من الخيال العلمي … المفكر مصطفى محمود في “رجل تحت الصفر”

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف *
يقال: “إن الأفكار لا تهبط من السماء بل تصعد إليها، وتتفتق في المجرات لتعود إلى الأرض من جديد لتترك بصمة في كل الأشياء من حولنا”، فالمصطلحات التي تطلق على الأعمال التي تبالغ في تصوير المستقبل وتنقلنا إلى ما وراء الظواهر المحسوسة هي نفسها التي تعرف بالخيال العلمي الذي لا يمكن للعقل البشري أن يصل إليه إلا عن طريق التخمينات والتأملات. ولعب أدب الخيال العلمي دورا كبيرا في النفاذ إلى أعماق المستقبل واستشراف جزء كبير من معطياته، بل إن بعضه تمكن من النجاح في تحقيق نسبة دقيقة من المقاربة بين الخيال والواقع لدرجة قد تذهل المطلع على بعض الحقائق من دقة هذا الخيال في رسم صورة الواقع بخاصة في الوصول إلى الاكتشافات والاختراعات العلمية. واليوم نتوقف عند واحدة من هذه الروايات للكاتب والمفكر والطبيب المصري الرحل مصطفى محمود. مصطفى محمود هو مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ ولد عام 1921، وكان توأما لأخ توفي في نفس العام، مفكر وطبيب وكاتب وأديب مصري من مواليد المنوفية مصر عام 1921. درس الطب وتخرج عام 1953 لكنه تفرغ للكتابة والبحث عام 1960. وقد ألّف 89 كتابا منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة الى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات والخيال العلمي. ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة. قدم الدكتور مصطفى محمود 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير “العلم والإيمان”. في عام 1979 قرر الدكتور مصطفى محمود ان يقوم بإنشاء مسجد في القاهرة وكان مختلفا عن غيره حيث انه كان ملحقا به ثلاث مراكز: الاول كان يدعم جميع الخدمات الطبية حيث انه كان مركز طبي متكامل، اما الثاني فكان مركزا فلكيا مكونا من اربعة مراصد واخيرا المتحف الجيولوجي الذي يحتوي على الكثير من الصخور الجرانيتية المميزة والفراشات المحنطة و بعض الكائنات البحرية. توفي مصطفى محمود في 31 تشرين الاول/اكتوبر عام 2009 عن عمر ناهز 88 عاما. “رجل تحت الصفر” هي من روائع الخيال العلمي الروائي التي كتبها مصطفى محمود في العام 1966 وحازت على جائزة الدولة التقديرية عام 1970. تقفز أحداث الرواية إلى زمن مستقبلي حيث يأخذنا الكاتب إلى عام 2067 ويرصد التطور العلمي السريع لنعيش تجربة فريدة تسرد الإنجازات التي سطرتها البشرية على مر العصور. وتبدأ الرواية في القاهرة صباح السبت الأول من كانون الثاني/يناير من العام 2067، على متن صاروخ فضائي- وسيلة المواصلات آنذاك- يتجه من القاهرة إلى لندن، حيث يلتقي الدكتور المصري “شاهين” بالمهندس العراقي “عبد الكريم” في مقعدين متقابلين. بعد دقيقة وعشر ثوان يصلان إلى لندن يفترقان ويذهب الدكتور “شاهين” ليلقي محاضرة في الجامعة عبارة عن درس تاريخي يلخّص جميع الأحداث في نحو مائة عام من منتصف القرن العشرين حتى عام ٢٠٦٧. يسرد الدكتور شاهين على طلابه أحداث الحرب العالمية الثالثة التي حدثت عام 1999 بين أمريكا وروسيا. يزداد الظلم في العالم والخراب يعم في الدول الضعيفة بفضل التمييز الديني والعرقي فيغيب صوت العقل وتظهر قوى الظلام تتقاتل باسم الدين وتتسابق الى التسلّح الى أن يلقي أحدهم القنبلة النووية فيموت ملايين البشر ويظهر في الأفق وباء جديد يعصف بنصف سكان الأرض جراء تلك القنبلة. ولأول مرة منذ عقود يتحد العالم لمواجهة المرض الى ان وجد اللقاح بفضل العلماء. تستولي على الدكتور شاهين العالم الفيزيائي المشهور فكرة تحويل جسده إلى موجات لاسلكية يمكن نقلها عبر الأثير وحين تصل تلك الموجات إلى المكان المرغوب تتحول مجدداً إلى جسد مادي من لحم ودم!!! وينجح الدكتور في التحول لأمواج لاسلكية بواسطة جهاز لا يعلم سره إلا هو ولكنه قبل “تلاشيه” يترك رسالة لأهل الأرض يطلب فيها ممن يريد متابعته بشكله الموجي. وفي اللحظة الحاسمة تدير تلفزيونات العالم على تلك الموجة وتستمع للدكتور شاهين وهو يخرج من المجموعة الشمسية ويسبح في أعماق الفضاء واصفاً النجوم والمجرات حتى يصل إلى مسافات لا يمكن بعدها التقاط ذبذبته فيختفي إلى الأبد! يناقش الدكتور مصطفى محمود في روايته أسئلة فلسفية وأفكارا مثيرة للاهتمام حول حرية البشر واستقلال الإنسان بذاته وبالعلم بعيدا عن الإيمان والديانات بشكل محايد جدًّا. خلاصة الرواية في أنّ الكاتب يريد أن يوصلنا إلى حقيقة مفادها “أنّ الإنسان مع تطور شهوته نحو العلم والبحث والاكتشاف”، يبتعد عن الله خالقه. وهو ما كشفته خاتمة الرواية حين قال الكاتب في نهايتها: “يا سيد الكون، يا ساكن الغيب، يا ساكن ظلمة المستقبل، متى تخرج لتقول لهم أن ينظروا لحظة إلى داخل نفوسهم، بدلًا من أن ينظروا في مناظيرهم، إلى متاهات الفضاء”. *

 


 

رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”.