الغارقون..!

بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

خمسة اشهر مضت والزمن في المقياس اللبناني يعادل صفرآ..! من فقدوا حُضنوا في قاع مياه الوطن الاقليمية، لم يعتقدوا ان ترسيمآ شمل شمالآ مهملآ عقودآ..! لم يصدقوا ان خافرات بالرمادي ملونة تجوبها حرص الا تلوث دموعهم رمال شواطيء غرب المتوسط او يتردد صدى كفرهم بوطن صراخآ بين الصخور..!

في الغرق ثلاث انتحار، جريمة او سقوط قسري؛ والاخير تواطؤ مع موج يضرب غيلةً أناسآ دون عثور على خشبة او طوق نجاة..! قمة اليأس ارتضاء السقوط في لجة الشيطان والبلد جنة الابالسة يعتبرون الحكم غنيمة؛ هؤلاء اتقنوا سحرآ اسودآ مورس على عامة منع اصغاء أنفس الى قناعة التغيير، رفض بدائل حددتها العقول، فإذا التخدير بالمال من صنف علاج ذعر الفرار، ترياق احتيال من صنع محلي تحقن به البَريَّة دون تعقيم..!

غواصة استقدمت، قد تنحو المرامي لاستغلال مأساة، كفنت الجثث بصفاقة السياسة، ارانب الجزر المحمية تراها شاهد.. ان انتشلت ابدان من صقيع ظلمةِ قاعٍ بِكر فالارواح تتلوى في سماء من تعسف وجور..
البحر مد، ريح صيف تضرب موجآ يرتفع يدفع حرصآ نجاح العملية.. الجيش ما فتيء ملاذ و ما برح منقذ كما هو “فشة الخلق” وفي الغضب السبب.. الضرب من تحت الخاصرة بعصا الساسة ايضآ معدنها خبث رخيص دفع ترجيح اتهام بالقصد لا الخطأ.. الغارقون يجهلون احداثيات نقطة المقبرة، يراهنون على تحقيق يكشف تحليل خطأ تقني، تأكيد مطلق باللا قصد الجرمي خلال المهمة من حماة الديار..!

لم يعد من كرامة للبناني في وطنه كما كرامته تسلب خارجه..! الغيبوبة توأم التجاهل، المسؤولين في غيبة وغياب..! بالامس ومن قلب مآسي البلد سجل اقدام زورق تابع للبحرية اليونانية على صدم قارب يقل مهاجرين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين والبحث جارٍ عن مفقودين “تم بث فيديو يُوثّق ما حصل في عرض البحر”..!
‫مواقع إخباريّة نشرت خبر إعادة السلطات القبرصيّة مركباً يقل مهاجرين غير نظاميين انطلق من بلدة الجيّة على سواحل منطقة الشوف جنوبي العاصمة اللبنانية بيروت، يضم طالبي لجوء من الجنسيات اللبنانية والسورية والفلسطينية. المهاجرون تعرضوا لإهانات وضرب وتهديد بالسلاح..! ‬

الهجرة غير الشرعية “صمام تنفيس” Vent Valve انساني لا ميكانيكي، في صفاتها غير نظامية او سرية لكن بلاد الله واسعة، لم يمنح احدآ حق حيازة قطعة من ارض الكوكب امتيازآ.. صنفت خرق قوانين وتجاوز اسلاك حدود وضعية نتاج انانية دول وولايات أمنت عيشآ كريمآ لسكانها والقبائل مع حرمان لئيم لأناس في لجة الجوع والمعاناة غرقى..!

الفاجعة كبيرة، والناجون لا زالوا تحت الصدمة.. ! عدم الاعادة القسرية في شرعة اللجوء مانع ترحيل وحافز اقدام.. ان نشطت مجموعات او عصابات فقوارب تشد حبالها الى البعيد معروضة للجميع والتدافع لركوبها ضِيقَة اهل تقطعت بهم سبل الحياة، منفذ ارتضي خشية الموت البطيء، قوارب كطفافات اعتلام شبه جسور خشبية الى ضفاف الحضارة..

في ملكوت السماوات النورس ينبىء بارتياح، ثياب الناس والبقايا ملونة باعشاب بحرية خضراء لفظها نقاء الزبد تروي الف قصة وقصة عن مشاهد الموت والألم والغربة والوَحَشة في حضن يم متألم تحسرآ..

الجرح دميم والالتئام محال؛ الهجرة حق وان مُزق جواز السفر؛ اخذ الحياة عنوة واجب عرفه الغارقون وان فشلوا.. هي منحة الخالق في رؤاهم والاحلام الحفاظ عليها صلاة.. الجهل صنو الظلام التفوق الحضاري بدعة استعمار، طمس الهوية لا يمحي الجذور.. اسوار الغزاة ليست انحطاطآ اخلاقيآ فقط وليست بافضل حالآ لا بل اسوأ مآلآ واكثر عارآ من مراسي اللجوء..! من كآبة بر وطن يحترق الى لجة بحر غادر نزق كلنا غارقون..!

«الهروب من صحراء اليأس إلى جنات الصقيع، يحبُّ الرحيل الى أيِّ شيء ففي السَفَر الحُرِّ بين الثقافات قد يجد الباحثون عن الجوهر البشريّ مقاعد كافيةً للجميع..»- محمود درويش، قصيدة طباق إدوارد.-..!

طرابلس في 27.08.2022