عاصمة الشتات الفلسطيني والامساك بالقرار..!

 

بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

قد صدفة واحدة في هذا العالم تغير مجرى حياة.. يقول الكاتب الاميركي مارك توين “ان أسم أحد أعظم المخترعين هو الصدفة”. اما في الحقل الامني والعسكري فتنتفي مبدئيآ الا ما ندر لتصبح محاكاة لعامل المفاجأة الى حد ما.. بالتالي لا مراء ان مخططآ مدروسآ مرسومآ بدقة غير عرضي ينفذ في مخيم عين الحلوة مع كل صلية نار..!
في السياق تأتي عملية اغتيال اللواء اشرف العرموشي ومقتل اربعة من مرافقيه بعد مراقبة وتحضير جهوزية، فتيلآ مناسبآ لاشعال الوضع معركة مفتوحة بتدخلات خارجية واستخباراتية معتادة ..! يعتبر مراقبون اولى خطواته “المخطط” زيارة رئيس المخابرات العامة الفلسطينية ماجد فرج الى بيروت اواخر الشهر الماضي ولقائه عددآ من قيادات الفصائل الفلسطينية الرئيسية ثم قادة الاجهزة الامنية اللبنانية، وهنا جملة اسئلة طرحت:
*هل استشفت “الاجهزة اللبنانية” من هذه اللقاءات وهي في الاصل خارج المعتاد الديبلوماسي أمرآ او هنةً تسمح ربطها بالاحداث الجارية في ظل هدوء وان نسبي مضبوط كان يسود المخيم..؟
*هل تأتي زيارة عزام الاحمد وموسى ابو مرزوق صباح اليوم الى بيروت ردآ على حراك ماجد فرج في الساحة اللبنانية وبالتالي اسقاط ما حاكه على افتراض،
وبالحد الادنى غلاف الملف فكرة انشاء الشرطة الفلسطينية ..؟
*هل بذلت الاجهزة الاستعلامية اللبنانية الجهد المطلوب والمفترض لالتقاط ما دار في كواليس اللقاءات وما سرب الى الكوادر الميدانية من معطيات..
*هل اصبحت السلطة اللبنانية خارج معادلة تثبيت الامن في المخيم بالرضى المعيوب، وبالتالي الحاجة الى استدعاءً قيادات الخارج..؟ ما يعني خروج بقعة الكلم الواحد عن مساحة الشرعية الوطنية..!
*ماهية وعلة انكفاء الحكومة اللبنانية وقواها العسكرية والامنية عن فرض وقف الاشتباكات، أَ قصور او عدم رغبة بالتورط في معركة ليس وقتها ام التزامآ بإيحاءات خارجية حازمة..؟..

فيما خص المجموعات الاسلامية المتطرفة والخلايا الارهابية الكامنة سجل ما يلي:
*تعدد جولات القتال مع تقلص الفواصل الزمنية بين جولة واخرى..
*عنف الاشتباكات وامتداد المعارك على مدى ايام دون حاجة لتهدئة او هدنة تستغل عادة لاستراحة المحاربين واعادة التذخير، مؤشر يدرج ضمن خانة كفاية العديد ما يؤمن تناوبآ لا بأس به لاستمرارية القتال..
*تنامي القدرات اللوجستية والقتالية وكفايتها، مع تسليح نوعي..
*حركية فاعلة في العمليات سيما نقل الاشتباكات من حي لآخر، مع فتح ثغرات بالنار تكرارآ على خط المواجهة وبالتالي جس نبض لقوة المجموعة المدافعة وانهاكها بالتالي احتلال موقعها لاحقآ..
*ضعف وحدات منظمة التحرير وحركة فتح القتالية امام جند الشام وتنظيم الشباب المسلم، مع عدم قدرتها على حسم المعركة يثبت ما لوحظ عن شيخوخة الكوادر، بالتوازي مع انضمام العنصر الفتي الى المجموعات الاسلامية التي باتت تتلقى اموالآ ودعمآ من الخارج..
*تمدد عمليات القنص الى الاوتوستراد الشرقي الذي يصل صيدا بمناطق الجنوب مع وصول الرصاص الغير عشوائي الى محبط المخيم وشل معظم مربعات المدينة..!
*عدم اعتداد او اقامة اي اعتبار من الطرفين المتقاتلين على السواء لخصوصية المرحلة وطنيآ والوضع الامني الداخلي، كما السياسي اللبناني المعقد رغم المناشدات الرسمية المتكررة واللقاءات المتواصلة بين المسؤولين اللبنانيين والفلسطينيين، واذ اظهر بعض قادة الفصائل تجاوبآ ظاهريآ ففي عقمه سببية من اثنين لا ثالث لهما •انتفاء الامرة وتفلت المجموعات المقاتلة من قياداتها “نوع من تمرد مرحلي مقنع”، •عدم جدية وتملص ضمني من التزام لغايات، ما يُعلي خشية على قول “ان وراء الاكمة ما وراءها”..!
من جهة اخرى؛ لم يؤدِ حضور عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمركزية لـ»فتح» المشرف العام على الساحة اللبنانية عزام الأحمد مع نائب رئيس حركة حماس موسى ابو مرزوق الى بيروت واجتماعه مع رئيس حكومة تصريف الاعمال وقائد الجيش على وقف الاشتباكات وبالتالي التزام الجميع اجندة مقترحة تتضمن وقف شامل لاطلاق النار، اعادة اللاجئين الى منازلهم بعد ترميم المتضررة، تعزيز دور القوة الامنية الفلسطينية المشتركة وتأجيل تسليم المطلوبين الى توقيت مناسب..! مصادر امنية افادت عن مقتل عز الدين ابو داوود الملقب (ضبايا) أثناء الاشتباكات ليل اول من امس وهو احد المطلوبين الثمانية المتهمين بجريمة اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا..!

