جورج شامي ترك أمبراطورية إبداع وحب ووفاء… ورحل

 

كتب عباس صالح:

 

جورج شامي، ايها الصديق العملاق المتكئ على أمبراطورية إبداع، لا يحدها زمان، ولا يقيدها مكان.

جورج شامي الأديب الغزير كنهر جارف، والكاتب المحترف كأمهر خبازي الحرف وأرفع ساكبيه، والروائي الذي يقص حكاياته بسحر فائض التشويق والاحتراف والحبكة العالية المقاييس، والكاتب الذي لم يهمل ميداناً من ميادين الكتابة إلا وترك عليه بصمات فارس لا ولن تمحوها السنين …

ما أشبهك بالبحر يا جورج، فقد كنت دائم الصخب والسقاية، وعيلم عطاء لا ينضب. منك تعلمت الكثير وأمام جميلك عليِّ أنحني.

ستبقى في وجداني، كما في وجدان كل من عرفوك يا جورج، دمعة حاضرة في احداق العيون … وقطرة أنقى من الصفاء، ومملكة حب لا تسورها حدود.. ولم يخطئ زميلنا الصديق جوزف القصيقي نقيب المحررين حين وصفك ب”أكرم الراحلين”. وحقاً ان “من كان بقامتك وعلو همتك، وشمخة جبينك لا يموت”.

كم أتمنى يا جورج ان تعود وتجمعنا الأيام، لأتمكن من رد بعض جميلك المطبوع في مخيلتي إلى أبد الآبدين.

فإذاقُيِّدَ لي، يوماً ما ان أتحدث عن تجاربي وموهبتي، لن أتردد للحظة في ان أعلن على الملأ، أنك أحد أهم من اكتشفني، وأعطاني ثقة لا توصف بقدرتي على الإبداع والتميز، وحفَّزَ مواهبي وشجعني على ان أظل اطرق أبواب دنيا الخلود بكل ما أوتيت…

علاقتي بالاديب الكبير الراحل تعود الى منتصف التسعينات من القرن الماضي حينما كان مديرا للقسم الثقافي في إحدى كبريات المجلات العربية، الصادرة من باريس، وكنت انضممت إليها كمراسل من بيروت أزودها بالموضوعات السياسية والثقافية والمواد الاقتصادية والمقابلات والملفات والتحقيقات الاجتماعية وسواها.

في ذلك الحين انتبه جورج إلى ما أكتبه في مجال النقد الثقافي والادبي وكل المواد التي تصل اليه كمدير للقسم الثقافي في المجلة فتواصل معي مباشرة وراح يطلب مني مواضيع محددة، ويثني على كل كتاباتي في هذا الصدد، وهو ما جعلني اجهد أكثر لإرضاء كاتب من أهم الكتاب والروائيين في العالم العربي، كنت قرأته واطلعت على رواياته واعماله الكثيرة قبل ان اتعرف إليه شخصياً.

وهكذا توطدت علاقتنا وصرنا زميلين صديقين، ولو عبر الهاتف. وفي نهاية التسعينات انتقل جورج الى لندن حيث عمل مديرا لتحرير إحدى أهم المجلات الاسبوعية العربية، التي كانت تصدر عن هيئة الاذاعة البريطانية (BBC) في حينه، واول ما وصل الى مكتبه في عاصمة الضباب اتصل بي وطلب مني ان اكون مديراً لمكتب تلك المجلة في بيروت فوافقت، وعملنا سوياً لسنين قبل ان يستقيل ويعود للعيش بين بيروت وباريس، ومتنقلاً بين عواصم العالم … وكان من حسن حظي انه ما ان يصل الى بيروت حتى يتصل بي لأزوره في منزله في النقاش وهكذا وطدنا علاقتنا اكثر واكثر وكان لي بمثابة مدرسة اتعلم منها كل يوم جديد. على ان أبرز ما تعلمته من جورج كان الوفاء…

والوفاء يقضي بأن أهديه في يوم رحيله وردة … على أمل اللقاء من جديد، لذلك لن أقول لجورج شامي وداعاً .

