الشعراء الصعاليك .. متمردون يفخرون بهامشيتهم

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*

يمثِّل الشعراء الصعاليك ظاهرة في تاريخ الشعر العربي، لا علم لنا بما يشبهها في آداب وثقافات شعوب العالم. فهم مجموعة من الشعراء الذين عاشوا ما بين أواخر العصر الجاهلي وبدايات العصر العباسي، وتميّزوا باتباع نمط حياة مختلف وخاص بهم، حتى ليمكن وصفه حرفياً بـ”الهامشي”. وأكثر من ذلك، كان شِعرِهُم، وبعضه من عيون الشِّعر العربي، مختلفاً كل الاختلاف عما كان عليه الشعر “الموقّر”، إذا جاز التعبير.
“الصعلوك” هو الفقير حسبما جاء في “لسان العرب”، ويقال تصعلك فلان، أي إنه افتقر. وثَمَّة بيت شعر لحاتم الطائي يقول:
عنينا زمناً بالتصعلك والغنى فكلاً سقاناه بكأسيهما الدهر
ولكن مفردة الصعلوك التي لا تزال حية على الألسن حتى يومنا هذا، اكتسبت منذ إطلاقها على هؤلاء الشعراء معنى يتجاوز الإشارة إلى الفقر، ليدل على من يتبع سلوكاً هامشياً يخرج عن السلوك الاجتماعي السائد.
نمط عيشهم
السمة المشتركة ما بين الشعراء الصعاليك هي في تمردهم على قبائلهم وقيمها الاجتماعية، فلفظتهم هذه القبائل، وانتقلوا إلى العيش على هامشها، وفق منظومة قيم خاصة بهم. فكانوا على سبيل المثال، يفضلون علناً كسب لقمة العيش بالإغارة على بعض النواحي، والنهب والسلب، بدلاً من التسوُّل كما كان يفعل غيرهم من الفقراء، وحتى بدلاً من التكسُّب من مدح علية القوم كما كان يفعل غيرهم من الشعراء الرسميين.
وبتفصيل أدق، يقسّم مؤرخو الشعر العربي الصعاليك إلى ثلاث فئات من حيث الدوافع أو الأسباب التي أدت بهم إلى الصعلكة. فهناك أولاً فئة “الشعراء المجّان” الذين كانوا ينظمون شعراً لا تقبل به القيم القبلية المحافظة، و”أبناء الحبشيات” الذين لم يعترف آباؤهم بأبوتهم لهم، وفئة احترفت الصعلكة، وارتقت بها إلى مستويات الفروسية من حيث التمسك بقيم الشجاعة والكرم والإحساس بالكرامة الشخصية.
ففي حين أن بعض شعراء الصعاليك كانوا مجرد لصوص، يسرقون وينهبون لصالحهم الخاص، مثل أبو النشناش الذي عاش في العصر الأموي، فإن كثيرين منهم كانوا على فقرهم مشهورين بكرمهم، يغيرون وينهبون لإطعام الفقراء من أمثال عروة بن الورد.
شِعرُهم
اختلف شعر الصعاليك كل الاختلاف عما كان مألوفاً في زمنهم. فقد خلت قصائدهم تماماً من الاستهلال بالوقوف على الأطلال وفق التقليد الذي التزم به شعراء الجاهلية. كما خلت من وصف الحروب والمعارك، وإلى حدٍّ ما من الغزل، نظراً لحياة التشرد التي كانوا يعيشونها. وفي المقابل، تركز مضمون شعرهم في التعبير عن قيمهم مثل الشجاعة والشهامة وعزة النفس والكرم.
ومن قائمة الشعراء الصعاليك الطويلة، نذكر على سبيل الأمثلة الدالة على نمط حياتهم وقيمهم وشعرهم:
عروة بن الورد، أشهر الشعراء الذين احترفوا الصعلكة احترافاً. اشتهر بكرمه، ولُقِّب بالفارس الصعلوك لأنه كان من الفرسان الأشداء. اشتهر بعزة نفسه وإبائها، وفي عدائه للصعاليك الأذلاء. توفي عام 596م.
الشنفرى، وهو ثابت بن أوس بن الحجر، وينتهي نسبه إلى الأزد، لُقب بالشنفرى لغلظ شفتيه. استعبده بنو سلامان عندما كان صغيراً، فكرههم وتوعدهم بقتل كثيرين منهم. وهذا ما فعله خلال تصعلكه. وله لامية تُعدُّ من أشهر قصائد الشعر الجاهلي. ويروى أن الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يوصي الناس أن يعلِّموا أبناءهم هذه اللامية لما فيها من بلاغة، ولأنها تنضح بالقيم النبيلة. توفي عام 525م.
تأبط شراً، هو ثابت بن سفيان بن عدي بن كعب، والتأبط شراً هو لقبه، ويعود حسب بعض الروايات إلى أنه شوهد ذات مرَّة يخرج من دارته حاملاً سيفه، ولما سأل الناس أمه عنه، قالت: “تأبط شراً وخرج”. توفي قرابة عام 530م.
مالك بن ريب التميمي، من أبرز صعاليك العصر الأموي الذي اشتهر بشجاعته في قطع طريق القوافل ونهبها. ويروى أن سعيد بن عثمان بن عفان أعاده إلى سلوك الطريق القويم، واصطحبه معه إلى خراسان، وفي طريق العودة، لدغته أفعى في محلة تسمى مرو، ولما أحس بدنو أجله، رثى نفسه في قصيدة باتت من أشهر مرثيات العرب.

——————

*رئيسة القسم الثقافي في موقع الدنيا نيوز.