الطوفان يبتلع لبنان بأهله وحكَّامه سواء..!

بقلم : العميد مُنذِر الايوبي*

كالمعتاد الممارس منذ عقود، على نفس النهج ملفآ يطوي ملف، تنتسى الاسباب وتتناسى الوقائع تزوغ العيون عن المحاسبة والقصاص واجبا مؤكدا فيه حياة.. في اختصار حال شعب ووطن قد سقط بالنقاط على تراكمية الجولات عبر مئة عام من عمر الكيان، وبالضربة القاضية في الجولة الاخيرة التي بدأت في 17 تشرين وانتهت في الرابع من آب..!

 

في القضاء نوع من قدر إلا ما ندر وبعض على نهج “القدرية” Fatalism، شُرِعَت المواد القانونية على بهلوانية تقفز بين اجتهادات، تَعبُر فتاوى تتيح الاستدارة عن الهدف ولب القضية، ما يسمح بمجانبة الصواب حينا كما تبني الشواذ اكثر الاحيان، تصبح “الشخصانية” Personalism معكوسة في موقع سلبي هدام، خلافا لما هي تيار فلسفي جوهره أخلاقي اجتماعي، شخص الانسان فيه قيمة مطلقة، يحوز صفاتآ تمكّنه من المشاركة العقلية والوجدانية في العلاقات الإنسانية، ما يحقق وجوده كفرد يتمتع باحترام وعدم استغلال، عيش ضمن دستور من السعادة والامل..!

في الطائفية والمذهبية، مادية جدلية dialectical materialism من نوع مغاير لمثالية تبنى على اولوية الفكر والروح تستبدل تجذرآ في الانتماء الطائفي، انعكاس لوعي مذهبي مُحَفَز دائمآ يتناقض مع الوطني.. وعلى مبدأ “الوعي انعكاس للمادة” يمكن اعتبار الاقطاع الحاكم انعكاس ولاء او استزلام العامة لا العكس..! في الوجود المادي لقيادات ميليشياوية أثرَت وحكمت إثر حرب مؤامرة، فتوطيد لفكر تقسيمي ادراكي لتدجين العقول، صنف اختزالية شرذمة مجتمع وخوف من الآخر..!
في السياسة متاهة ممارسة ودستور؛ توريث مبدئي ضمن مقولة “عدم اقفال بيت زعيم”؛ حكم اقلية “اوليغارشية” تحوز المال، او النسب، كما الهيمنة على العسكر؛ تتبنى وتحضن كارتيلات مؤطرة بالحصرية، ومصارف اتقنت الهندسة المعرفية حيث التلاعب في القواعد او الخوارزميات؛ أئتمنت لتؤمن استمرارية الوجود والنفوذ والمصالح..!
ووفق “ارسطو” فإن الاوليغارشية تنتهي بحكم الطغيان سواء ممارسة او ولاءً لاجنبي او عمالةً، انعكاس اسئثار بالسلطة مرادف حكم الاثرياء او “البلوتوديمقراطية”.. تاليآ، دأبت شرائح سياسية متعددة على اتقان مَسخ للديمقراطية النقية شوهت بجائحة قادرة على التحور من فئة “توافقية، مذهبية، ميثاقية، إثنية”.. وان كان من تسامح بين الافرقاء فعلى “تضاد” Antinomy من نوع الظن كالشك واليقين اتخاذ القرار وعكسه، تبني المباديء ونقضها دون كياسة واقتناع..

في نفس السياق؛ كَمٌ من فشل ذريع في تحقيق الشرعية السياسية والوطنية.. “طمر على زغل” للنزاعات الدينية والنزعات الانفصالية ذات الاشعال الخارجي مع نهج هجين الكل في موقع الحكم والمعارضة في آن..!
استطرادآ؛ ثبت ان لا قيامة للدولة المدنية، اجهاض متكرر لحمل سوي؛ واذ يبقى فصل الدين عن الدولة مطلبآ، تبقى الازمة قائمة يشاغلها عامل الوقت ويستغلها العابرين شعارا مع علمهم المسبق بتعسر الولادة؛ ورغم وجود فاعل حاكم ومتحكم لطبقة الاكليروس ورجال الدين من الطائفتين الكريمتين، فلا رغبة او قناعة لالتزام ما ورد في الاناجيل السبعة على لسان المسيح عليه السلام في رده على “الفريسيين” معتنقي الرياء والنفاق “اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”..!
في تسارع الانهيار انبهار لحد عدم التصديق. ايام لا بل ساعات قلبت المعادلات فاهتز البنيان، اقفلت المصارف وانهارت العملة، ساد الاحتكار والتهريب، فقد الغذاء والدواء وانعدمت الكهرباء، تسيب واستباحة لامن وقانون ..الخ.. قرار المؤامرة وُقِع ردا سريعا بوجه الشعب : “أتنادون بالثورة والعزل والتغيير هذا جزاؤكم قد تجرأتم فاستحقيتم”.. بعد عامين ونيف، خمدت ساحات الثورة هزم “جيش الحرية والتغيير” نزعت راياته وفككت خيمه، انطفأت جذوة المحاسبة و تحميل المسؤوليات، بدأ البحث عن حلول والترويج لتقاسم الخسائر، تضليل تتقنه لجان تَسَامُر في جلسات واجتماعات سعي مفاوضات تبرئة ذمم مصارف..
في حين لا تزال خطة الانعاش او التعافي المالي تراوح مكانها، اشتباك جدلي حول التدقيق الجنائي والدفتري مع هوامش الديون، مسار عسير الخطوة الاولى فيه على مفترق انقاذ او سقوط..!

من جهة اخرى، عادت الطبقة السياسية بكامل مكوناتها الحزبية والسياسية والمذهبية الى تجديد نفسها بصفاقة لا بل بوقاحة ودلع، تناسخ الاحياء والاموات حفظ الوجود والدور.. سقط مسلك التغيير على وقع اتهامات وقمع، فَرضُ تنازلات وانكفاء بعداخضاع وتجويع.. كما برز خوف الاقليات مجددا حلقة من سلسلة كينونية تنازلية تاريخية، متوازية مع هجرة مدمرة نتاج يأس قاتل بعد انهيار ضمانات الدولة وهيكلها تأسيسآ على وحدانية فساد Monostic وانعكاس لخاصية الافساد..!

ختامآ، كَيلٌ دون مقياس لدموع الامهات والاباء،،! في الانتقام من الظالم شيء من حزن واسى يؤنس المظلوم ان عسعس الليل.. اصوات الحكام تسمعها الناس ظاهريا دون صراخهم، كل منهما على احدى ضفتي النهر ينتظر غرق الآخر؛ علمآ ان الطوفان عظيم لن يطال ضفة دون اخرى، كما لا فُلْكَ لدينا ولا “نوح” عليه السلام بيننا..!

بيروت في 15.12.2021