تدمير العاصمة…

بِقَلَم العَميد مُنْذِر ألأيوبي*
دون مقدمات ؛ إزاء تسارع الاحداث منذ مساء يوم الثلاثاء الماضي 04.08.2020 و بصرف النظر عن السبب الحقيقي للإنفجار المدمر والدامي الهائل الذي استهدف مرفآ بيروت الاستراتيجي الاهم في منطقة شرق المتوسط و ما نتج عنه مِن دمار جزء كبير مِن عروس المتوسط العاصمة بيروت بأبنيتها التراثية وبناها التحتية عدا عن العدد الكبير والغير مسبوق مِن الضحايا والجرحى لبنانيين ؛ عرب و اجانب فإن الحدث الكارثي شكل صدمة مِن هول الفاجعة عَلى مستوى لُبنان ودول العالم كما سيشكل تاليآ وحتميآ محطة مفصلية تغييرية في تاريخ الوطن المنكوب أو يفترض ذلك عَلى مشارف مئويته الاولى إذ ان ما قبله لَيسَ كما بعده سواء في السياسة او الاقتصاد أم في الامن والاجتماع كذلك في الديبلوماسية وعلاقات لُبنان الخارجية مع دول العالم الشقيقة و الصديقة التي انبرت لمساعدته و عَلى رأسهم تلك الدولة الحنون (فرنسا) صاحبة المعادلة الثلاثية والحضارية نِتاج ألثورة الفرنسية عام 1790 “حرية – مساواة – أخوة” و لكم أصبحنا بحاجة لهذا الشعار و هذه الطريق ..!
مِن جهة أُخرى ؛ فإن التحقيقات التي بوشرت في الحادث الجلل تستوجب فريقآ إحترافيآ متجانسآ يضم الخبرات اللازمة من محققين متمرسين ، عناصر مختصة برفع الادلة الجنائية Criminal Évidence ، خبراء في الطب الشرعي ؛ اختصاصيين في علم المواد الكيميائية المتفجرة إضافةً الى مختصين عسكريين في علم المقذوفات Ballistics مع فريق فني يعنى بتحليل الصور و الفيديوهات الملتقطة .! هذا الفريق يجب ان يديره أو يرأسه قاضٍ متجرد او عميد مِن ألأمن متمرس كفوء ؛ كما يفترض أن يكون بأعضاءه و خبرائه منزهآ ملتزمآ حيادية مؤكدة ، قادر عَلى إكتناف الضغوطات السياسية او الحزبية ، مستقل في عمله و بامكانه أيضآ الاستعانة بمختصين إضافيين محليين او أجانب عند الاقتضاء كما يجب تسهيل مهمته وتعزيزه بالادوات والوسائل اللازمة بهدف الوصول الى الحقيقة عبر تحديد الاسباب والدوافع ، الفاعلين او الجناة ومن يقف خلفهم ، المستهترين او المتورطين في الاهمال والفساد الذي اوصل الى هذه الكارثة المأساوية ..!
إستطرادآ فإن مَسار التحقيق يجب ان يكون دائريآ 360* لا يستبعد اي اتجاه و مسلك كما لا يهمل أو يتغاضى عن اي مِن المؤشرات الدالة التي تساهم في العبور ألآمن و الدامغ إلى النتيجة المتوخاة ..
