تدمير الحضارات ..!

بقلم العميد منذر الايوبي
ألتاريخ 05.03.2001 ،، بِناءً لِفتوى أصدَرها الزَعيم الروحي لِحَركة طالبان المُلا “محمد عمر” عَمَدَت ألحَركة ألمُتطرفة دينيَآ إلى تَدمير ألتماثيل ألبوذية ألأثرية في ولاية “باميان” ألأفغانية مُستَخدِمَةً ألمُتفجِرات و ألمَطارِق بإعتبارِها رَمزآ للوَثَنيَة وذلك في تَوقيتٍ مُتَعَمَد خِلال عُطلة عيد ألأضحى ألمُبارك لَدى ألطَوائِف ألإسلاميَة ،، جَليَآ بَدا أنَ ألهَدَف إغتيال ألذاكِرَة ألتاريخيَة لِطائفَة أو شَريحَة إنسانيَة و لِمُقدساتَها تَحتَ سِتار ألدين ألحَنيف .. ألإعتِداء عَلى هَذِه ألموروثات ألحَضاريَة ألعالميَة أثارَ مَوجَة إستِنكار و غَضَب عالمَيَتين لَم تَخلوا مِن تَهَجُم عَلى ألمُسلِمين ، وَ قَد وَصَلَ ألأمر في حِينِه إلى إندِلاع تَظاهُرات و إحتِجاجات لا سيَما في ألهند أقدَمَت خِلالَها مَجموعات مِن ألهِندوس ألغاضِبين إلى حَرقِ نُسَخٍ من القُرآن الكَريم ، كَما دَعا مَجلِس ألهِندوس ألعالَمي ألأُمَم ألمُتَحِدة إلى ألتَدَخُل وَ وَقف هَذِه ألإعتداءات ألهَمٍجيَة ألبَربَريَة …
عَمَليَة ألتَدمير طاوَلَت تِمثالَين ضَخمَين لِ “بوذا” نُحِتا قَبل 1500 سنة تَقريبَآ عَلى جِدار صَخري هَائِل يُشرِف عَلى مَدينَة “باميان” يَبلُغ طول أحَدَهُما 53 مترا و الآخر 36.5 مترا ، كَما تَحتَوي أفغانستان آثارَآ فارِسيَة ، هِندوسية ، بوذيَة وإسلاميَة ذَلِكَ نَتيجَة مَوقِعها ألجُغرافي ألمُمَيَز عَلى تَقاطُع طَريق ألحَرير ألتَاريخي ،”مُعظَمَها مُدرَج عَلى لائِحَة ألتُراث ألعالَمي”…
تَماهَى هَذا ألتَطَرُف ألديني ألخَبيث مَع إقدام ألدَولَة ألإسلامية في ألعراق و ألشام “داعش” ألتَنظيم ألإرهابي ألمأجور عَلى إرتِكاب عَمليات تَدمير مُمَنهجَة لِمواقِع و مَنحوتات أثريَة في ألعراق و لاحِقآ في سوريا ،، هَذِهِ الآثار تَعود لِعُصور ما قَبل ألميلاد – مُدرَجَة أيضَآ لدى مُنظمة “ألأونيسكو ” UNESCO ألتابِعَة للأُمَم ألمُتَحِدَة عَلى لائِحَة ألتُراث ألعالَمي و مِنها مَدينَتَي ألحَضَر و آشور في ألعِراق و قَلعَة مَدينَة “تَدمُر” في سوريا .. تزامُنَآ، إستَهدَف تَنظيمَي ((داعِش و ألنُصرة)) في إرهابِهِما سَرِقَة وتَحطيم مُحتَوَيات مَتحَف مَدينَة ألمُوصِل إضافَةً لِعَدَد مِن ألمَساجِد و ألمَزارات وألمَراقِد ألتابِعَة لِلمَذهَب ألشيعي ألكَريم بِهَدَف إشْعال فِتنَةٍ مَذهَبيَة إضافَةً إلى كَنائِس وَ مَعابِد لِلطائِفَة ألأيزيديَة ألكَريمَة ..
