جرم العنف الأسري تؤكد الحاجة الى التخفيف من بعض القيود الدينية من القانون

 

 

 

 

بقلم : العميد أنور يحيى*

حددت المادة 38 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني أشخاص الضابطة العدلية الذين يعملون تحت إشراف النائب العام ومنهم: مدير عام قوى الأمن الداخلي وضباط قوى الأمن الداخلي والشرطة القضائية والرتباء العاملون في القطعات الإقليمية ورؤساء مخافر قوى الأمن الداخلي.

إن موضوع العنف الأسري الذي تتابعه المنظمات الدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان ،والهيئات الاجتماعية والانسانية  في لبنان منذ أكثر من عشرين سنة ،أثمر تشريعات وأنظمة وتعليمات فرضتها النيابة العامة التمييزية عبر تعاميم مرسلة إلى مديرية قوى الأمن الداخلي ومنها حصر إستجواب ضحايا العنف الأسري بقطعات الشرطة القضائية وحدها ،كونها تضم  قطعات متخصصة بجرائم الاتجار بالبشر واستعباد الأخر وقد أنشأت الأمم المتحدة عبر مكتب UNODC ،United Nation Office of Drug and Crime جناحا خاصا في مبنى قصر عدل بيروت وجهز بأفضل المعدات والتجهيزات لاستجواب القاصرات ضحايا العنف الجنسي والأسري وقد تسلمنا إدارته مباشرة من قبل وزير العدل الدكتور بهيج طباره، بصفتنا نتولى قيادة فوج أمن وحراسة الأدارات والمؤسسات العامة في لبنان، وذلك في العام 2004 ، ووضع بتصرف قطعات الشرطة القضائية، مفارز ومكاتب ،لإستخدامه عند الحاجة وتأمين أفضل الظروف النفسية للضحية أثناء الإستجواب.

ان قوانين الأحوال الشخصية في لبنان متعددة تبعا للطوائف حيث تتمتع كل واحدة بحرية ممارسة شعائرها وإقامة المدارس شرط عدم الاخلال بالنظام العام وفقا للمادة التاسعة من الدستور.

لا يوجد نظام أحوال شخصية مدني ،بل كل طائفة لديها قانونها الخاص ، ولربما ما هو عنف لدى قانون طائفة معينة، قد لا يكون عنفا لدى طائفة أخرى، وفقا للتعاليم الدينية المطبقة.

وقد وضعت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مدونة قواعد سلوك عناصرها بشتى الظروف، في العام ، بالتنسيق مع مكتب المفوض السامي لحقوق الأنسان:UNHCR  لكنها لم تشرح هذا الدور حتى صدورالمذكرة العامة رقم 439/204 ش4 تالايخ 25/9/ 2017 التي حددت دور قوى الأمن الداخلي كضابطة عدلية تعمل بأشراف النيابة العامة،بالتعاطي مع ملفات المرأة والضحايا من الأطفال.كانت هذه المذكرة العامة نتيجة تعاون كل من:منظمة أبعاد، كفا ، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين:UNHCR  ،ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة:UNICEF .

إن ضحايا العنف الأسري يجب إسعافهم نفسيا وطبيا وأجتماعيا،من قبل هيئات أجتماعية خارج الضابطة العدلية، NGO,s أما مرتكب جرم العنف الأسري،غالبا ما يكون أحد أفراد العائلة:والد، شقيق، والدة،  زوج ، زوجة أو عشيقهاأي تربطه بالضحية علاقة قرابة أو صداقة ،فهم ليس لديهم أعذارا محلة ولا أسبابا تخفيفية لكن ربما باعتقادهم أن عملهم لتقويم تصرف خاطىء بنظرهم،وصحيح بنظر الضحية التي تعرضت للعنف الأسري وما جرائم الشرف التي ما نزال نشهد الكثير منها في الأردن وبعض المناطق اللبنانية التي لم تواكب العولمة وأنتشار الإنترنت والهاتف الخليوي بين أيدي الفتيان والفتيات والأزواج وكافة شرائح المجتمع بحيث بات العالم قرية صغيرة تتواصل الناس فيما بينها بسهولة.