جورج شامي مفكر وكاتب وصحافي ومؤرخ ومثقف من ارفع المثقفين وأعمقهم، ومديراً لكلية الاعلام في الجامعة اللبنانية، ومعلماً، ومدير للوكالة الوطنية للاعلام، ومؤسساً لأهم الصحف والمجلات العربية في الخليج العربي كما بلدان الاغتراب أما كتبه ومؤلفاته فلا تعد ولا تحصى.

سأذكر بعضاً منها على سبيل المثال وليس الحصر :

روايات:

«رواية طويلة في سيرة عادية»، دار نلسن، 2018.
«أول الذهب : رواية»، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2005. «ذكريات عارية : رواية»، الكوكب، 2010.
«عصير الزنزلخت : رواية»، رياض الريس للكتب والنشر، بيبروت، 2008.
«المحارة الباكية: وجدانية»، رواية، دار نلسن، 2020.

قصص:

«كلب النافذة : قصص قصيرة»، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2014.

«النمل الأسود-ألواح صفراء-أعصاب من نار»، قصص، دار الجديد، بيروت، 1998.
«إنها آخر الحبّات : قصص قصيرة»، رياض الريس للكتب والنشر، 2016.
«ماذا بقي من القتال»،
قصة، رياض الريس للكتب والنشر، باريس، 2003.

«النمل الأسود: مجموعة قصص»، دار الجديد، 1998.

«أعصاب من نار : قصص»، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1963

«ألواح صفراء: قصص»، منشورات حلقة الثريا، 1959.

«قديشات الوهو»، دار الجديد، 1998.

«عاشقة بألوان قوس قزح، جرح عميق في برميل مازوت، ليلة في برج القوس» دار الجديد، بيروت،2000

أخرى:

«زمن الحداثة : قامات عصيةّ على النسيان»، دار الأجيال لدراسات والنشر، بيروت، 2014.

«تدبير تناذر النفق الرسغي في مشفى حلب الجامعي»، 2003.

“قصتي مع منح الصلح، 1980-1982″، دار نلسن، بيروت، 2015.
«زورق على شاطئ الانتحار»، مؤسسة ناجي نعمان للثقافة بالمجّان، 2014.
«سمك لبن تمر هندي : الوجع، الفرح، الرقص»، دار نلسن، 2017.
«الحلم والحنين في الذاكرة الحدباء : ضمّة وفاء متوّجة بصدى المنابر»، دار نلسن، 2016.

«في قفص الاتهام … : إضاءات على مطاوي الذات دفاعاً عن البراءة والحقيقة»، دار نلسن، 2015.
«أبعاد بلا وطن وطن بلا جاذبية»، دار الجديد، بيروت، 1998.
«وطن بلا جاذبية إيمان بلا شفاعة»، بيروت، 1979.
«لماذا؟ يا أخي: رسالة من وحي الأحداث»، الكتائب اللبنانية، المجلس الحزبي، الشعبة الخامسة، بيروت، 1933.
«انطباعات سوريالية بين أزرقين»، دار نعمان للثقافة، 2016.
«مطلات رمادية في عالم المرأة»، دار نلسن، بيروت، 2016.
«إذا نطقوا … علامات فارقة: حوارات مع لفيف من المثقفين»، الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا، 2012.

«زهرة الرمال»، المنشورات الجامعية والعلمية، 1963.
«أغمار من المودّات في زمن الجحود : ستّون سنة من العطاء بأقلام نقّاد ودارسين وأصدقاء»، دار نلسن، 2015.
«قلوب شجاعة / مسرحية من ثلاثة فصول وستة مشاهد»، مؤسسة ناجي نعمان للثقافة بالمجّان، 2014.

        نعي من نقيب المحررين

نقيب المحررين جوزف القصيفي نعى الراحل الكبير بكلمات قال فيها:”كانت حياته كفاحًا موصولًا، موشاة بالكرامة وعرق الجبين”.

