جزين …مرتع للجمال يطيب فيه السمر على نغمة الشلال وصلصلة السيوف

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

 

هي مرتع للجمال الطبيعي الخلاب… تستلقي في حضن الوادي، تنتظر الشمس كل يوم لتغزل خيوطها الذهبية وتفرشها على الربوع الخضراء الزاهية بجميع ألوان الفصول…
فيها يطيب السمر على نغمة الشلال وصلصلة السيوف وعبق التاريخ…
انها مدينة جزين عاصمة الاصطياف الجنوبي…
على بعد 72 كلم من العاصمة بيروت تقع مدينة جزين على السفوح الغربية لجبل نيحا، ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 900 و1100 مترا…
يمكن الوصول اليها عبر طريق خلدة-الدامور-صيدا-كفرفالوس-روم-بكاسين التي تضم أكبر حرج مثمر في الشرق اللأوسط وصولا الى جزين…
تدخل اليها عبر مدخل صخري يتسع رويدا كلما اقتربت منه لتفتح عروس الشلال ذراعيها وتقول :”أهلا وسهلا… جزين ترحب بكم”.
مطاعم شرّعت أبوابها على مدار الساعة تستقبل الزوار والسياح بالترحاب، وفنادق أقفلت حجوزاتها على حركة سياحية غير معتادة. ووسط كل ذلك تزدحم الأسواق ومراكز التسلية والترفيه…

منذ القرن الخامس عشر ق.م بدأ التاريخ يحكي عن جزين التي ورد ذكرها في رحلات الادريسي ولوكاس، والليدي ستانهوب والأبوين غودار والأب لامنس اليسوعي. ويشتقّ اسمها من الجذر الفينيقي والذي يعني حسب اللغات السامية الكنز أو الخزنة، نظراً لغناها بالمعادن ولوجود معبد قديم كان يتضّمن في بنيانه قاعة مخصّصة لحفظ النذور والتقادم التي كان يقربّها المؤمنون للآلهة عرفاناً بجميلهم عن شفاء قد تمّ أو نذر قد تحقّق، فتكدّست هذه مع مرور الزمن لتصبح كنزاً كبيراً أسبغ اسمه من باب تسمية الكلّ بالجزء على هذه البلدة.
الواقع أن مدينة جزين وخراجها غنية بالثروة الحرجية وبالأشجار المنتشرة بكثافة فيها. وهي تطل كما ذكرنا على حرج بكاسين. هذا الحرج الذي يضم نحو 75 مليون شجرة معمرة تتوزع في غالبيتها على الصنوبر، ومنها أيضا السنديان والحور واللك…
وفي داخل الحرج الذي تبلغ مساحته مليونين ومئتين وخمسين ألف متر مربع حوالي 130 نبعا تشرب منها بلدة بكاسين وتعتبر مصدر مياهها الرسمي. وقد أعلن الحرج بقرار وزاري محمية بيئية في العام 1996…

 

 

ولا يقتصر غنى جزين على غاباتها وأشجارها المثمرة فحسب، فهي أيضا تزخر بالعديد من المعالم الطبيعية ومنها مغارة فخر الدين.
وتعتبر جزين البيت الصيفي الثاني للصيداويين بعد بيتهم الأول الشتوي في صيدا، فقربها من صيدا حيث تبعد 32 كلم فقط عن وسط المدينة وما تمتاز به من مياه عذبة ومناخ صحي، جعل منها المصيف المفضل ليس لأبناء صيدا فقط بل للعديد من الجنوبيين، ولأجل ذلك أطلق عليها اسم “عروسة مصايف جزين”…
وتربط بين جزين وجوارها علاقة تعايش قوي ومحبة واحترام…

حرف يدوية ببصمة جزينية:
تشتهر جزين بصناعاتها الحرفية الذائعة الصيت ولا بدّ لكل زائر يدخل اليها من أن يزور أصحاب هذه الحرفة ويشاهد بأم العين جميع ألوان الذوق الرفيع والابداع اليدوي…
وأبرز حرفة جزّينية هي صناعة السكاكين والخناجر والسيوف وهي حرفة لبنانية نادرة ذات جمال وشهرة عالمية وتخطّت صناعة الشوك والملاعق والسكاكين الفضية ذات المقبض العاجي التي تمثّل الفنّ الحرفي اللبناني الأصيل حدود لبنان وباتت أثمن هدية رمزية لبنانية. وافيد انّ الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول كان متيّماً بهذا النوع من الهدايا التي حصل على مجموعة منها من قبل الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب. هذه الصناعات التي تتلألأ مثل كنوز من الذهب وسط عالم ساحر تفوح منه رائحة الأصالة والتراث، تواجه اليوم خطر الاندثار. وبرغم ذلك يصر أصحاب هذه الحرفة على التمسك بها الى آخر العمر لأنها تأخذهم من متاعب الحياة الى متعة العمل والابداع. فقد أبدعت أيادي الحرفيين هنا الآلاف من الأعمال التي حملها السياح الى بلدانهم كأثمن شيئ يحصلون عليه من زيارتهم لجزين.

الشلال أو الشالوف
نصل الى شلال جزين أو “الشالوف” كما يسميه أهل البلدة. هذا الشلال المائي الذي يعتبر الأعلى في لبنان حيث يصل ارتفاعه الى أربعين مترا وينحدر الشلال من شير صخري تمر في أسفله مياه نبع جزين مخترقة واديا عميقا تتوزع على جنباته أنواع مختلفة من الأشجار، ويتدرج النبع شمالا حيث يلتقي نهر الباروك ليؤلفا معا نهر الأولي.
جزين كمعظم بلدات الجنوب كانت رازحة تحت الاحتلال الاسرائيلي. ومع عودة عروس الشلال الى جسم الوطن بعد انسحاب اسرائيل في أيار العام ألفين، لم يتأخر الجزينيون باجراء كل ما يلزم لتستعيد بلدتهم موقعها السياحي التي كانت تتربع على عرشه في صيف العام 1982.
نتابع جولتنا في مدينة جزين… هنا من الصعب أن لا تقع عيناك على مساحات مشرقة من اللون الأخضر الزاهي يتسلل اليه خفية القليل من الأحمر والليلكي والأبيض تزين ثغر الورود والرياحين…
وسط هذه المشاعر الدافئة حيث لا صوت سوى صوت محرك السيارة التي تختال بنا في تلك الدروب الجزينية والمعالم التي باتت سمة المدينة.
فمن يزور جزين، عليه أن لا يفوت أيضا فرصة زيارة متحف فريد سرحال الذي أصبح من القصور العالمية الفخمة. صاحب القصر النائب الراحل فريد سرحال الذي بدأ بتشييده من العام 1967 الى حين وفاته في العام 1994 دون أن يكمله نهائيا.
والقصر تحفة معمارية استوحى الحضارات مجتمة من الرومانية الى العربية والاسلامية والايرانية والهندية وسواها… ويعزم الأبناء على انجاز ما بدأه الآباء فيحولون القصر في غضون سنوات قليلة الى متحف من أعرق المتاحف العربية.
تنتهي الرحلة في عروس المصايف جزين…
تأسر القلب بروعة شلالها ومهارة أبنائها وطيب هوائها… وهي اسم عريق في خارطة السياحة اللبنانية.