توازيآ ؛ فإن ما صرح به الرئيس الاميركي دونالد ترامب والتناقض الفاقع مع قادة البنتاغون “هجوم أم حادث” اضافة الى ما تداولته وسائل الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي من صور و مشاهد وتعليقات او تحليلات لا يمكن استبعاد بعضها او تجاهله و في نفس الوقت يجب اهمال أُخرى قد تحتوي صورآ مركبة او فيديوية مختلقة و مدبلجة مع تتبع اصحابها ومعرفة غاياتهم كذلك التغريدات المبطنة والمنحازة إضافة الى بوستات غير صحيحة Fake News تحاول توجيه اصابع الاتهام لجهات معينة خصم في السياسة او لمصالح و مآرب شخصية .. أما استعراض الاحتمالات و دراسة التحليلات كما ألتقصي و التأكد مِن الشبهات توصلآ لبعض الاستنتاجات فهذا لا يفسد في الود قضية طالما انه ينطلق من موضوعية منزهة عن اية غاية .! من هذا المنطلق يمكن للتحليل ان يضيء عَلى امور شتى او يساهم في الاجابة عَلى كثير من اسئلة المواطنين و رُبما المعنيين .!
في سياق مُتَصل ؛ بعد ما رَشَحَ أو أشيع يجب ان يتزامن التحقيق الاداري المعني بتحديد المسؤوليات و محاسبة المقصرين او الفاسدين (وزراء تعاقبوا ؛ رئاسة المرفأ ؛ مديرين ؛ قضاة معنيين ؛ امنيين ؛ جمركيين )مع التحقيق الجنائي ألأساس ..! أما في ألإجراءات فإن عزل مسرح الجريمة عَلى اتساع رقعته الجغرافية أمر ضروري يدخل في خانة الاحترافية المهنية و جدية الاداء ؛ كما أن تحديد سبب الحريق أو عامل التحفيز Catalyseur (المفرقعات) للإنفجارات المتتالية هو مدخل أساسي يتلازم مع فرضيات متعددة و منطقية :
١- الخطأ الفني او البشري الغير مقصود كما شوهد خلال عملية تلحيم بالاوكسيجين Oxy-Welding لأحد ابواب العنبر الحديدية ..!
٢- تنفيذ جريمة ارهابية مِن جهة استخباراتية عَبرَ ارسال ورشة التلحيم دون علمها بالمحيط ألمُخَزَن و بالتالي تحقيق الهدف بألتفجير الهائل مع التخلص مِن العمال الشهود ..!
٣- إهمال إداري في التزام معايير Standards و اجراءات التخزين و السلامة العامة ..!
٤- تواطؤ بين مجموعة فاسدة تضم مسؤولين قضائيين ، أمنيين ، اداريين و جمركيين بقصد جرمي متمادي يهدف الى جني اموال غير شرعية مِن عملية التخزين ..!
٥- الفعل الجرمي الارهابي القصدي و المخطط متمثلآ بإشعال المفرقعات في حال وجودها حيث تتفاعل مع غبار القمح المخزن في الاهراءات و تحفز ألمادة الكيميائية المتفجرة “نيترات ألأمونيوم” Ammonium Nitrate مع زرع عبوات ناسفة (الانفجارات الصغيرة المتتالية) لضمان حصول الانفجار الضخم ..!
٦- هجوم جوي نفذته الطائرة المسيرة المتطورة التابعة للعدو الاسرائيلي “هيرون” Heron MK-2 المزودة بصواريخ جو-أرض دقيقة التوجيه ترافقها طائرة الاستطلاع و التصوير الجوي طراز “هرمس” Elbit Hermès 900. بعد قَرار اتخذته قيادة العدو اثر تسرب تقارير الاجهزة الامنية اللبنانية ألتي تؤكد تخزين هذه المواد و خطورتها و كميتها و قدرتها التدميرية ؛ أيضآ توفر معلومات لدى جهاز استخبارات العدو “الموساد” تتضمن شبهة وجود شحنات من الصواريخ الدقيقة التابعة لحزب الله اللبناني في عنابر المرفأ بإنتظار نقلها سرآ ..
٧- إحتمالات او فرضيات أُخرى تنفي حاجة او علاقة حزب الله بألمادة المتفجرة NH4NO3 المخزنة
نَظرآ للمدة الزمنية التي مضت عليها في عنابر المرفأ مِما يؤكد إنتفاء العلاقة أو الحاجة إليها فعليآ ..!