تَوازيَآ و إنسِجامَآ مَع إتفاقيَة “لاهاي” ألَتي تَنُص عَلى حِمايَة ألمِلكيَة ألثَقافيَة وَ ألآثار ألتاريخيَة في حَالات ِألحُروب وَ ألنِزاعات ألمُسَلَحَة ألمُوَقعَة عام 1945 مِن قِبَل 126 دَولَة عُضو في ألأُمَم ألمُتَحِدَة ، أدانَت ألأمينَة ألعامَة لِمُنَظَمَة ألأونيسكو “إيرينا بوكوفا” Irina Georgieva Bokova إضافَةً إلى كَثير مِن دُوَل ألعالَم هَذه ألإرتِكابات ألإرهابيَة لا سيَما وأنَ قِسمَآ مِن هَذِه ألآثار ألنَفيسَة تَمَ بَيعَها في ألسُوق ألسَوداء مِن قِبَل عِصابات ألجَريمَة ألمُنَظَمَة .. كَما وَصَلَت عَمَليات ألتَدمير و ألتَخريب إلى آثار في ليبيا و أليمن لا يُمكِن حَصرَها أو مُتابعتَها و ضَبطَها … بِألمُقابِل تَمَكَنَت ألأجهِزَة ألأمنيَة أللُبنانيَة مِن حَجز وَ مُصادَرَة ألعَديد مِن ألقِطَع ألأثَريَة ألمُهَرَبَة كَانَ آخِرها ألتِمثال ألنِصفي لِلمَلِك “سَنطروق” مَلِك ألحَضَر وَ أعادَتَهُ إلى ألمَتحَف ألعِراقي في بَغداد …
لا يُمكِن وَصف هَذِه ألإعتِداءات ألمُمَنهَجَة سِوى أنَها أُلْصِقَت بألمُسلِمين لِصَبغِ صُورَتِهم و دينِهِم ألرَحوم بِألبَربَريَة و ألأرهاب ، إذْ أنَ ألإعتِداء عَلى ألإرثِ ألثَقافي و ألحَضاري قَتلٌ فِكريٌ و مَعنَويٌ يُماثِل في نَتائِجِهِ ألعَمَليات ألإرهابيَة ألَتي تَستَهدِف أو إستَهدَفَت ألمُجتَمَعات ألغَربيَة و ألأوروبية كمراكز إعلاميَة ثَقافيَة أو سياحيَة أدَت إلى سُقوط ألعَشَرات مِن ألقَتلى وَ ألجَرحَى …
في نَفْسِ ألسياق ، أتَى ألحَريق ألَذي أنْدَلَع يَوم أمس داخِل ألصَرح ألديني ألتاريخي كاتِدرائية – نوتردام دو باريس Notre Dame de Paris ألكاثوليكيَة و مَقَر أبرَشيَة باريس ألواقِعَة وَسَط ألعاصِمَة ألباريسية إلى مَوجَة حُزن وَ تَضامُن عَمَت ألشَعب ألفَرنسي و مُعظَم ألدوَل نَتيجَة سُقوط هَذا ألإرث ألحَضاري ألهام ألَذي يَعود تاريخ بِناءهِِ إلى عام 1160 ميلاديَة …
مِن جِهَةٍ أُخرى ،، تَداوَلَت وَسائل ألتَواصُل ألإجتِماعي مَشاهِد ألحَريق ألمؤلِم ، لَكِن ما كَانَ لافِتآ هوَ دُخول ألذُباب ألألكتروني Electronic flies عَلى ألخَط في مُحاوَلَة مُعتادَة وَ دَنيئَة تَهدُف إلى بَثِ ألحِقد و ألضَغينَة عَبرَ إظهار بَعض ألمُسلِمين شامِتين وَ شَتامين أو ساخِرين وَ هَذا عٍارٍ عَن ألصِحَة بِهَدَف تَشويه صُورَة ألتَضامُن ألحَضاري مَع ألفَرَنسيين …
