طقوس العبور في حكم الوطن ..!


بقلم العميد منذر الايوبي*

مئة عام من عمر الكيان حفلت بمراحل متعددة مختلفة، محطات مفصلية باتت معروفة معدودة فيها من الرقي منازل ومن الانحطاط الاعم الكثير. عند كل انعطافة او مفترق تُطلق محفزات تَرِد من المصدر الاقليمي او الخارجي كما العربي تفرض افعالآ او ارتكابات من صنوف فتن طائفية وعنصرية او معارك حزبية ميليشياوية لا تبتعد كثيرآ عن حروب اهلية تنفيذها بادوات محلية مرتزقة مأجورة..! تاريخيآ؛ كان مما ندر ان يتم العبور من عصر لآخر بصورة سلمية او بسلاسة ديمقراطية في ظل سطوة تارة بالديموغرافيا او الدين، وبالعنف والسلاح في الاغلب ..!

تاليآ؛ لطالما كانت عملية الانتقال من طورٍ لآخر غريبة الاطوار، ترافقها على استعارة من علوم الانسان “الانتروبولوجيا” Anthropology “طقوس عبور” Rites de passage ثلاثية الاضلع (التجميع؛ الانفصال؛ والهامشية)؛ كل طقس وفق عالم الاجتماع الفرنسي A.Van Gennep يقوم بوظيفة “اللاعودة” Non Return الى المرحلة السابقة، معتمدآ على ظروف وخيارات شبه سحرية تساعد على مواجهة المرحلة الجديدة..!

في سياق المقارنة الموجزة، لوحظ ان طقوس “التجميع” تتظهر عبر توحيد الجماعات او الاحزاب ضمن تحالفات رضائية او بفرض منطق احادية البندقية في البيئة الواحدة.. اما طقوس “الانفصال” فلطالما رافقه عداء واستعداء، ابتعاد حد تحييد بالقتل جهرآ وبالاغتيالات السياسية غدرآ.. يبقى ان “الطقوس الهامشية” غير مجدية بالتجربة والتكرار قاصرة عن معالجات وحلول مثال طاولة الحوار او مذكرات التفاهم كما الاتفاقات الثنائية مصلحية كانت وهي الاعم ام متجردة وطنية والاخيرة الأندر..!

مبدئيآ في “طقوس العبور” مرتبة قدسية تفترض دراسة تصرفات البشر وبناء الثقافات تكرس تغيرات اجتماعية ذات طبيعة إرتقائية راقية؛ لكنها بألأداء الوطني والممارسة السياسية المحلية الوضيعة حالة “تلقين” Inniciation ارادية لموسوعاتٍ ترويسات فصولها عناوين مخجلة جنائية الطابع جرمية الفعل على مثال (الانحطاط، الهدر، السرقة، الفساد، الخ..).. اما الاكثر عيبآ رذالة ووقاحة ففي نوايا “التوريث” توجد، من زعيم الطائفة او القائد الحزبي الملهم الى الابناء والاقرباء اصهرة كانوا ام ازلام، تترجم “تلقين اسرار” Initiation Rituales التبادلية المصلحية تمنح الورثة صفة شرعية تزعم كفاءة في سكنى القصور او اعتلاء مناصب تنضح مالآ حرامآ، او قيادة جماعة لا تضم رجالآ مؤصلة..!
اما خصيان البلاط فلهم احتفالية الساموراي دون سيوف “الكاتانا” Katana مراتب كهنوتية تجعل منهم سحرة وعرافين أو منجمين فاسقين..!

في الثقافات تنوع واختلاف كما الايديولوجيات والعادات، اجتماعها المكاني على رصيف المتوسط الشرقي اضفى على الوطن الصغير صفة الرسالة الحضارية؛ لكنها حوِرت باسلوب مبتذل وبممارسة سوقية Vulgarity اكدت وافرزت تفتتآ اجتماعيآ ودينيآ مذهبيآ، ترجم في الجغرافيا تقسيم بقع ومناطق، سياق عزل وتفرقة مدروسة تحت رهاب لا عقلاني الخوف من الآخر وآرائه “اللودوكسوفوبيا” Allodoxaphobia او صعوبة الانتماء واستحالة الاندماج..!

في النتائج الفكرية والعملية علق منظرو السياسة محطة انتخاب رئيس الجمهورية بصورة طبيعية مفترضة، لتزج في جدل التشريح الدستوري، تحدث بألألسنة glossolalia ما يشبه الكلام، نوع من همهمة لغات غير معروفة، برفع الايدي او بالنظام بعيدة عن النطق السلس تفتقر إلى أي معنى يسهل على الشعب فهمه بسهولة، إن تمكن الفهم وكشف المماطلة والكذب فلجوء السادة باندفاع فوري للاستعانة بقصص رسومية غامضة مِن نوع “مخطوطة فوينيتش” Voynich’s manuscript بلغة غير مفهومة مذهبية طائفية او ظلامية على اشتقاق من لُغَةٌ الهية حُرِفت، وشوَهت آيات بينات او نزعت قدسية اناجيل..!

لا شيء على المستوى الوطني المطلوب سواءً بالعقل السياسي والاقتصادي المالي او بالعاطفة وسلوكيات التضامن الاخلاقي لمعالجة هموم الناس، لا بل لا شيء سوى الخواء مع ندرة في خاصية العثور على رجال دولة وتخمة في ساسة من صنف اصحاب اعمال وارباب احتكار، ثمنهم بالحق الاخلاقي معروف، والمال الحرام وشم دق على جباه وثنية اتقنت التعمية وحملت صفة التفاهة..!

في العار Honte ارتعاد هو للشرفاء دافع انتحار، إذ يقال النار ولا العار.. على شواطيء شبيهة “الوايكيكي” Waikiki في هونولولو غادروا لقضاء عطلة الميلاد وراس السنة، بعد ان عراهم الخزي من لباس الوقار..!
لم يرعووا فأفتوا بحفظ “سيادة” على اعتراض خالٍ من خجل لوصول بعثات قضائية اوروبية تبغي تعاونآ في تحقيقات تتعلق بتبييض اموال ونهب ودائع، ان افلحت فشاهدة على حقيقة حافية تستوجب عقابآ برائحة جهنم؛ قد فاتهم ان القضاء ليس بافضل حال معطل ممذهب مسيس واعلاء الحق سلطان…!

اخيرآ، ليس من صنف الخيال المبهج، ان ترى في دروب المدينة بين عامودين مهترئين لاسلاك كهربائية مفقودة يافطة ترحب بالقادمين، استعارت دون قصد عبارة المخرج السينمائي John Ford: “التأخر في الانتقام يجعل الضربة أشد قساوة”. علَّ وعسى الحقوق تستعاد، و للخطأةِ العقاب ولو على حساب سيادة ضائعة..!

بيروت في 29.12.2022