عملية الفجر ..!

 

بقلم ألعَميد منذر ألأبوبي*

ألأحد 29 ألشهر ألماضي شنت ألقوات ألأميركية بواسطة ألطائِرات ألمسيرة عدة غارات جوية خاطفة على قواعد تابعة لكتائب “حزب الله” – ألعراق شملت ثلاثة مواقع في ألأراضي ألعراقية و مركزين آخرين في سوريا من ضمنها منشآت للقيادة و ألسيطرة و ألعمليات بألأضافة إلى ملحقات أللوجستية ..
بيان وزارة ألدفاع ألأميركية Pentagon اختصر معطيات ألعملية ألجوية على لسان مساعد وزير ألدِفاع “جوناثان هوفمان” Jonathan Hoffman قائلآ أنها جاءت ردآ على ألهجمات ألمتكررة على قَواعِد قوات ألتحالف ألدولي المشترك في محافظة (كركوك) ألعراقية التي تقاتل تنظيم الدولة الاسلامية “داعِش” مِما أسفر عن مقتل خمسة عسكريين أميركيين و أثنين من قوات ألأمن العراقية مضيفآ أن هذه الضربات ستقوض قدرات ألحزب لِجِهَة شن هجمات مستقبلآ ..! مع ألإشارة إلى أن ألقيادة ألمركزية ألأميركية ألوسطى سبق و أعلنت أن هذه ألكتائب تلقى ألمؤازرة و ألدعم و تشن هجماتها بألتنسيق مع فيلق ألقدس ألتابع للحرس ألثَوري ألإيراني و وِفقآ لبنك أهدافه ..!

من جهة أخرى ، تعتبر دوائر ألبنتاغون أن ألقوات ألأميركية متواجدة في ألعراق بناء لطلب ألحُكومَة بِهَدَف مُعلن طبعآ هوَ مواجهة ألتنظيمات ألإرهابية و أن خبراءها ألعسكريين يعملون على تدريب و تأهيل وحدات ألأمن ألعراقية كما أن قواتها لن تتوانى عن ممارسة حقها في ألدفاع عن ألنفس في مناطق إنتشارها ..!
في نفس ألوَقت حذرت واشنطن إيران من نشاط ألقوى ألموالية لَها و من مواصلة هجماتها على قوات ألتحالف و وجوب إحترام سيادة ألعراق تفاديآ لأية ردود دفاعية موجعة من قواتها ..! بِألمقابل أعلنت قيادة ألحشد ألشعبي أن ألعدوان ألأميركي إستهتار بألسيادة ألعراقية و إنتهاك لكل ألمعاهدات لا سيما منها ألمعاهدة ألأمنيَة ألموقعة عام 2014 ألمتضمنة “تَحديد ألأحكام و ألمتطلبات ألرئيسية ألتي تنظم ألوجود ألمؤقت للقوات العسكرية ألأميركية في ألعراق و أنشطتها فيه و كيفية إنسحابها مِنهُ”. ..

بألتزامن ، بَدا أن عدة خطوط تقاطعت أمام ألرئيس ألأميركي دونالد ترامب منها ما هو في ألسياسة ألخارجية على سبيل ألمثال “عَودَة كوريا ألشمالية إلى تطوير أنظمة صاروخية موجهة حديثة إذ ان ألبيانات ألتكتيكية و ألخصائص ألتقنية وصلت إلى مرحلة تقييم ألجهوزية ألعملانية و ألفاعلية ألقتالية – ألعلاقات ألتجارية و ألإقتصادية ألمأزومة مَع ألصين و إنعكاساتها إلخ “.. و منها ألمتعلق بِألسياسة ألداخلية “قضية عزله و ألضغوط ألتي يتعرض لها من مجلس ألنواب ألأميركي – ألإنتخابات ألرئاسية ألقريبة هَذا ألعام إلخ”.. أما ألتقاطع ألسلبي في خطوط ألمَيدان فَتبدأ بإخفاقه تنفيذ إلتزاماته بإعادة فتيان ألمارينز عاموديآ إلى ألديار من مسارح ألصِراع ألغير مجدية – عجزه عن تنفيذ تهديداته ألمتكررة بحق تُركيا بعد حيازتها منظومات ألصواريخ ألدفاعية ألروسية S-400 إلخ…” إضافَةً إلى مواجهته إستخفافآ أوروبيآ فاضحآ بشخصه و مواقفه خلال مؤتمر قمة حلف شمال ألأطلسي NATO ألتي عقدت مؤخرا في ألعاصمة لندن وِفقَ ما نشرته صحيفة “إندبندنت” البريطانية ، مشيرةً أن ترامب ألغى مؤتمره الصحفي مغادرآ قمة الناتو “كان غاضباً على ما يبدو من قادة بالحلف ، كانوا يسخرون منه”..!