باشرت قوى الأمن الداخلي منذ عدة سنوات ، بالتنسيق مع المنظمات الدولية والوطنية بإقامة دورات لرتباء وضباط  يحملون شهادات في علم الأجتماع، علم النفس، والحقوق وغيرها من العلوم الأجتماعية، ضمن دورات معهد قوى الأمن الداخلي الذي يشهد نقلة نوعية ممتازة لتدريب المختصين في الضابطة العدلية عن كيفية التعاطي مع الضحية والجناة،علما أن كل هذه التدابير تخضع لأشراف وموافقة النيابة العامة رأس الضابطة العدلية.

إنني أقترح ،وبعد خبرة أكثر من 39 عاما في الخدمة الأمنية،أن يتم تدريب القضاة على كيفية التعاطي الأنساني والقانوني،مع مرتكب العنف الأسري ،الذي يتصدى إلى شاب أو شابة بمقتبل العمر ينظر الى الحرية الشخصية بمنظار تطورالحريات في العالم وفقا لما يضطلع عليه بأستخدام الهاتف الخليوي والأنترنت ، والذي قد يكون مرتكب العنف الأسري بعيدا عن تأثيره ، يعيش في عالمه القديم نتيجة العادات والسلوك العائلي المتوارث.

أن إنشاء قوى الأمن الداخلي لقسم حقوق الأنسان ضمن هيكلية المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي،بموجب المرسوم رقم 755 تاريخ 3/1/ 2008 يعكس مدى تحسس المديرية العامة لمواكبة تطور مفهوم حقوق الأنسان من مرحلة إلى أخرى،لا سيما بعد أن تبنت مقدمة الدستور المعدل عام 1990 الاعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادر 1948 وأن ممارسة قوى الأمن الداخلي لدورها كضابطة عدلية يستدعي وجود نيابة عامة متخصصة بجرائم العنف الأسري، في كل محافظة.

إن الحاجة الى قانون مدني عصري للأحوال الشخصية ،يخفف بعض القيود الدينية المكرسة إرضاءً للقيادات والتي قد تمنع المراة عن أبسط الحقوق الأنسانية، ويمنح القضاة العدليين صلاحيات أوسع تواكب تطور مفهوم حقوق الأنسان، بات أكثر من ضرورة،لاسيما بمجال حقوق المراة، حيث هي اليوم ولأول مرة ،في أرفع مراكز القيادة والمسؤلية في الأدارة اللبنانية ،بحيث تتولى: نيابة رئاسة مجلس الوزراء وزارات :الدفاع الوطني ،الأعلام،السياحة،المهجرين،العدل،والعمل..نظرا للجدارة والكفاءة وعمق مفهوم المواطنية الصحيحة .

أن تطور الجرائم النوعية يتطلب التخصص التقني من قبل الضابطة العدلية ،لا سيما رتباء وضباط الشرطة القضائية، الذين غالبا ما يتولون هذه التحقيقات بالتعاون مع مساعدين ومساعدات اجتماعيين متخصصين، وبأشراف مباشر من قضاة إنسانيين وجديرينومتخصصين بهكذا أصناف جديدة من جرائم غير تقليدية.

إن جرائم العنف الأسري تزداد يوما عن يوم مع وجود أكثر من مليون نازح سوري يعيشون في لبنان، وقد ِقدموا من مجتمعات زراعية وأصولية دينية متعددة أحيانا، يختلطون ضمن مجتمعات لبنانية بعيدا عن تدابير الدولة اللبنانية :الأمنية والتعليمية أحيانا كثيرة، مما يستدعي  تنسيقا أكبر ما بين:البلديات والشرطة ووزارة الشؤون الأجتماعية،والهيئات غير الحكومية للحد من تنامي جرائم العنف الأسري في لبنان.

لكن هل هذه الإدارات تقوم بمهامها بظل إنتشار الوباء وأنهيار قيمة النقد وتراجع هيبة الدولة؟ .

————————

* قائد سابق للشرطة القضائية اللبنانية