وجاء في البيان : غيّب الموت الصحافي والإعلامي جورج وديع الشامي ،المدير السابق لكلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية- الفرع الثاني. والراحل المولود العام 1931 في بيروت ، عمل في الصحافة منذ العام 1952، في جريدة «النهار»، ومنها انتقل للعمل في الصحف والمجلات والوكالات المختلفة، فكان محرراً ومديراً ورئيساً للتحرير: «صدى لبنان»، «الحياة»، الشراع»، «العمل»، «الرأي العام» في الكويت، «الاقتصاد اللبناني والعربي»، «الوكالة الوطنية للأنباء» «الحسناء»، «الأسبوع العربي»، «الأنوار»، «الوطن العربي»، في باريس، و«المشاهد السياسي» في لندن.
وللراحل الذي انتسب إلى نقابة محرري الصحافة اللبنانية في خمسينيات القرن المنصرم، وكان عضوا في مجلسها ، عشرات المؤلفات في السياسة والادب والرواية والشعر، وسيرة ذاتية غنية بالمحطات والمعلومات، التي تقدم صورة واضحة عن الهوية الفكرية والثقافية لهذه الشخصية الاعلامية الوطنية التي سيفتقدها لبنان.
وقال نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي في وداعه: بحزن كبير وألم عميق أنعى إلى الأسرة الصحافية والإعلامية في لبنان والعالم العربي جورج الشامي، تلك القامة والهامة التي برزت في عالم المهنة وتألقت ، وأدت أدوارًا اساسية في تقدمها ونهضتها وتحديثها، وخلفت بصمات لا تمحى على جبينها.
جورج الشامي لم يكن عابرًا في دنيا الصحافة التي أعطاها من عقله وفكره وقلبه حتى الرمق الاخير. لم يخل الميدان وظلّ فيه يصول ويجول ، ويعطي ، بل يزيد عطاء وهو على مشارف العقد التاسع من عمره. ترأس تحرير كبريات الصحف والمجلات ، وتجاوزت كتبه ومؤلفاته الخمسين عدا. كتب في الأدب والفن والمسرح ودون سيرته الذاتية الثرة بديباجة عكست اسلوبه الرشيق وثقافته الواسعة، وقدرته على الإحاطة بكل الموضوعات بموضوعية ، وحسّ نقدي ذي بعد استشرافي. قاص وروائي. اكاديمي مميز ، وتجربته كمدير لكلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية – الفرع الثاني ، دلت إلى تمكنه من فن الإدارة والتواصل مع الطلاب.
كانت حياته كفاحًا موصولًا، موشاة بالكرامة وعرق الجبين، معطوفة على صلابة وعزم لا يلينان أمام الصعاب والتحديات. كان عضوًا في مجلس المحررين في مطالع ستينيات القرن المنصرم ، عاملا على توطيد حضورها الوطني والمهني، وظلّ وفيًا لها، يتابع نشاطاتها، لا يبخل عليها بنصح، أو يمسك عنها الدعم في اوقات الشدة.
لبناني حتى العظم، لا يشرك في حب وطنه. مؤمن بالعروبة الحضارية غير المتقوقعة والمطيفة، بل المنفتحة على آلاخر، والقابلة له.صاحب فكر تقدمي ، ما اعتاد النظر الى الوراء، بل كان دائم التطلع إلى الامام.
كلما خفّ بصره توهجت بصيرته، وازداد حكمة .
انه من رعيل الكبار ، والجيل الماهد الذي شق الطريق واسعًا أمام الأجيال التي تعاقبت ، وكان لها قبسًا هاديًا.
لقد فقدتُ برحيله، كما أعضاء النقابة الذين بادلوه الحب والوفاء والتقدير، صديقًا، أخًا، أستاذًا، وعلمًا من أعلام المهنة التي اغتذت من مواهبه واغتنت.
فسلام عليك يا عميد النقابة وشيخها، وأحد أبرز وجوهها، وليرحمك الله قدر ما تستحق، وانت الذي نسلت ولدًا وزرعت شجرة وكتبت عشرات المؤلفات. فمن كان بقامتك وعلو همتك، وشمخة جبينك ، يبقى خالدًا بما خلف من آثار. وسيرتك مصداق لقول الشاعر:
هذه آثارنا تدل علينا
فانظروا بعدنا إلى آلاثار
العزاء لعائلتيك الصغرى والكبرى. فنم قرير العين يا أكرم الراحلين.