الأحزمة الأمنية والتوترات المتنقلة

 

 

بقلم : الدكتور غسان الخالد

لا تكاد تهدأ منطقة ما في بلاد الشام، حتى تشتعل في منطقة أخرى. من العراق، إلى سوريا ثم لبنان، يترافق ذلك كله مع ضغط دولي أميركي، بأدوات أوروبية وعربية، الغاية منه مسألتان، الأولى توطين النازحين السوريين، والثانية توطين اللاجئين الفلسطينيين، مع ما يعني ذلك من إلغاء لقرار العودة. وللأسف الشديد، ثمة أنظمة عربية تبارك هذا المشروع.
بين ليلة وضحاها اندلعت في شرق سوريا، معارك عسكرية بين قسد المدعومة اميركيا، وجيوش القبائل العربية المدعومة أيضا أمريكيا. وللعلم فقط فإن ما يقرب من سبعين بالمية من تنظيم قسد العسكري هو من القبائل العربية، لكنهم في مرتبة دونية، لا يملكون القرار ولا يشاركون في صنعه.
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى إنشاء دولة في شرق سوريا تضم أغنى المحافظات، وهي دير الزور والرقة الحسكة والقامشلي،في إطار ما تسميه الحزام السني. وسيتحقق بالمقابل ما كانت تروج له هذه الدول في ما يسمى الهلال الشيعي. وقد ترافقت تللك المعارك مع حركة احتجاجية في السويداء، السويداء ذات طابع مذهبي معين. وهكذا انفجرت الأحداث في سوريا في لحظة غفلة كما يقال وبكبسة زر. وما كادت جيوش القبائل العربية ان تحقق بعض إنجازاتها الموهومة، أو لم تصل فرحتها لقرعتها، كما يقول المثل الشعبي، حتى وبكبسة زر توقف كل شيء، وعادت قسد إلى بعض مواقعها العسكرية،ثم توقفت الحركات الاحتجاجية في محافظة السويداء. مع الإشارة إلى أن ما حصل في سوريا ترافق بتوتر أمني في محافظة كركوك في العراق.
المشغل واحد والأدوات هي ذاتها في كل من سوريا والعراق وحتى في دول أخرى من العالم العربي.
وإنه لمن دواعي العجب ان تتوقف تلك النزاعات المسلحة والمفتعلة طبعا في كل من العراق وسوريا، لتندلع في مخيم عين الحلوة في لبنان،بين حركة فتح وما تسمي نفسها الحركات الإسلامية في المخيم. لم تنجح حتى اللحظة كل قرارات وقف إطلاق النار ولن تنجح كما أعتقد. لن ينتهي الأمر في عين الحلوة، بل سيكون نصيب بقية المخيمات الفلسطينية محتفظ به إلى حين. ورغم ان هذا الحين قد يطول نسبيا، إلا أنه لا مشكلة مع الغرب، أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وكلاهما يقفز فوق مشاكله الداخلية إلى الخارج محاولا نقلها.
قد سمعنا بعيد اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية من الرئيس الفرنسي، قولا يفيد أن أوروبا قد بالغت في الانصياع للرغبات الأميركية، وربما فهمنا خطأ، ان بوادر التخلص من هذا الانصياع قد بدأ، لكن للأسف الشديد، لن يحصل هذا أيضا وستبقى السياسة الأوروبية تابعة بشكل أو بآخر للارادة الأميركية.
من الأمور التي حصلت في عين الحلوة أو بالأحرى على أثر اشتباكاتها هو ما حاولت بعض المنظمات الأوروبية والدولية القيام به، عنيت بذلك المخيم الذي باشروا العمل به في لحظة غفلة عن الدولة تحت مسمى مخيم الاولي، وحسنت فعلت الدولة بهدمها له، وربما لم تكن تدري أبعاد إنشائه، وربما تم ايقاظها من غفوتها، وهو بالمبدأ أمر جيد.
مع الأحداث التي اندلعت في سوريا، شهد لبنان هجرة سورية جديدة، بأعداد كبيرة، ومن جيل عمري معين، ومن مناطق معينة ذات طابع مذهبي معين. ومع هذه الهجرة أو النزوح الجديد سمعنا صوت قيادة الجيش، وعجزها عن إيقافه. إنه ترانسفير مفتعل وموجه، لإيجاد الخلل الذي يبتغيه الغرب، الخلل الدينوغرافي، تمهيداً لإنشاء كيانات دينوغرافية في المنطقة برمتها. الدولة التي تعتقد أنها بمنأى عن تداعياته ستكون الأكثر تأثرا بالتداعيات. من يعتقد ان الغرب قد يقصر في دعم الكيان الصهيوني فهو مخطىء ومن يعتقد ان روسيا ستبقى حليفة لنا فهو مخطىء، المستفيد الوحيد من كل ما يجري من توترات أمنية، يخدم الكيان، وطبعا بما في ذلك الأهداف المتوخاة من هذه التوترات. ولعل الدليل الابرز على ذلك ما تم التوافق عليه مؤخرا، والاتفاقات الاقتصادية مع الهند وما ترسمه من طريق جديد للتجارة مقابل طريق الحرير الذي كان قد بدأ العمل على إعادة إحيائه. وعندما تتداخل الأمور السياسية الإقتصادية ببعضها البعض، فإن مصالح الدول هي من يدير دفة القرارات مع الأخذ بعين الاعتبار تصنيف الدول بين عظمى ومؤثرة. هي الأمور تسير ولا نملك وللأسف الشديد القرار لا في تعديلها ولا في تغييرها. ولننتظر تطورات الأحداث حتى يبنى على الشيء مقتضاه.