مِما لا شك فيه إن إغراق مرفأ بيروت بالحديد و النار هو هدف استراتيجي مميز كما ان تَدمير جزء كبير مِن العاصمة بيروت لطالما كان حلم الدولة الصهيونية الدائم ؛ إستطرادآ وجد العدو الاسرائيلي الفرصة الموءاتية و التوقيت المناسب لتنفيذ ضربته الجوية الخاطفة مع عدم تبني مسؤوليتها و إبقاءها مؤرشفة في خوادم شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية “آمان” المعنية بألتقييمات الاستراتيجية وفق معادلة : المادة الخطرة مع شحنة الصواريخ المفترضة او المعتلمة + الوضع الاقتصادي و المالي المنهار + الوضع السياسي المأزوم و الدعوة للحياد الايجابي + الحصار الذي يتعرض له لُبنان + الحراك الشعبي و الدعوة لاسقاط النظام + الغارة التدميرية مِن سلاح الجو = نتيجة مفترضة او مرتقبة : قصم ظهر الدولة اللبنانية و تَدمير العاصمة ؛ الذهاب نحو تدويل الحالة اللبنانية و دخول قوات الامم المتحدة مع جعل بيروت مدينة منزوعة السلاح ؛ نزع سلاح المقاومة و تطبيق البند السابع مِن القرار الاممي 1701 ؛ تسليم مطار و مرفأ بيروت لقوات مشتركة دولية بقيادة المانيا ؛ تفكيك منظومات الصواريخ الدقيقة و تسليمها لقوات الطواريء الدولية UNIFIL أو ألجيش الفرنسي ؛ اجراء انتخابات نيابية مبكرة باشراف فرنسي ينتج عنها برلمان يضم كتل سياسية مِن صنف ثورة 17 تشرين ينتخب رئيسآ للجمهورية بعد استقالة الرئيس عون على ان تشكل حكومة ترأسها شخصية مِن صنف السفير نواف سلام تعلن حيادية لُبنان و تعمل عَلى محاسبة المسؤولين السابقين المتهمين بالفساد ..!
في التصنيف السياسي و الاقليمي ؛ المفروغ منه إرتباط الوضع اللبناني بما تتعرض له ايران مِن حصار و عقوبات اقتصادية مالية كذلك ما فرض عَلى سوريا مؤخرآ “قانون قيصر” اضافة الى الحصار المالي المفروض على حزب الله و بالتالي الدولة اللبنانية و نظامها المصرفي بالتزامن مع تقييم و دراسة النموذج السياسي “الكاظمي – نسبة الى رئيس الوزراء الجديد” العراقي الحالي ..!
اي
و من دون انكار العلاقة الحميمية بين بيروت و باريس فإن ما يَجري عَلى الساحة السنية الشمالية مِن تسلل تركي الى الشريحة الاجتماعية الافقر و كسب ولائها مع ادارة استخباراتية ملحوظة كان أحد ألاسباب الاضافية للإندفاعة الفرنسية تجاه لُبنان في محاولة غير يائسة لانتشاله من هوة الانهيار قبل ان يسقط في الحضن الايراني نهائيآ او التركي حاليآ بخلفية تاريخية ؛ لا سيما في ظل الكباش التركي – الفرنسي في المتوسط الشرقي و ليبيا ؛ من هذا المنطلق تأتي زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون فرصة لترسيخ العلاقة المميزة بين البلدين مع رسم خط أحمر عريض حول 10452 Km* يمتد من الخليج الفارسي الى المضائق البحرية العثمانية .. كما يَبدو ان الخطوة الفرنسية منسقة أميركيآ و سعوديآ بوجه طهران و انقرة وفق ما ظهر مِن اندفاعة فورية للاساطيل الجوية المحملة بالمساعدات الغذائية و الطبية الدولية و العربية و بصورة خاصة الخليجية ..!
