الملحمة الاميركية “موبي دك” قصة انتقام في عرض البحر من حوت عجز الجميع عن صيده والنيل منه

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

موبي دِك Moby Dick

يعتبره بعض النقاد من مؤسسي الرواية الأمريكية، وبرغم ذلك لم ينل الشهرة والاهتمام بأدبه إلاّ بعد وفاته بسنوات. إنه الروائي الأميركي هيرمان ميلـﭭِـل الذي ولد عام 1819 وتوفي عام 1891. عمل ميلـﭭِـل منذ مطلع شبابه في وظائف متعلقة بالبحر والملاحة، ثم عمل في إحدى السفن التجارية العاملة بين طرفي المحيط الأطلسي، فتعرّف إلى تفاصيل حياة البحر والبحارة، واكتسب العديد من الخبرات والثقافات. نشر روايته الشهيرة “موبي دِك” أول مرة باسم “الحوت” في عام 1851 فلم تلقَ اهتماماً أو رواجاً يذكر، ما جعل نفس ميلـﭭِـل تمتلئ باليأس والقنوط، ليصرف بقية حياته موظفاً مغموراً في سلك الجمارك الأميركية. ولم يُلتفت إلى الرواية سوى عام 1907 أي بعد وفاة صاحبها بستة عشر عاما، ولم يهتم النقاد بها إلاّ في عشرينيات القرن العشرين، عندها أدرجت ضمن سلسلة “ايفري مان لايبراري” الشهيرة التي تنشر الكلاسيكيات الكبرى للأدب. وإضافة إلى هذه الرواية كتب ميلـﭭِـل روايات أخرى، منها: “وادي تيبـي” ورواية “البحار الوسيم: بيلي بَد” وغيرها.
أحداث الرواية:
تُحكى أحداث رواية موبي دِك على لسان بحار أمريكي اسمه أشموئيل أو إسماعيل، الذي ينضم إلى طاقم سفينة صيد الحيتان “ﭘـيكود” تحت قيادة القبطان أيْهَب Ahab. وبرغم أن هدف الرحلة المعلن هو صيد حيتان العنبر، فإن القبطان أيهَب يضمر في نفسه هدفاً آخر، وهو الانتقام، الانتقام من الحوت موبي ديك. فقد اشتهر هذا الحوت الضخم بين جميع صيادي الحيتان، حيث عجز الجميع عن صيده، ومنهم القبطان أيْهَب الذي فقد إحدى ساقيه بسبب عضة موبي ديك، وأصبح منذ ذلك الحين مهووساً باصطياده والانتقام لساقه المبتورة.
وتستمر الرحلة، فنتعرّف إلى تفاصيل حياة الحوّاتين أي صائدي الحيتان، ونتعرف إلى تقاليد الصيد وطقوسه. ولكن، لا يلبث القبطان أيْهَب إلاّ قليلاً حتى يعلن عن جائزة نقدية لأول بحار يتمكن من مشاهدة موبي دِك واكتشافه في عرض البحر. ومع تواصل الرحلة يتصاعد هوس القبطان بملاحقة موبي دِك، ويتحول تدريجياً إلى شخص شرير فاقد الصواب.
وأخيراً، يتلاقى الغريمان أيْهَب الإنسان بمواجهة موبي دِك الحوت، ويُطارد الحوت مدة ثلاثة أيام كاملة، ولكنه يفلت من صياديه مرات عدة، وينجو من الموت بأعجوبة.
ويرغم أيْهَب طاقم السفينة على متابعة المطاردة، التي تتحوّل إلى رحلة دموية، إذ تنقلب قواعد المطاردة فجأة، فيهاجم الحوت قوارب الصيد ويفتك بها ويجهز على حوّاتيها، ثم ينقض على السفينة “ﭘـيكود” ويحطمها ويغرقها ويقضي على طاقمها باستثناء راوي القصة أشموئيل، الذي ينجو بواسطة تابوت خشبي كان أعدّه أحد الحوّاتين، فيصبح هذا التابوت قارب نجاة له، قبل أن تلتقطه سفية عابرة.
للوهلة الأولى تبدو حبكة موبي دِك كأنها رواية مغامرات، إلاّ أنّها، بالتوازي مع الأحداث المشوقة، تحتوي على الكثير من التفاصيل والوصف الرائع، وأغلبها يحمل معاني رمزية وفلسفية.
المدرسة الأدبية وأبرز ما عالجته الرواية:
مزج هيرمان ميلـﭭِـل في روايته موبي دِك بين المغامرة والحقيقة والخيال، مستعيناً برموز دينية مستوحاة من التوراة والإنجيل. ويمكن وصف أسلوبها بالسهل الممتنع، كما تعتبر بمثابة رحلة استكشافية في عرض المحيط، يتعرف القارئ خلالها إلى تفاصيل ذلك العالم، كما يمكن اعتبارها وثيقة تنقل لنا حياة تفاصيل سفن الحوّاتين ومهنتهم، حيث استعان ميلـﭭِـل بخبرته وتجاربه البحرية، ولم يترك ظاهرة أو عادة أو مصطلحاً بحرياً إلاّ ذكره.
وكذلك تعتبر الرواية بمثابة رحلة في النفس البشرية، فالسفينة ﭘِـكود تبحر في أعماق المحيط ونحن نبحر معها مستكشفين أعماق بحارتها، وهم خليط عرقي واجتماعي وثقافي متنوّع. وإذ يطلعنا ميلـﭭِـل على تلك المعتقدات والثقافات، فإنه يضع شخصياته في صراع مثلث: صراع مع الطبيعة وصراع مع الذات وصراع مع الإنسان. ثم يدفعها إلى التأمل في الإنسان والوجود والإيمان والخير والشر، ومراجعة بعض المفاهيم والأعراف الاجتماعية.
مكانتها العالمية:
في رواية موبي دِك كتب ميلفيل عن البحر ما لم يستطع أن يكتبه أحد من قبله. واعترف له بهذا الأدباء والنقاد. وعنها يقول الأميركيون: “إنها ملحمتنا الأميركية الوحيدة”. فيما اعتبرها الباحثون بمثابة الأم لكل أدب وفن تناول البحار والحيتان. ومنذ نشوء فن السينما جرى تجسيد موبي دِك عدة مرات، كما استلهمت أحداثها ورموزها في عدد من الأعمال الفنية والأدبيّة.