طرابلس،، لم يَعُد من احساس بالالم..!

بقلم العميد منذر الايوبي*

بعد مأساة المركب المشؤوم وغرق العشرات في زرقة البحر هربا من بر الظلمات، بدا المشهد في المدينة الثكلى طرابلس سرياليآ بما يتجاوز الواقع.. اذ ان ردود الفعل السريعة الغاضبة اثبتت ان العقل الباطن لمعظم الشرائح الاجتماعية المتشابهة او المتساوية على تقارب بين فقر مدقع وشظف عيش بات يعوزها ليس النظام والمنطق فحسب بل آلية انعاش تضخ اوكسيجين الحياة في نفوس يائسة خالصة..
بات الامر يتعلق بقدرة اهل البلد على النأي عن قواعد املائية تحريضية مرتبطة بتحكم خارجي او عمالة وغباء داخلي تُمارس من طرف او اطراف عقل تخريبي متعدد المصادر استخباراتي الاداء، سواء عبر تسويق ايديولوجي وديني او بالمال الاسود حيث العوز حاضر وشراء الذمم متوفر، وكلاهما يجدان ارضآ خصبة للتفاعل والاستيطان

تاليآ ؛ بصرف النظر عن كيفية اداء قائد الخافرة العسكرية لمعالجة مهمة غير حربية لا بل انسانية تتعلق بمنع زورق يحمل مهاجرين ومواطنين من الوصول الى البر الاوروبي، تنفيذآ لالتزام السلطات اللبنانية بتعهدات واتفاقات تقضي بمنع الهجرة غير الشرعية الى الاتحاد الاوروبي، فإن كلا المناورتين سواء من قبطان الزورق او من الضابط قائد الخافرة تسببتا بالمأساة، اذ ان لا قواعد اشتباك مفروضة مع زورق غير حربي يقل مدنيين.. كان يفترض او يتوجب توجيه انذار بمكبرات الصوت يطلب من ربان الزورق التوقف والعودة الى البر، في حال عدم الالتزام مجانبة المركب بروية ثم انزال عدة عناصر للسيطرة عليه خاصة وان البحر “غلينة” اي ان المياه ساكنة ما يسهل المهمة..!

على ما يبدو فإن سيناريو افتراضي سندآ لما تداولته وسائل الاعلام و تصريحات الناجين يظهر ان آمر الخافرة لجأ الى الابحار بشكل دائري عدة مرات حول الزورق لمنعه من متابعة سيره دون اخذ مسافة آمنة مما سمح للمياه بالتسرب، كما خلق امواجآ لاطمت الزورق افقدت ربانه السيطرة وبالتالي صدم الخافرة في وسطها..!


في المعالجات؛ مما لا شك فيه ان ظروف الحادث واعداد الضحايا تفرض وتضع في خانة الضرورة تحقيقآ ومحاسبة بالحد الادنى لا تبريرآ او تجاهل. كما ان الأمر المؤكد لا بل المستحيل ان لا نية جرمية او قرار باغراق المركب انما تقصير وعدم احترافية في هذا النوع من المهمات.. كما يتوجب التعويض المادي على الاهالي ذوي الضحايا بما يواسي، اذ لا شيء يعوض غياب احباب او فقدان ابناء وانسباء، سيما وانه سيتعذر العثور على جثث باقي المفقودين ما يضاعف الالم..!

في نفس السياق؛ يتوجب على اهل الوعي الطرابلسي من اهل دين ودنيا سعي تعميم وحث للتعالي عن الجراح والتضامن مع الجيش اللبناني لاستيعاب المصيبة درءآ لفتنة ومنعآ لمجموعات التخريب والخلايا النائمة المأجورة من استغلال الحدث وانتهاز فرصة ما حصل لارباك الوضع الامني، وبث حالة من الذعر والتوتر والتسيب في المدينة.. لا بديل عن الجيش ودوره الاساس فهو عامود الخيمة الوحيد المنتصب المتبقي لهيكل الوطن، انه الضمانة الضامن الوحيد للسلم الاهلي مهما ارتُكِب من اخطاء او تقصير.
بالمقابل على عاتق القيادة الكثير من التفهم والوعي والادراك، وهي عن ذلك ليست ببعيدة، لاستدراك الهفوات وتلافي الزلات، فالوضع لا يحتمل اي اهمال او تراخٍ والظروف التي تمر بها البلاد غير مستقرة لا بل حرجة للغاية..!
استطرادآ، يتوجب وقف الشحن الطائفي والمذهبي وهذه اللغة المبتذلة السائدة بمحتواها من نعوت وتوصيفات ما انزل الله بها من سلطان لا بل لعن قائليها “كمدينة اهل السنة، والثنائي الشيعي، العملاء النصارى، التهجم على الرموز الدينية الخ..”.. هذا امر يفترض معالجته ولوسائل الاعلام حصة كبيرة فيه..

اخيرآ؛ لم يعد من احساس بالالم لغور الجراح في الوطن الذبيح.. للشتامين الضالين ممن يتطاولون على صليب علق عليه فادي الانسانية ،قول الله تعالى عن المسيحيين وهم اهل الكتاب “الانجيل” فى سورة آل عمران آية 113: «من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويسارعون فى الخيرات، وأولئك من الصالحين» ..! رحم الله الشهداء الضحايا و المفقودين ومنح اهاليهم الصبر والسلوان..

بيروت في 26.04.2022