جوني القرم .. سمسار صفقات؟ او تاجر بلا مسؤولية؟ أم وزير سُلِّمَ مفاتيح مناجم الذهب اللبنانية؟

خاص – “الدنيا نيوز”

حتى تاريخه، لم يرتدع وزير الاتصالات السلكية واللاسلكية في حكومة تصريف الاعمال جوني القرم من الصفعات التي وجهت له في ملفات عديدة بعدما فاحت منها روائح صفقات نتنة، وكان ابرزها صفقة مبنى شركة تاتش في الجميزة، وآخرها محاولاته الحثيثة في إبرام صفقة “حصر” تلزيم تشغيل قطاع بريد لبنان بتحالف شركتي ميريت إنفست ش. م. ل. اللبنانية و”Colis Priv France” الفرنسية، رغم ان عرضهما غير مطابق للشروط وغير متناسب ابداً، ورغم ان هذه الصفقة التي تحوم حولها شبهات كثيرة، ومحاطة بالالتباسات، رفضتا من الجهات الرقابية، وللمفارقة فإن ديوان المحاسبة رفض هذه الصفقة مرتين بقرارين منفصلين الاول بتاريخ 23/8/2023 والثاني في 5/10/2023 بعد ان كان رئيس هيئة الشراء العام القاضي جان العلية مراراً وتكرارًا.

ورغم كل ذلك فقد بدا القرم مصراً على تمرير هذه الصفقة وفرضها بأي طريقة، ومهما كانت النتيجة والتداعيات المترتبة على مثل الاصرار، وبشكل علني ومفضوح، وتعاطى مع هذا الملف بشكل شخصي ومريب، بحيث جعله شغله الشاغل، فحمل القرارين الصادرين عن ديوان المحاسبة ومعهما قرار رئيس هيئة الشراء العام الى مجلس الوزراء المنحلّ،حيث تمكن من فرضه على جدول الاعمال لإعادة النظر به، والحصول على صلاحيات استثنائية تمكنه من اتخاذ القرار وحيداً بشأن تلزيم قطاع البريد ، بمعزل عن آراء كل الجهات الرقابية.
في جلسة مجلس الوزراء تمكن “الوزير المنفعل” الى اقصى درجات الانفعال، وفق تعبير القاضي جان العلية الذي كان استدعي الى حضور الجلسة للادلاء بما لديه، قبل ان يطلب منه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الخروج من الجلسة، بما بدا وكأنه توطؤاً بين الرجلين لمحاولة النيل من معنويات رئيس هيئة الشراء العام وكرامته، وبما يطرح الكثير من علامات الاستفهام التي تتمحور حول سؤال عن علاقة الميقاتي بهذا الملف، وفي ضوء شراكته مع آل سعادة في مرفأ بيروت، بما يجعلنا نسأل استطراداً: هل خرج الميقاتي من باب “ليبان بوست” ليعود ويتسلل عبر نافذة تحالف الشركتين “ميريت إنفست ش. م. ل. اللبنانية” و”Colis Priv France” ؟ ليعود ويستحوذ على قطاع البريد والذي يتضح شيئاً فشيئاً انه عبارة عن منجم آخر من مناجم الذهب اللبناني، ومغارة كبيرة فيها الكثير الكثير من الالغاز، والاسرار، والكنوز المخبأة؟
على كل حال، واذا كان الخوض في مقاربات الميقاتي المالية والاستثمارية وتعهداته وصفقاته واعماله وحراسته لمصالح اساطين السياسة والمال الذين إلتهموا أخضر لبنان مع يابسه، يستلزم الاف المقالات، فان الواجب على اي وزير للاتصالات ان يكون حامياً لمصالح المواطنين في وزارته، وليس سمساراً للتكسب ومديراً لمصالحه الخاصة، غير ان جوني القرم لم يتصرف يوماً على أنه رجل دولة بالفعل، بل كان في كل المراحل يتصرف وفق متطلبات مصالحه ومصالح المحظيين من صفقاته المفتوحة في كل الاتجاهات،وعلى غرار مقارباته وتصرفه منذ بداية الازمة الاقتصادية والانهيار المالي في لبنان، مع ملف الهاتف الخلوي والانترنت حيث بدا امام القاصي والداني انه تاجر بلا مسؤولية، لا يحمل اي حس انساني، وبدلاً من ان يتعاطف مع الناس في أزماتهم المعيشية والحياتية كما يفترض على أي مسؤول في اي بقعة من العالم، نحا القرم في اتجاه آخر مناقص تماماً لدوره المفترض وتصرف ك”صياد فرص” و”مستثمر أزمات” ، فأصر على تكبيد المواطن أعباء كبيرة وتحميله ما لا يطيق حين أصر بعناد الموتورين على فرض تسعير ضرائب خدمات الهاتف الخلوي بعملة الدولار الاميركي في عز صعوده الجنوني واللامنطقي، وبعيداً من الحس الوطني وحتى الانساني الذي يجب على اي مسؤول ان يتمتع به ، راح يهدد ويتوعد ويحرض العاملين في القطاعات الخلوية ويدفعهم على الاضرابات و”تعطيل” الشبكات اللاسلكية وتخريبها في سبيل فرض الفوترة بالدولار الاميركي كأمر واقع لا بد منه على اعضاء الحكومة مجتمعين، وبقي مصراً على ذلك من دون ان يقيم أدنى اعتبار لوضع المواطنين ومعاناتهم جرَّاء الانهيار الاقتصادي الذي عصف بالبلاد، الى ان كان له ما اراد وتم رفع فواتير الهاتف الخلوي مع انها عبارة عن “ضرائب على خدمات” بطريقة لا يقر بها عقل ولا منطق، وبشكل غير مسبوق في اي دولة من دول العالم التي تتشابه مع لبنان في اقتصاده وأزماته.

