة العربية السعودية أو تركيا من جهة ثانية.
– شرق المتوسط وتحديدا الشراكة الأميركية الأوروبية في المنطقة وهنا تجدر الإشارة إلى جُملة مسلمات أبرزها:
الفاعلية الفرنسية في المنطقة قائمة اليوم على مفصلية الحرب النفطية مع تركيا شرق المتوسط، وتَأَخُّر الحسم الفرنسي على هذه الجبهة أحد أسباب المراوحة الفرنسية في ملفات عديدة من ضمنها لبنان والمبادرة الفرنسية تحديداً.

مما لا شك فيه أن الإرتباط الأميركي مع شرق المتوسط وثيق جداً إنطلاقاً من عاملين: “الزعامة السنية” “المُتَمَثِّلة اليوم في تركيا بالدرجة الأول، وحجم الشراكة الأميركية الأوروبية في مراحل لاحقة في الدرجة الثانية، وهنا بيت القصيد الأميركي لا بل مفصلية الإختيار الأميركي للزعامة السنية وتأثيره المباشر على مجرى الأحداث والسياسات الإقليمية اللبنانية، السورية، اليمنية، وأيضاً على التصادم النفطي المُعلن بين فرنسا وتركيا شرق المتوسط وفي هذا تأكيد أميركي على إتجاهين:

– حسم الزعامة السنية في المنطقة لصالح تركيا يضعنا أمام شراكة نفطية أميركية/تركية في شرق المتوسط مع مُراعاة دولية للنشاط التَوَسُّعي الذي تمارسه تركيا، وفي هذا تحجيم “مُمَنهج” “للدور الفرنسي في المنطقة، ولبنان اليوم من خلال المبادرة الفرنسية جزء لا يتجزأ من هذا الدور.

– حسم الزعامة السنية في المنطقة لصالح المملكة العربية السعودية يضعنا أمام معادلتين فرملة الإندفاعة التركية في شرق المتوسط وأيضاً في كل من سورية وليبيا وهذا يؤسس إلى تغيير شبه كامل في ملامح المنطقة، وأيضاً في خارطة التحالفات الإقليمية ونظام الأولويات
ثانياً شراكة أميركية – فرنسية مشروطة بمعايير المصلحة الأميركية ومساحات التمدد الأوروبي، وفي هذا تخلِّي أميركي شبه كامل عن خيار “الأخوان المُسلمين” أقله في المراحل المقبلة من ولاية “جو بايدن”،

إنطلاقاً من ما تقدَّم، بات واضحاً للجميع حجم التعقيد المُتنامي في جدلية المشهد اللبناني. بات واضحاً حجم المُسائلة الإقليمية – الدولية التي يَتَوَجَّب على اللبنانيين إِجرائَها في هذه المرحلة، لإخراج لبنان من كنف الهيمنة الخارجية التي تتحكم بشكل كامل في قراره الداخلي مُستقبله السياسي، من هنا لا حلول مُنفَرِدَة في هذه المرحلة ولا حتى تسويات بمعزل عن القرارين الإقليمي والدولي الجامع على مستوى أمن المِنطقة ثُنائية الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، ما يجري اليوم على الساحة اللبنانية مُراوحة داخلية لا بل إنتظار مؤقت على مسار العودة الأميركية الكاملة إلى المنطقة، وأي خرق يمكن أن يُسجَّل اليوم على الساحة الداخلية سواء على مستوى التأليف الحكومي أو غيره قبل إتمام العودة الأميركية، هو خرق مؤقَّت غير مُحَصَّن دولياً، قابل للسقوط السياسي في أي لحظة على عدة مسارات وإعتبارات من ضمنها التعارض مع الأولويات الإقليمية في هذه المرحلة، الدخول في لعبة التناقضات الداخلية وعدم الإلتقاء مع تطورات الساحة الدولية. حمى الله لبنان.


*ناشط وكاتب سياسي