هَذِه ألخيبات حَاوَلَ ألرئيس ترامب تجاوزها أو ألهروب منها وفق خصائص شخصيته ألمعقدة “ألماكرة ، ألمراوغة ، ألمتغطرسة ، ألمغرورة و ألحيوية في آنٍ معآ” وِفقَ ما وصفته صحيفة Periódico 26 ألإسبانية ، حيث وجد في قراره إغتيال ألجنرال قاسم سليماني عَبرَ أمر مباشر وجهه لمستشار ألأمن ألقومي “روبرت أوبراين” Robert O’Brien -US.NS و مديرة وكالة ألاستخبارات ألمركزية CIA “جينا هاسبل” Gina Haspel و بحضور كل من وزير الخارجية “مايك بومبيو”و وزير الدفاع “مارك إسبر” و رئيس هيئة الأركان في الجيش الأميركي “مارك ميلي” خيارآ يتناسب مع أللحظة ألفرصة ، ألوضع ألمستجد و ألمصلحة ألشَخصية تحت مظلة (أمن ومصلحة ألدَولَة ألعُليا) Raison D’Etat ..

في مختصر عملية ألتنفيذ : ألساعة ألثالثة فجرآ إنطلقت من قاعدة “ألعيديد” ألقطرية ألجوية ثلاث طائرات مُسيرة نوع MQ-9 Reaper ألمجهزة بتقنيات ألمراقبة و ألإستطلاع ، ألمسلحة بصواريخ AGM-114 HellFire و ألمعدة لتنفيذ عمليات “ألحرب ألغير نظامية” Irregular Warfare أو “ألحرب ألهجينة” Hybrid Warfare بإتجاه ألعاصمة بغداد حَيثُ أطلقت أحداها صاروخين “هيل فاير” بإتجاه موكب من سيارتين ذات دفع رباعي على طريق مطار بغداد ألدولي مما أدى إلى تدميرهما كليآ و إستشهاد قائد فيلق ألقدس أللواء قاسم سليماني و نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي ألمهندس و مرافقيهما ..

في ردود ألفعل و ألإنعكاسات ، يمكن ألقول أن ألمشهد في ألداخل ألإيراني سيتغير بعض ألشيء نتيجة حتمية لعملية إغتيال إستهدفت قائدآ عسكريآ ذو رمزية مستمدة من إيديولوجيا دينية تشكل روح ألثورة ألخمينية (إنشاء “أمةٍ موحدة وعالمية من المؤمنين) و سيذهب نحو تضامن و تهدئة إثر سلسلة إحتجاجات و تظاهرات إعتراضية طالت ألنظام و أدواته و ألسياسات ألمتبعة ؛ أما حيوية ألتمدد و ألتوسع ألجيوسياسي فستبقى على حالها ،، و بِغَض ألنَظَر عن ما يختص بألأعداء و ألحلفاء لمحور ألمقاومة و إيران على مستوى ألإقليم فإن ألتناقض في ألداخِل ألأميركي كان جليآ مع ألإكتفاء بتعليقين إثنين يوجزان ألوضع فألسيناتور ألجمهوري Lindsey Graham ألمقرب من ألرئيس ترامب وصف ألهجوم بِ “ألعمل ألشجاع ضد ألعدوان ألإيراني” أما ألمرشح ألرئاسي Joe Biden فإعتبر “إن ترامب ألقى أصبع ديناميت في برميل بارود” مضيفآ إنه تصعيد هائل في منطقة خطيرة و متوترة أساسآ ..! عراقيآ ، صَوَتَ مجلس ألنواب أول من أمس الأحد لصالح قرار “يلزم الحكومة العراقية بإنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية و لأي سبب كان”.. مما يفرض على ألحكومة إتخاذ قرار إلغاء ألإتفاقية ألأمنية مع ألولايات ألمتحدة ألأميركية و إبلاغ ألأمم ألمتحدة بذلك ..

في ألتقييم ألموضوعي ؛ مِما لا شك فيه أن عملية ألإغتيال أسقطت كل ألمحاولات و ألوساطات لتقريب وجهات ألنَظَر بين واشنطن و طهران إذ صَفَرَت كل أملٍ بعلاقات ألحد ألأدنى بينهما و عطلت مفاعيل الجهود ألمبذولة سواءً من قبل ألأوروبيين و بألأخص (فرنسا) أو ألإقليميين (سلطنة عمان) بإمتياز ، كَما أدت إلى ألتصاعد ألأقصى في منسوب ألتوتر و ألإقتراب من حافة ألحرب ألمباشرة دونَ وكلاء ؛ و إذ يستنتج حتمية ألرَد يُستقرأ مما تقدم تعليقين كافيين : مجلس ألأمن ألقومي ألإيراني”ألإنتقام سَيَكون ثقيلآ و مؤلمآ و سيشمل ألرَد ألمنطقة كلها” ؛ أمين عام حزب الله ألسيد حسن نصرالله “إخراج ألولايات المتحدة من ألمنطقة و عَودَة ألجنود ألأميركيين في ألنعوش”..

