رضوى عاشور تنكأ في الأمل الفلسطيني الصعب..الطنطورية رواية محاكاة بين تحريرين

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

حوارية مع رضوى عاشور حول روايتها الطنطورية
– قد يستغرب البعض اسم روايتك “الطنطورية”، هذا العنوان يشير إلى الراوية التي تحكي وهي امرأة من قرية الطنطورة. والطنطورة قرية فلسطينية تقع على الساحل الفلسطيني على بعد كليومترات معدودة من مدينة حيفا. سقطت الطنطورة في أيدي العصابات الصهيونية في مطلع صيف 1948. وقامت القوات الإسرائيلية بمذبحة كبيرة قد تكون في حجم مذبحة دير ياسين، قتلت عددا كبيرا من شباب القرية. وقام الجنود الإسرائيليون بترحيل نساء القرية وأطفالها وبعض الشيوخ إلى قرية قريبة هي الفرديس ومن الفرديس إلى الخليل ثم توزع الخلق في المنافي وبعضهم تسلل وعاد مرة أخرى إلى المنطقة لكن ليس إلى الطنطورة لأنها هي قرية من الخمسمائة قرية وأكثر التي دمرت ولم تعد قرى عربية كما كانت. فلماذا الطنطورية؟
– رضوى عاشور:” الطنطورية لأن الشخصية الرئيسية التي تتبع روايتي حكايتها ومصيرها ومسيرتها هي رقية الطنطورية. أنا أتتبعها منذ صباها منذ كانت بنتا عمرها ثلاثة عشرة سنة وأتتبع الهجرة إلى لبنان والإقامة في صيدا ثم في بيروت ثم في مدن عربية أخرى، أتتبع حكايتها وحكاية أهلها وزوجها وأبنائها ثم زوجات الأبناء والأحفاد، يعني الرواية تبدأ في نهاية 1947 وتنتهي في 2000.”
– لكن هل كانت رقية بطلة روايتك الوحيدة؟
– رضوى عاشور:”في الحقيقة رقيّة ليست بطلة الرواية الوحيدة بالمعنى التقليدي بل جميعهم أبطال. وجميعهم لاجئون. ولكل واحد منهم حكاية. رقية عاشت في الطنطورة أيام الطفولة، وأول المراهقة، وتمت خطبتها الى شاب من قرية عين غزال المجاورة قبل أن تقتلع العصابة الصهيونية الأهل والجيران، ويرحل كل منهم إلى مكان. ويمتد العمر ب”رقية” حتى ما بعد السبعين لتجد نفسها تمسك بالقلم، وتلبي رجاء ابنها حسن، فتكتب سيرة الأجيال الثلاثة: الآباء والأبناء والأحفاد.”
– اذا من وجهة نظر هذه العائلة الفلسطينية مررت كروائية مصرية متزوجة من فلسطيني بجميع فصول التغريبة؟
– رضوى عاشور:” فلسطين قضيتي بقدر ما هي قضية العديد من المثقفين المصريين. زواجي من فلسطيني جعل فلسطين أكثر حضورا على مستوي التفاصيل اليومية لحياة الناس، لم تعد مجرد موقف من قضية أثق في عدالتها وأنحاز لها بل تجربة معيشة. كانت الطنطورة قرية وادعة ولم يخطر في بال سكانها أن شراً مستطيراً سوف يصيبهم. كانوا موقنين بأن النصر للعرب. ولمّا وصل إلى الطنطورة بعض أهالي قيسارية بعد سقوطها، ما عاملوهم كلاجئين، بل كضيوف، وكان نصيب عائلة رقية أمّاً وولديها. أول خلاف عائلي حاد نشأ بين والد رقية «أبو الصادق» وعمها«أبو الأمين» كان يوم قرر أبو الأمين أن يرحل إلى صيدا عن طريق البحر لينقذ النساء والأطفال على الأقل، قائلاً إن اليهود احتلوا حيفا في يومين، فكيف بالطنطورة؟ وردّ عليه أخوه الأكبر أبو الصادق: حيفا نصفها يهود، وكانوا متمترسين في الكرمل، هم على الجبل ونحن في السهل. وضعنا يختلف. سيحمي الشباب زمام البلد، والحراسة موزعة من الشمال والجنوب والشرق. والقرى التي في الجبل عرب لا يهود. أهل عين غزال وجَبَع وإجزم صدّوا الهجوم ولسنا أقل منهم… الله يسهل عليك، ارحل انت وزوجتك وابنك. ولكن أنا حر في أهل بيتي.”
