عودة الحرب الباردة ..

 

بقلم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي*

إعلان مايك بنس Mike Pence نائب ألرئيس ألأميركي أمس عن قرار الرئيس ترامب البدء بتشكيل قوة فضاء مستقل تخضع لقيادة فضائية موحدة قبل عام ٢٠٢٠ لم يكن مفاجئآ في ظل تنامي ظروف الحرب الباردة سياسيآ، إقتصاديآ و عسكريآ.. إعادة تفعيل و تطوير مبادرة الدفاع الاستراتيجي “المخالفة تمامآ لإستراتيجية التدمير المتبادل” و التي تسمح بِإستخدام الأرض والنظم الفضائية لحماية الولايات المتحدة من هجوم بالصواريخ الباليستية النووية الاستراتيجية (الدرع الصاروخي ألأميركي) US Missile Defense تأتي ضمن إطار ألرد على أية تهديدات فضائية مُحتملة من روسيا و الصين “أسلحة مضادة للأقمار ألإصطناعية، الليزر و غيرها”.. أو هجوم صاروخي “إيران- كوريا الشمالية- كوبا”..
إنشاء قوة فضائية مستقلة جاء بتوصية من المجلس الوطني الاميركي للفضاء بغية مجاراة التطور العسكري التكنولوجي “عسكرة الفضاء” ،، كما أنه يؤكد على البعد الرابع المُستَجِد في الحروب و الميدان “بر – بحر – جو – فضاء” و الذي لا يمكن تجاهله ..
قرار الرئيس ألأميركي ترامب أتى بالتزامن مع قرار آخر إتخذته ألإدارة ألأميركية أواخر ألأسبوع الماضي يقضي بإنسحاب واشنطن من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى Intermediate-Range Nuclear Forces Treaty INF و التي جرى التوقيع عليها من قبل الرئيسان رونالد ريغان و ميخائيل غورباتشوف عام ١٩٨٧ الهادفة إلى إزالة و تدمير الصواريخ الجوالة و البالستية التقليدية و النووية من كِلا الجانبين اللذان إلتزما بها على مدى ثلاثة عقود .
ألإنسحاب من المعاهدة أتى من ضمن ألأنسحابات المتتالية للولايات المتحدة من ألإتفاقيات الدولية “برنامج إيران النووي – ألإتفاقات التجارية : المكسيك-كندا-الصين مثلآ” ،، مما زاد من حال التوتر و الترقب و دفع بإتجاه سباق تسلح مُضمَر بين الدول الكبزى الثلاث أميركا، روسيا و الصين ..
من جهة أخرى إعتبرت موسكو قرار البيت ألأبيض ألإنسحاب من معاهدة INF خطأً فادحآ و أن هذه الخطوة “ستجعل العالم أكثر خطورة” وفق ما صرح الناطق بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف Dimitri Piskov
‏kremlin Press Secretary ..
‎على ما يبدو الرئيس ألأميركي مقتنع أن العالم ما زال One-Pole World أحادي القطب رغم وجود الرئيس بوتين على رأس روسيا الاتحادية و هذا ألأخير يضع في أولى أولوياته إعادة التوازن العالمي “ألقطبية الثنائية أو تعدد ألأقطاب”،، أمن روسيا ألإستراتيجي ، ألأمن العالمي و الهيمنة الاميركية اللا محدودة .
كما أن ألإنسحاب من هذه الاتفاقية يعني ان الولايات المتحدة ستعيد نشر منصات صواريخ
‏M-K 41 المتوسطة المدى “1000-5000 km” لا سيما في مياه المحيط الهاديء و جنوب شرق آسيا مما يرفع من مستوى التوتر والتهديد مع الصين كما يعطي الولايات المتحدة القدرة على ضرب بطاريات الصواريخ الصينية المضادة للسفن المتمركزة على سواحل بحر الصين الجنوبي ، مع ألإشارة أن هذه ألصواريخ سبق و تم نشرها مؤخرآ في رومانيا و بولندا أي في الحديقة الخلفية لروسيا ألإتحادية ..

لماذا المحيط الهاديء و السواحل الصينية ؟؟
في قراءة تحليلية يتبين أن الولايات المتحدة دخلت في منافسة إستراتيجية مع الصين فإضافة إلى الحصار ألإقتصادي الذي تفرضه على بكين و رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بشكل غير مسبوق و دعم الهند الجارة اللدود،، فإن تواجد ألأسطول الاميركي في المياه الدولية المحاذية لبحر جنوب الصين يشكل عامل ضغط إضافي على الحكومة الصينية لما له من أهمية إستراتيجية،، إذ يمر عبره ثلث الشحنات البحرية العالمية كما تبين مؤخرآ انه يحتوي على احتياطات هائلة من النفط والغاز الطبيعي .
الحرب الباردة الجديدة تزداد رسوخآ لجملة أسباب و وقائع ذات أبعاد جيوسياسية من ضمنها رد الكرملين اليوم بأن روسيا ستضطر إإلى التعامل بالمثل في حال باشرت الولايات المتحدة تطوير صواريخ مُحَدَثة بعد الانسحاب من المعاهدة INF .

جون بولتون المستشار الرئاسي لشؤون الامن القومي الاميركي زار أمس موسكو و بحث مع القيادة الروسية جملة مواضيع ذات إهتمام مشترك (سوريا- إيران- تركيا- ألأكراد الخ ).. و لعل أهمها “كما سبق و توقعنا” في الرأي السياسي ،، التحضير للقاء الرئيس ترامب مع نظيره الروسي في باريس الشهر المقبل على هامش الذكرى المئوية للحرب العالمية ألأولى، لكن قرار الانسحاب من معاهدة القوى النووية المتوسطة INF أضاف بندآ جديدآ على جدول ألأعمال ..
من فلاديفوستوك Vladivostok إلى لشبونة Lisbon هي أوراسيا Eurasia الجيوسياسة و من يتحكم بأوراسيا يتحكم بالعالم ،، هذه هي صُلب الشراكة ألإستراتيجية بين موسكو و بكين في مواجهة الهيمنة ألأميركية .. أما إستراتيجية واشنطن اليوم فمن ضمنها الهيمنة على الفضاء فهي تعتبر أنه ميدان المعركة المستقبلي فهل سيصدر ترامب قريبآ قراره الانسحاب من معاهدتي الفضاء الخارجي The United Nations Office for Disarmament Affairs (UNODA) التي تمنع نشر الأسلحة في الفضاء ، و معاهدة حَصر إستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية The United Nations Committee on the Peaceful Uses of Outer Space (COPUOS) لا شيء مُستبعد في براغماتية Pragmatic ترامب كما لا شيء مستحيل .. ؟؟

*كاتب و باحث في الشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية