حُكمُ القاصِر…

 

بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي *

إنَ وطنآ صغير المساحة متجذر تاريخيًا شعبه متألق حضاريآ نال إستقلاله منذ 77 عامآ بعد ان بلغ 23 ربيعآ وسط هيصة السيادة والتحرر، ودون استزادة في وصف الاحتفالات فقد ارتجفت الضلوع عنفوانآ وسِيلَ  الدَمع مِن عيون الجموع شفافآ كما ملأت الافراح والآمال الربوع ..!
ما كاد يغيب الانتداب الذي زرع بذور دولة مأمول قيامها حتى تربع كل زعيم ووريث عَلى عرش قبيلته أو طائفته لعلة إقتسام جبنة السلطة والناس كالأيتام عَلى مائدة اللئام فسلبت خيرات الوطن من الأموال العمومية بجشع لا يُضاهى وطمع دون حدود إذ علقت مفاعيل الضمير المستتر الى حدِ ان الفساد وسرقة مداخيل الدولة أصبح ثقافةً لا جرمآ معاقبآ بالقانون او عارآ ملتصقآ بالمرتكب على سقط متاع مصطلحات مِن الابجدية العربية المؤهلة عباراتها لفلسفة التحايل عَلى تعدد التفسيرات وفق خبث الاجتهادات ..!
على مَرِ التاريخ ، كانت الأوليغارشية Oligarchie تُعَرف بأنها “الطبقة الفاسدة المستبدة التي تعتمد على الطاعة العامة أو القمع في الوجود”.. لم يكتفِ ألمُحدَثين الجُدد المعاصرين منها بما فعلوا فتمادوا في سطو عقوق على اموال الناس وودائعها؛ سابقة لم يشهد لها تاريخ البشرية مثيلآ بالتزامن مع جوع و فقر عميم، إضافةً لبطالة وهجرة لم تتجاوز مقاييسها مستوى وقاحة الحاكمين..!

بعد سلسلة حُروب مفتعلة او مأجورة عَلى مَرِ عُقود تخللتها هدنات غير مأمولة الاستمرار وغداة يوم صيفي حارق وقع الدوي الكبير في عنابر مرفأ العاصمة مركز الوصل التجاري الهام لا بل الاهم على المتوسط الشرقي ؛ تُوِهَ ما حصل وتاهَت التحقيقات في متاهات الدهاليز فاعلنت اسباب وموهت أُخَر وسوقت أخريات خشية إملاق والعدو فاعل .. قُتِلت الناس الآمنة غيلةً عَلى أسرتها في منازلها والشوارع كما دمر ثلث المدينة دون وازع ..! كانت الصدمة الاخيرة مذبحة عميقة عميمة ؛ هرع رئيس مؤسس الكيان ، فهالَهُ ما رأى وسمع اذ لم يجد وطنآ نما أو بلدآ تطور بل اشلاء دولة جُثة يُحرق خَضارها السُندُسي صيفآ وتفيض مجاريرها شتاء أما ما بين بين فلا كهرباء او طرقات وخدمات ..

 


أتى عيد الاستقلال الاخير ولا مِن يعتبر إذ مضى زمن العِبَر لا حكومة ضمن تجاذب منعدم الجاذبية معتاد حول القسمة والنصيب مع تصحيح او فرض للشروط المتبادلة في استجارة ترافقها إستخارة مِن خارج اقليمي ودولي مصلحي متعدد الغايات والاهداف عَلى مثال رسم خطوط كرتونية واهية مع عدو فاجر لارقام مربعات نفطية خزينها غاز موجود استخراجه ممنوع ..!

لَم يجد الشعب بُدَآ بعد يأس وانعدام قدرة الإصلاح سَندآ لإعتياد الوصاية سوى التفكير باللجوء الى الدولة المُسْتَعمِرة سابقآ دون خشية عَلى السيادة فالجوع أمر واقسى رغبة طلب من زعيمها عودة الانتداب أو على الاقل محاسبة مافيا انتهكت ثروات الوطن على رجاء قيامة تستعيد المال المنهوب أكان عامآ أو خاصآ ..!
تاليآ اعادة مأسسة الدولة والكَيان بإطلاق يد جيل جديد من سياسيين وموظفين مسؤولين نظيفي الكف عفيفي النفس مخلصين للخدمة العامة مضحين لمصلحة البلاد ورفاه العباد ..! أجاب الفرنسي المجلبب بتهذيب انيق بعد ان خاب ظنه بأمل توبة نصوحة مِن اولي الشأن قائلآ : لقد أصبحت بلادكم مستنقع فساد أرضآ يباب جرداء إسمنتية قاحلة رمادية الروح هاجر ويهاجر فتياتها والكفاءات أدمغة بعد ان كانت قبلة الغربِ  وجوهرة الشرقِ .. كما أن دُستورنا في رمزية عقيدة الجمهورية الخامسة المتجسدة في الرمز Marian آلهة الحرية والعقل لَم يعد يسمح بِاستعمار الدول أصريحآ كان أم مُقَنَعآ !!

كثيرون بدأوا يتساءلون تلميحآ والهواجس تثقل عليهم : President ماذا عن حكم التبني Adoption .؟ فلنوقع صكآ بعنوان “وثيقة التبني وحكم الدولة القاصِر” إذ ان مصطلح “الانتداب” انتقاص مِن السيادة ؛ و في قانون الاحوال الشخصية اللبناني نصت المادة 136 مِنه عَلى انه “للمتبني وحده حق تأديب ألمُتَبَنى وتربيته” و بِما ان الدولة شخص معنوي يرتبط فيها ملايين الناس لا شخصآ واحدآ وبعد ثبوت النسب الذي اتى قاطعآ إثر رغبة قسم من الشعب بالتوجه نحو العروبة أبوة انتماء و ولاء و جزء آخر يلوذ بحضن الام الحنون .! تُرِك القاصر في حينه “لُبنان” الفاقد الاهلية لوالده “العرب” اذ ان ثمرة العلاقة الخطيئة كانت قد سبقت الزواج ..! لكن ألمُتَبَنى بدا واضحآ انه قاصر في مساره عن ادارة شؤونه بشكل خطير لضعف الادراك او سوء النية اضافة الى لين الدماغ او ضموره Brain Atrophy الناتج عن الشيخوخة اذ بلغ مِن العمر عتيآ مئة عام ..! مِما يعني مجازآ جواز النظر في شؤون الوصاية و الولاية عَلى فاقدي الاهلية من المحكمة المدنية المختصة دون سواها و في هذه الحال “الامم المتحدة” لكن المسألة تبقى مرتبطة بالقضاة النزيهين ..!
أما في “التدقيق المالي الجنائي” ففي نفس قانون الاحوال الشخصية اللبناني المادة 113 أنه “يتوجب تسليم اموال القاصر الى الوصي بموجب جردة تقوم بها و تشرف عليها المحكمة المدنية المختصة”. كما بالامكان وضع الوليد القاصر تحت المراقبة اي الحجر اذا ثبت انه مصاب بضعف دائم في الادراك العقلي او نمط سلوكي سيء ..!
ما تقدم بدأ يعلو همسه في المسائيات الاجتماعية و الكورونا شاهد مع توقع ان يلوذ بالرحيل من هتك طهارة الطفل او يحاكم و يعاقب ..! يقولون رُبما مِن الضروري لو تحقق احتضان صخور نهر الكلب لوحة اخرى صوانية الصخر نقش عليها : “بتاريخ …؟ لم يمر عليه الزمن تم جلاء الفساد والاستغلال ونال لُبنان الوطن المنكوب إستقلاله الحقيقي” … عَلى المسؤولين التيقظ والتفكر باتت القضية اليوم حلم ليلة خريف قد يتحقق ..!

——————

بيروت في 24.11.2020