– اذا تنتقل بنا روايتك الى المقلب الآخر من الأحداث: الترحيل والاقتلاع
– رضوى عاشور:”صحيح..لا تنسى رقية الليلة الأخيرة قبل الاقتلاع. حكى لها أبوها عن أجمل ذكرياته، ولأول مرة كانت تنظر في عينيه، وتكتشف كم كان وسيماً. أما صباح اليوم التالي فكانت الكارثة، إذ اقتادوا الأولاد مع أمهاتهم كالأغنام، ولم تعلم أين أخذوا الرجال. كانوا عدة مئات من النساء والأطفال والشيوخ حشروا في شاحنتين. وفجأة صرخت رقية وجذبت ذراع أمها مشيرة بيدها إلى كومة من الجثث. هكذا تبتدئ الحكاية. هجرة إلى الفريديس القريبة، ثم إلى الخليل، وتمر أشهر اللجوء الأولى الصعبة من الوطن إلى الوطن، حتى تقرر أم الصادق اللحاق بعائلة أبي الأمين في صيدا، التي وصلوا إليها في مطلع العام التالي. أم الصادق، المرأة التي نظرت إلى أكوام القتلى، لم تر زوجها وولديها، ولم تصدق شهادة الشباب الذين قاموا بدفنهم، عاشت بقية عمرها تقول للناس إن زوجها معتقل لدى الإسرائيليين، وولداها الصادق وحسن تمكنا من الهروب إلى مصر! رقية ابنتها كانت مثالاً حياً للفتاة الفلسطينية ابنة القرية والهجرة القسرية والأيام الصعبة. زوّجها عمها أبو الأمين من ابنه الأكبر أمين، وكان أصبح طبيباً وعاشت عمرها معه حتى استشهد في مجزرة صبرا وشاتيلا. كان زوجاً شبه مثالي، وأباً حنوناً على أولاده الثلاثة الصادق وحسن وعبد الرحمن، والصغرى مريم. الصادق أصبح في أبو ظبي من رجال الأعمال، وحسن أصبح كاتباً وأستاذاَ وذهب ليعيش في باريس. وأما عبد الرحمن فتحول عن دراسة الهندسة قبل عام من تخرجه ليدرس الحقوق ويدافع عن شعبه. ومريم كبرت وقررت أن تدرس الطب.
– وماذا عن باقي أبطال روايتك الطنطورية؟
– رضوى عاشور:”ثمة بطل مستقل بشخصيته في روايتي وهو “مفتاح الدار”. كل امرأة في المخيم كانت تحتفظ بمفتاح الدار الحديدي حول رقبتها، أو في مكان أمين جداً. أم الأمين، أعطت رقية بعد وفاة أمها مفتاح الدار، وتعجبت رقية حين علمت بأن أمها كانت تضعه حول رقبتها من دون انقطاع. وهكذا.. فعلت مثلها. وتروي رقية ماذا فعل أهل مخيم عين الحلوة في اليوم الأول لحرب حزيران 1967 فتقول: “أخرجوا مفاتيح دورهم واستعدوا بهوياتهم وأوراق الطابو التي تثبت ملكيتهم للأراضي والبيوت. وابتدأت النساء يعرّبن الثياب: ماذا للعودة وماذا يفرقن… أما أم الأمين، وقد كانت تسكن صيدا لا المخيم، فهي راحت تطوف على الجيران وجيران الجيران تودعهم وتدعوهم لزيارتها في الطنطورة، وتقول: “دارنا واسعة وأهلاً وسهلاً بالجميع. أمانة لا تطوّلوا علينا. سنكون في الانتظار”.
– قرأنا كثيرا عن أيّام تحرير جنوب لبنان عام 2000 ـ وكتب الكثير عن الناس الذين عادوا إلى بيوتهم بعد 22 عاماً من تركهم لها بسبب الإحتلال الصهيوني الغاصب، وفي روايتك قدمت صورة رائعة جعلتنا نشعر أنّ فرحة الفلسطينيين بتحرير الجنوب اللبناني ربما أكبر من فرحة اللبنانيين أنفسهم، من خلال الرحلات التي نظموها على الحدود مع فلسطين، والإحتفالات والأهم من كل ذلك اللقاء بالأحبة على الطرف الآخر من الذين توافدوا من كل فلسطين، لرؤية أقاربهم عبر السياج الشائك الذي يفصل بين الحدود.
– رضوى عاشور:” أيام التحرير كانت رقية بطلة روايتي قد عادت لتسكن في صيدا، وعلمت بأن باصات كبيرة ستحمل اللاجئين نحو الحدود، فذهبت لتشارك في هذا اليوم العظيم. وهناك عبر الأسلاك الشائكة فوجئت رقية بابنها حسن، وكان في زيارة لفلسطين من باريس، يقف على الجانب الآخر من الأسلاك مع زوجته وولديه، والطفلة الوليدة رقية، وتناولت رقية الجدة الطفلة من فوق الأسلاك، قبلتها، وفكرت ماذا تهديها، فقامت بنزع المفتاح من عنقها وتعليقه على رقبة الطفلة، وهي تصرخ ليسمعها حسن جيداً: مفتاح دارنا يا حسن. هديتي إلى رقية الصغيرة”. تتابع بطلة روايتي أخبار الحروب مع إسرائيل، والأخبار عن حياة المعتقلات في إسرائيل. وفي المشهد الأخير نرى رقية وهي ذاهبة إلى المخيم لتبحث عن فتى رسام كانت التقته في الرحلة إلى الجنوب اللبناني مصادفة. فتح أمامها دفتر رسوماته، كان حقا موهوباً. سألته عن مكان سكناه، فقال:”عين الحلوة”، سألته عن اسمه، فقال: “ناجي”. فذهبت تبحث عن ناجي. عن الأمل.