المُدَعي العام في باريس ألقاضي “ريميهيتس” Remi Heinz بَدَأ تَحقيقاتَهبِشأن “الدَمار غَير المُتَعَمَد” فيمَا باشَرَت مُفَوَضيَة ألشُرطَة ألفَرنسيَة – ألداِئرَة ألرابِعَة إجراءاتها بألتَعاوُن مَع خُبَراء ألتَحقيق في ألحَرائِق ألتابِعين لِوحدَة ألأطفاء BSPP ، كَما بوشِرَ إستِجواب العُمال المُشاركين في أعمَال الَترميم ألتي كَانَت تَجري ، مَا كانَ لافِتَآ هوَ إمتِداد ألحَريق سَريعَآ إلى أرجاءِ ألكاتِدرائيَة و إلتِهامِه مُعظَم ألأيقوتات و أللَوحات ألتاريخيَة حَيثُ إستَغرَقَ إخمادُه أكثَر من 14 ساعة إنْهارَ خِلالَها ألبُرج ألشَهير بِشَكلٍ كامِل عَلى مَرأى مِن رِجال ألإطْفاء …
ألخَشيَة ألمُقلِقَة هيَ ألدُخول في “نَظريَة ألمؤامَرَة” عَبرَ فَرَضيَة :
١- صُدور بَيان كاذِب بإسم مُنَظَمَة إرهابيَة إسلاميَة تَتَبَنى ألحادِث .!
٢- إقدام مُرتَكبي ألحَريق ألجَريمَة عَلى تَرك أدِلَة كاذِبَة توَجِه أصابِع ألإتِهام نَحوَ إسلاميين .!
٣- تَدَخُل مُستَغِلين لِلحادِث – ألغَير مُتَعَمَد حَتى ألآن- وَ قيامِهِم بِزَرع أدِلَة جُرميَة مُختَلَقة تَصُب في نَفس ألإتجاه ، كَإتِهام خَليَة مُتَطَرِفَة مؤَلَفة مِن مُهاجِرينَ إسلاميين .!
“لا جريمة كاملة” أمر صحيح ، كَذَلِك في ألرُكن ألثاني: ألمَادي و ألثالِث: ألمَعنَوي ِللجَريمَة لا شَيء مُستَبعَد ، وَ ما ذُكِرَ أعلاه لَيسَ بِألأمر ألصَعب فَ “ألجِسم لَبيس” كَما يُقال ، أما ألنَتيجَة فَهيَ تَأجيج ألفِتنَة بَينَ ألمُسلِمين و ألمَسيحيين في ألشارع ألفَرنسي بِما يؤَدي إلى مَا لا تُحمَدُ عُقباه …
ألرِهان ألآن عَلى وَعي و دِقَة إجراءات وَ حِرَفيَة ألمُحَقِقين ألفَرنسيين أيضَآ خُبَراء ألأدِلَة ألجِنائيَة لِكَشف ظُروف ألحَادِث ، أسبابُه وَ ” مُفتَعِليه في حَال ثُبوت ذَلِكَ” … كَما يَتَوَجَب على ألشُرطَة ألفَرَنسيَة تَشديد ألحِراسَة حاليَآ عَلى ألمَعالِم ألأثَريَة و ألكَنائِس ألتَاريخيَة ألباريسيَة لِحين ألإنتِهاء مِن ألتَحقيقات و ألتَأكُد قَطعَآ أنَ ألحَريق لَيسَ جِنائِيَآ غير مُدَبَر أو مُفتَعَل … َ
خِتامَآ ،، الكَنيسَة لَيسَت بِِناء بَل هيَ جسَد المَسيح — أي كُل الذينَ يؤمِنونَ بيَسوع المَسيح لِلخَلاص
(يوحنا 16:3) .. مَن هَذا ألمُنطَلَق سَتَعود أحْجار و تَماثيل ألكاتِدرائيَة كَما كانَت عَلَيه وَ لَو بَعدَ حِين طاَلما آنَ ألمؤمِنينَ عَلى رَجاءِ ألقيامَة باقينَ … ألسَلامُ لِجَميعكُم .
بيروت في 16.04.2019