في سياق متصل ؛ فإن مناورات “حزام ألأمن ألبحري” ألتي نفذتها مؤخرآ ألقوات ألبحرية للثلاثي إيران، ألصين و روسيا في مياه ألخليج و شمال ألمحيط ألهندي شكل حافزآ إستراتيجيا و تحذيريآ في آن بألرغم من أن ألإستراتيجية ألأميركية للدولة ألعميقة متصدعة Cracked Strategy إلى حد ما إضافَةً إلى أن ألتميز ألتنافسي ألإستراتيجي Competitive Differentiation على كافَة ألصُعُد معقود لواءه للولايات ألمتحدة إذ لا يمكن تخيل إنهياره بنظر خبرائها و أجهزتها و باحثيها رُغم عَودَة إدارة ألكوكب إلى نظام ألثنائية ألقطبية مع روسيا و ألمتعدد ألأقطاب مستقبلآ مع ألصين ..!

في سيناريوهات ألرَد ألعسكري ؛ ألداخِل ألإيراني في حالة غضب عارم و ألجنرال سليماني ذو شعبية طاغية مِما يَفرُض على ألقيادة ألإيرانية أن تستجيب لإنتقام رادع لكن وفق رأي ألخبراء متساوٍ في ألحجم و ألنوع و هَذا ليس أمرآ سهلآ فألثقل نوعي بإمتياز و ألرايات ألحمراء ألتي ترمز للثأر رفعت على ألقباب و ألمآذن كَما أن ضمانات عدم ألإنزِلاق إلى ألحرب ألشاملة غير متوفرة إطلاقآ و هذا ما أثبته ألرئيس ألأميركي بِدايَةً بأمر ألقتل ألمفاجيء و ألَذي أعتُبِرَ خطأً إستراتيجيآ وخيمآ ..! من هذا ألواقع ألمعضلة سيشمل بَنك ألأهداف ألإيراني : ألقطع ألبحرية ألأميركية ، ألمنشآت و ألناقلات ألنفطية ، ألقواعد ألعسكرية و بقع ألإنتشار لا سيما في ألعراق و سوريا ، شخصية عسكرية إذا أمكن بحجم ألقائد ألإيراني و هو من ألصف ألثاني تُماثِل طريقة ألإغتيال ، أما ألمكان و ألزمان فمرتبطان بتتبع ألهدف و ألوصول إليه و تأمين ألفرصة ألمناسبة ..

من ألواضح أن عملية خلط أوراق جديدة ترتسم على سطح ألمشهد ألإقليمي و ألدولي ، لكن حركة ألبيادق لا تشمل “كش ملك”.. رائحة ألغاز تزكم أنوف ألأوروبيين إذ أن أنابيبه مُدَت من سواحل فلسطين ألمحتلة إلى قارتهم تحت مياه ألمتوسط .. ألكل مرتبط بألكل حتى نواة الجزيئيات .. ألكعكة ألصفراء Yallow Cake عادت تُخبَز في مفاعل “آراك” ألنووي دون أية إلتزامات .. على جانب ألمسرح أيضآ تُركيا – أردوغان تحضر جيشها للوصول إلى ليبيا ضمن طموح ألدور ألصعب .. في ألكواليس نتنياهو لن يتوانَٓ عن إستغلال ألعملية لحرق ملفات ألفساد ألمتورط بها أما ألكوابيس فلن تفارقه بغياب ألرجل .. في حين أن ألرئيس ألروسي بوتين يقرأ ألتحديات ألإستراتيجية و ألتفاعلات ألجيوسياسية بهدوء ألعالِم يحلل ألمعادلات ألكيميائية للعناصر الملتهبة بُغيَة تبريدها في ألوقت ألمناسب مع مضاعفة ألمكاسب إن تمكن ..!

خِتامآ ، ألشروخ قاتلة عميقة وألأوضاع صعبة ، ترف ألهندسات ألحكومية ألمستعادة أمر غير عقلاني وألتذاكي في ألقنص على تشكيلة ألحُكومَة أللُبنانيَة ألجديدة وحقائبها يجب أن يكون إنتهى و لَو من باب ألحَيا وإعلانها بَدا .. إستنفار ألعدو وحداته جنوبآ أمر مفروغ منه و معتاد لَكِن ألخِشيَة هي من أشباحه في إنتهازية ألفرص قد تحاول تشويه الحراك و تمزيق ألتضامن ألشعبي و ألوطني و ألجيش لها بألمرصاد .. بألتوازي رُغم دموية الآلام و سوداوية ألأحزان لن يَجُر حزب الله ألبلد إلى حرب ومواجهة مع ألعدو “أللهم إلا إذا” كَما يتفادى فتنة ألداخِل ،، ألترقب و ألإنتظار سيدا ألوضع ألحالي فيما ألمنطقة تغلي على صفيح ساخن ،، حمى ألله لُبنان ..!

بيروت في 07.01.2020
عَميد،كاتِب و باحث.