ثقافة الضحك … كيف تناولتها الآداب العالمية

بقلم دانيا يوسف   *

 

إنه ردة فعل على قول أو مشهد معين. قد تحصل عفوياً وبشكل مفاجئ خلال مجريات الحياة اليومية، وقد يتم انتزاعها عمداً.
إنه الضحك، الذي أصبح منذ زمن طويل فناً وأدباً ودواءً ومادة للدراسات العلمية.
وقد قيل قديماً: اضحك تضحك لك الدنيا ، وهذا حقيقي. فالتجهم يثقل على الفرد نفسه ومن حوله، أما الابتسام والضحك فينشران الإحساس بالفرح والبهجة. والسعي الدائم عند الإنسان للوصول إلى الفرح والبهجة، هو ما يجعله يجد في الضحك تحقيقاً ولو سريعاً ومؤقتاً لمبتغاه.
الضحك في التراث الأدبي:
لأن الإنسان كان دائماً على ما يبدو بحاجة إلى الضحك أكثر مما يحصل عليه من مفارقات الحياة اليومية ومجرياتها، تولى الأدب والفن مهمة إشباع هذه الحاجة.
فأدب الفكاهة من الآداب الشيقة والممتعة التي لا يخلو منها الموروث الثقافي لأية حضارة. ومن حكم العرب قديماً ما يقول: روِّحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلَّت عميت .
وفي الشعر العربي، يمكننا القول أن فناً مستقلاً اعتمد الضحك والإضحاك سبيلاً لتحقيق مبتغاه ألا وهو فن الهجاء. وفي النثر لمع الكثيرون ممن أفردوا للضحك والفكاهة مؤلفات كاملة مثل البخلاء للجاحظ والفاشوش في حكم قراقوش لابن مماتي والإمتاع والمؤانسة لأبي حيَّان التوحيدي .
الظرفاء والمضحكون:
وإلى جانب الأدب، اشتهر في التراث الشعــبي مجمـــوعة مــــن الظرفــــــاء والمضحكين لكن أشهرهم هو البطل العربي الشعبي جحا.
تدور حكايات جحا في إطار معاناة من الفقر ولوم الزوجة دوماً، وسيطرتها على كثير من المواقف، وكان لجحا ابن ينشئه بحكمته ويحاوره بفكاهته وسخريته. وخير ما يصور ارتباط جحا بالأحياء تعاطفه مع حماره، الذي جعل منه صديقاً أو شبه صديق يتحدث إليه، ويصب في أذنيه سخرياته اللاذعة من الحياة والأحياء. ولا يغيب عن بالنا أن جحا العربي شخصية حقيقية، فنسبه ينتهي به إلى قبيلة فزارة العربية. ولد في العقد السادس من القرن الأول الهجري، وقضى الشطر الأكبر من حياته بالكوفة.
في الأدب العربي الحديث:
لم يخلُ أدبنا العربي من روح الفكاهة، وتناوله مشكلات فئات عديدة من المجتمع باستخدامه أسلوب الفكاهة. فمن طرائف الشعراء والأدباء، والمصريين، والعاملين، والمهجريين، والقضاة إلى فئة الأذكياء والمغفّلين والظرفاء، إلى طائفة البخلاء والطفيليين وغير ذلك. والسخرية تعد أرقى أنواع الفكاهة، لما تحتاج إليه من ذكاء، وخفة، ومهارة، وخفاء، ومكر. ولقد استخدم الأدباء العرب فن السخرية ليربوا في الناس ملكة النقد، ويوقظوا فيهم الوعي بأخطائهم وحماقتهم فتهكّموا من المغرور، والمغفل، والجاهل، والبخيل، والجبان، والفوضوي، والكسول.
وفي الآداب والفنون الغربية:
الآداب والفنون في الغرب أفرزت للأعمال المضحكة حيزاً خاصاً بها. فبالتزامن مع نهضة المسرح الفرنسي، وإلى جانب المسرحيات المأساوية التي كتبها راسين، ظهر موليير الذي اقتصر إنتاجه تقريباً على كتابة المسرحيات الساخرة والمضحكة مثل الطبيب الوهمي والبرجوازي الكريم التي سخر فيها من الحياة الاجتماعية في عصره. واحتل هذا المسرح الساخر مكانته المرموقة في فرنسا حتى أنه أعطى اسمه لأكبر المسارح الوطنية في باريس “لا كوميدي فرانسيز” أي الكوميديا الفرنسية.
واذا تحدثنا عن الفكاهة عند الغرب لا بدّ من ذكر الفيلسوف الفيلسوف الايرلندي الساخر جورج برناردشو الذي لا يزال ادبه محور دراسات عديدة في الجامعات والمعاهد العليا. وكان برناردشو مرحا بطبيعته وقد عرف كيف يستغل هذه الطبيعة في بث افكاره وقد اكتشف ان الانسان اذا أنت اضحكته صار مستعداً لقبول كل ما تقوله حتى إذا كان يختلف معك. وكان برناردشو اصلع الرأس، كثيف اللحية وحين سئل ذات يوم عن حالة الاقتصاد العالمي أجاب: لحيتي كثيفة ورأسي اصلع كالاقتصاد العالمي، غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع. وبهذه الكيفية سخر شو من نفسه وله العديد من الطرائف فيذكر ان احدى السيدات الارستقراطيات سألته كم تقدر عمري؟ فنظر اليها برناردشو واستغرق في التفكير، ثم قال اذا اخذت في اعتباري اسنانك الناصعة البياض فسيكون عمرك 18 عاماً، واذا اخذت في اعتباري لون شعرك الكستنائي فيمكن تقدير عمرك 19 عاما، اما لو أخذت في اعتباري سلوكك فسيكون عمرك 20 عاما. فقالت بعد ان اطربها ما سمعت: شكرا على رأيك اللطيف ولكن قل بصدق كم تعتقد اني ابلغ من العمر؟ فأجابها على الفور اجمعي 18 + 19+20 تحصلي على عمرك.
الضحك في الشعر:
عرفت الفكاهة في الشعر في شكل قصائد تعتمد على السخرية بالرغم من أن الميل العام للشعراء هو الشعر الجاد الرصين والترفع عن الشعر الفكاهي. لذا لم يأخذ هذا اللون من الشعر مكانته اذا ما قورن بشعر المساجلات بين الشعراء كنوع من المزاح الذي لا يقصدون نشره للتداول بين القراء ومن الطرائف ان الشاعرين احمد شوقي امير الشعراء وحافظ ابراهيم شاعر النيل كانا صديقين وفي أحد الايام التقيا وأراد حافظ ابراهيم مداعبة شوقي فقال له: يقولون ان الشوق نار ولوعة
فما بال شوقي اصبح اليوم باردا
فرد عليه شوقي بقوله:
لقد حملنا الكلب والانسان أمانة
فخانها الانسان، والكلب حافظ.

* إعلامية وناقدة