ورغم انه كذب على موظفي شركتي الخلوي ولم يعطهم ما كان قد وعدهم به خلال استخدامهم في معاركه مع الناس، عاد وكرر فعلته نفسها مع موظفي أوجيرو لدى مطالبته مجلس الوزراء المنحل بضرورة رفع ضرائب فواتير الهاتف الثابت والانترنت المنزلي، لغايات شخصية وخاصة، فدفعهم اولاً باتجاه “تخريب” الشبكة الثابتة وتعطيل الاتصالات بشكل مفضوح علناً لكل الناس للضغط على المشتركين وتحضيرهم للقبول بما يفرضه من فواتير على اعضاء حكومة تصريف الاعمال الجانحين أصلاً لرفع الاسعار وكل التعرفات بطريقة جنونية، لا تمت لروح المسؤولية، ولا لأخلاق المسؤولين السياسيين الحقيقيين، الذين يقاربون الامور بمنطق اوجاع الناس، وعلى عكس المفروض، مارس القرم اسوأ انواع الابتزاز العلني لكل المواطنين كما ابتز زملائه الوزراء حتى مرر مشروعه القاضي برفع الضرائب على الهاتف الثابت والانترنت المنزلي بشكل موجع، وبعيد عن اي منطق، ثم فعل الامر نفسه مع موظفي اوجيرو فإنقلب عليهم وتراجع عن وعوده لهم برفع اجورهم وتسوية اوضاعهم مالياً، لكن موظفي الهاتف الثابت، وبعد ان شعروا بخديعته، لم يستسلموا لألاعيبه واكاذيبه، بل مضوا في مشروع ابتزاز المواطنين ليقولوا للجميع ان أي أمر لم يتغير حتى بعد رفع الفاتورة عليكن ، وبأن ما وعدكم به الوزير فلينفذه لكم، وبالتالي بقيت الشبكات في كل لبنان بحكم المعطلة والتقطيع في الارسال وضعف الانترنت ما يزال على حاله، وفي بعض الاحيان اسوأ بكثير من السابق، على الرغم من ان فاتورة القرم هي أغلى فاتورة هاتف في العالم!.
الصفقات المشبوهة عند وزير الاتصالات لا تتوقف عند حدود الهاتف الثابت والخلوي والانترنت، ولا عند تدخله بشكل مفضوح ومعلن في مزايدة تلزيم بريد لبنان، والتي أصر مراراً ورغم الارتياب الواضح على إرساء الصفقة على تحالف الشركتين المذكورتين وما يزال يصر بكل وقاحة على تمرير الصفقة في مجلس الوزراء المنحلّ، رغم رفض ديوان المحاسبة لها مرتين كما سبق وذكرنا، لا بل انه يحاول ان يتذاكى من خلال ذر الرماد في العيون وعبر استثمار الفئويات والاحقاد المجتمعية، لابعاد كل من يحاول ان يشارك في المناقصة بشكل رسمي وشرعي وبعيد عن منطق الصفقات، فيحاول اثارة الشبهات حوله واتهامه اتهامات كيدية باطلة كما حصل مع شركة “غانا بوست” بهدف إبعادها بعدما ابدت استعدادها للمشاركة في المزايدة وفقاً للقوانين المرعية الاجراء، وبمبالغ تبلغ أضعافاً مضاعفة بالتأكيد عن كل ما قدمته الشركات التي يصر عليها بشكل مريب ومشبوه.
من يوقف هذا الوزير الجانح عند حده ؟ سؤال صار ملحاً بعدما ضرب جوني قرم بعرض الحائط كل الاخلاق، والقيم الانسانية، ولم يخضع لاحكام القضاء، والهيئات الرقابية، ومؤسسات التفتيش، ولم يكترث لسمعته ولا لفضائحه الكثيرة التي باتت تلهج بها الألسن، ولم يقف عند سمعة الحكومة التي يتلطى خلفها ليفرض ما يريد متذرعاً بأن له الحق في ذلك، كما لم يقم وزناً في اي يوم من الايام حتى لسمعة زعيمه الذي سماه لتولي هذا المنصب، لا سيما في هذه المرحلة الحساسة التي يعتبر فيها سليمان فرنجية أحوج ما يكون الى تقديم طاقم سياسي نظيف الكف والسمعة للمواطنين اللبنانين على انه الاداة التي سيحكم بها البلاد اذا ما قيد له ان يصل الى رئاسة الجمهورية اللبنانية.!!!