في التصنيف الميداني ؛ سُجِلَ يوم وقوع الانفجار الثلاثاء الماضي حوالي 22 خرقآ جويآ للأجواء اللبنانية مِن قبل الطيران الاسرائيلي ؛ كما شهدت سماء العاصمة في نفس التوقيت حركة جوية نشطة لسلاح جو العدو قد تكون مهدت للغارة الجوية و بالتالي تنفيذ المهمة في الساعة الصفر ؛ مِن هذا المنطلق لا يمكن استبعاد ألتشابه مع عمليات القصف الجوي الاسرائيلي شبه اليومية لأهداف في الاراضي السورية تابعة للحرس الثوري الايراني لا سيَما منها مراكز تخزين الاسلحة و المتفجرات و القذائف الصاروخية (محيط مطار دمشق – ألبوكمال – القنيطرة الخ..). كما ان عمليات التخريب و التفجير التي وقعت في ايران مؤخرآ قد تدخل ضمن فرضية التماثل لعملية تفجير بيروت كأسلوب معتمد ..! كثير مِن المحللين اعتبروا ان سحابة (عيش الغراب) او ما يعرف بسحابة الفطر Mushroom Cloud الناتجة عن انفجار 2750 طن مِن المادة المتفجرة في مرفأ بيروت مشابهة لتفجيرات مستودعات الاسلحة و الذخائر في سوريا ..! اما الضباب الاحمر الذي شوهد يتصاعد لحظة الانفجار فيؤكد خبراء انه غاز (أوكسيد النيتروجين) Nitric Oxide NO الناتج عن اشتعال (نيترات الامونيوم) ..!
لم تستفيق العاصمة بعد مِن هول المصيبة كما لَم يلملم الناس جراحهم هم بحاجة لفهم ما حصل يطرحون اسئلة و تراودهم تساؤلات كثيرة تحتاج الى اجوبة : هَل دمرت بيروت بأيدي اللبنانيين بسبب اهمالهم ام ان العدوان تكفل بذلك ..؟؟ لماذا لَم تُمنع في حينه الباخرة Rhosus مِن دخول المياه الاقليمية اللبنانية بدلآ مِن احتجازها و مصادرة حمولتها الخطرة و تخزينها و مِن ثُم غرق الباخرة في حوض المرفأ الحيوي .؟
لماذا لَم يتم ترحيل المادة الخطرة او اتلافها تقنيآ بدل تخزينها عَلى مَدى سنوات قنبلة موقوتة مزروعة عَلى الشاطيء الشمالي للعاصمة .؟ مِن سيتحمل مسؤولية ما حصل و عَلى اي مستوى .؟ كيف سيتم التعويض عَلى ذوي الضحايا و المفقودين .؟ مِن سيتحمل كلفة الترميم و تأهيل البنى التحتية و المرفأ مجددآ .؟
هَل تكفي مدة 5 ايام للوصول الى نتائج التحقيق كما اعلن سابقآ .؟ لماذا لَم تقم القوى العسكرية او الامنية بدورها الوقائي مِن خلال وضع حراسة مشددة عَلى عنبر التخزين مع تثبيت رهط مِن فوج الاطفاء للتدخل الفوري .؟ هَل مِن المفضل تدويل التحقيق و ما هي انعكاسات هذا القرار عَلى المستوى الداخلي و الوطني .؟ الخ .. ماذا بعد تَدمير العاصمة بشرآ و حجرآ .؟ هَل تنهض مِن بين الركام مجددآ .؟
فقد الكثيرون آبائهم أو امهاتهم ، ابناءهم واقربائهم ، كُتِب تاريخ المدينة الخالدة بيروت مجددآ بالدم  والدموع سماؤها كئيبة ؟ بحرها أسود وغمامها رماد ..! الرحمة للشهداء ، الشفاء للجرحى ، الويل للجناة والمقصرين الكفرة مِن غضب و حساب السماء ..!
بيروت “ألباكية” 07.08.2020