على صعيد متصل؛ في خضم التخبط الفلسطيني اصبح المخيم بتنظيماته لا سيما الاسلامية والجهادية مؤخرآ على الفالق الزلزالي بين مدينة العلمين في الشمال المصري والعاصمة التركية انقرة..اذ عقد اواخر تموز الماضي مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بدعوة من مصر، وبمشاركة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في اهميته واولوياته إنهاء الإنقسام وتوحيد الصف الفلسطيني مع صياغة استراتيجية موحدة لمواجهة سياسات حكومة العدو الإسرائيلي الاستيطانية والعدوان المستمر على مناطق السلطة وقطاع غزة. كان قد سبقه قمة انقرة التي عقدت في 26 تموز الماضي بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بمشاركة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ركيزتها الدفع باتّجاه مصالحة فلسطينية شاملة باعتبار ان غياب الوحدة الفلسطينية يصب في مصلحة “أولئك الساعين لتقويض السلام”، وفق ما ذكر مكتب الرئاسة التركية.. الا ان غياب حركة الجهاد الإسلامي عن مؤتمر العلمين وأعلانها رسميا عدم المشاركة مؤشر لعدم نجاح اجتماع انقرة و(مونة اردوغان المحدودة على هنية الغير قابلة بما يكفي للتقريش السياسي)؛ بالمقابل؛ أعلن محمد الهندي نائب الأمين العام أن الحركة ستدعم أي نتائج تتمخض عن المؤتمر وتعزز صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته..!

في التقييم الموضوعي لمجريات الاحداث خطورة شديدة من عواملها التالي:
*تمدد المواجهات الى الاحياء الصيداوية القديمة عبر تسلل مجموعات او تحريك خلايا اخرى كامنة خارج المخيم بما يضع عاصمة الجنوب في عين العاصفة، ما يؤكد تاليآ دخول الوضع الفلسطيني-اللبناني في مرحلة جديدة كونتها افرازات عملية التطبيع العربي واتفاقات ابراهام، لبها توطين اللاجئين الفلسطينيين نهائيآ..
*ان الاعلان عن اعتماد استراتيجية وحدة ساحات المواجهة مع العدو في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تلفح الاقليم، هدف تخفيف الوطأة عند الاقتضاء عن حركات المقاومة الاسلامية في الداخل الفلسطيني سيكون لها ارتدادات وانعكاسات هائلة على الوضع السياسي الداخلي الهش..
*ان احتمال تمدد المواجهات الى مخيمات اخرى امر قائم غير مستبعد ربطآ بالتطورات الميدانية والخروقات الاستخباراتية سيتسبب يضعضعة الوضع الامني وتشتت جهد القوى العسكرية اللبنانية بما يفرض واقعآ مأزومآ مضافآ..
*ان استهداف مواقع الجيش اللبناني على حدود ومداخل المخيم بالرصاص والقدائف الصاروخية ليس بريئآ، وتريث الجيش عن اتخاذ قرار قصف مواقع المسلحين بالمدفعية الثقيلة واسكاتها يدخل ضمن معالجة موضعية ب (التي هي احسن) نظرآ لدقة الوضع الاقليمي والامني الداخلي..
*ان الامساك بزمام القرار داخل المخيم ليصبح بقبضة المجموعات الاسلامية طموح ليس بالامر السهل تحقيقه، ما يعني طول امد المعركة الا اذا قررت حركتي الجهاد الاسلامي وحماس دعم حركة فتح وحسم الوضع نهائيآ..

الوطن المأزوم يعود مجددآ مكبلآ بقيود اللجوء الفلسطيني ساحة صراع بين فصائله ال 23 المتعددة الانتماءات والولاءات.. كما يغرق في موجات العبور الغير الشرعي للسوريين دون مبرر او ضوابط؛ فيما السلاح الفردي بات امرآ محققآ منتشرآ داخل مخيمات النزوح ما احالها ورقة اقليمية ضاغطة تدعو للقلق الوجودي المشروع ان حان وقتها..!

اخيرآ؛ كتم انفاس مستمر مع ازدراء دولة وسلطات من ذواتها اولآ مع انعدام مقومات وبهتان معالجات..! في الحال الراهنة مستقبل البلاد قاتم والمعجزات سماوية المصدر والرعاية غير متوفرة، تسمية مخيم عين الحلوة نسبة الى المياه العذبة التي كانت موجودة حين انشائه نضبت واستحالت عمياء مرة..!

طرابلس في 13.09.2023
*عميد متقاعد، كاتب وباحث