“الديكتاتور” لعصام محفوظ: جنرال متسلط يخلع بجزمته ابواب الحرية ..مسرحية تجسِّد واقع كل زعيم سياسي

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

عندما كتب نص المسرحية في ستينيات القرن الماضي، وتحديداً عام 1968، وضع لها عنوان: “الجنرال”، الا ان الرقابة طلبت منه ان لا يدين رتبة الجنرال فاستبدل إسم الجنرال بالديكتاتور. وقال صاحب المسرحية حينها: “نزعت عن الجنرال الصفة العسكرية لأن هناك أكثر من ديكتاتور مدني حاكم في العالم، على الأخص في العالم الثالث”.

نتحدث اليوم عن مسرحية الدكتاتور لعصام محفوظ.
عصام محفوظ شاعر وكاتب مسرحي وناقد لبناني، يعدُّ رائد المسرح اللبناني الحديث على مستوى التأليف في النصف الثاني من القرن العشرين.

ولد في بلدة مرجعيون في جنوب لبنان عام 1939 وتوفي عام 2006. أصدر45 كتاباً في المسرح وفي مختلف حقول الأدب والثقافة والتراث الفكري الثقافي.

من مؤلفاته المسرحية: الزنزلخت، القتل، الديكتاتور، ١١ قضية ضد الحرية.

كتب محفوظ جميع مسرحياته باللغة المحكية اللبنانية، داعياً إلى لغة مسرحية تشبه لغة الحياة اليومية بدل أن تشبه لغة الكتب.

ورأى في ذلك جزءاً من عملية فصل المسرحي عن الأدبي، وشرطاً من شروط تعزيز اللغة المشهدية المبنية على الموقف والعلاقة والحركة.
تتألف المسرحية من شخصيتين فقط : الجنرال ومساعده سعدون، ومن ديكور متواضع جدا.
الجنرال قابعٌ في غرفة معزولة، يعطي الأوامر عبر هاتف لا سلك فيه. هدفه الهيمنة على العاصمة والتخلص من الملك بجميع الطرق الممكنة. هو إنسان متسلط هيمنت عليه روح السلطة، وفي نفس الوقت هو انسان خائف إذ أنه معزول عن العالم الخارجي ولا يعطي الأوامر مباشرةً، بل يطلب من سعدون قولها.
المسرحية تبدأ بدخول سعدون حاملاً “الجزمة” الجديدة التي يجب أن يخلع بها الجنرال أبواب الحرية. على الرغم من الجوع الذي أطاح بسعدون، لكن الجنرال أصر على شراء الجزمة. مع العلم أن الأموال هي من والدته وليست من تحصيله الخاص. الثورة بنظره هي مظاهرٌ إذاً! لا يدخل الحرية سوى بحلةٍ جديدة. في حين أن الشعب يكاد يموت من الجوع.
الجنرال في الحقيقة هو مثال حقيقي لكل زعيم سياسي عربي وعالمي. ففي وقت انهيار الشعب بسبب الجوع والقهر والحصار، ينعم الجنرال في مقره ويعيش في صفاء. وحين يأتي وقت الحصاد، يزعم الجنرال أنه هو من كان زعيم الثورة وسبب نجاحها ويتناسى تضحية شعبه.
وهذا الجنرال بالتحديد هو جنرال عنيد جدا إذ أنه ظل مصراً على إعتقال الملك مهما حدث. فقد إحتل العاصمة، حل الأحزاب، أوقف الصحف، إعتقل النواب، ختم مجلس الوزراء بالشمع الأحمر، قتل الجواسيس وحبس الشعب! كل ذلك لم يكن كافيا، بل ظل مصراً على إعتقال الملك ومثول هذا الأخير أمامه. وأبرز ما جاء على لسان الجنرال في المسرحية:
صادروا مجلس النواب. اعتقلوا النواب، كل النواب. الصوت الواحد أخطر من الكل.. اختموا مجلس النواب بالشمع الأحمر. وقّفوا الصحف. اعتقلوا الصحافيين. كسروا ادوات الأدب والفن. استصدروا عريضة من الشعب بتأييد الثورة. اعتقلوا الشعب. عاشت الثورة.”
وفي نهاية المسرحية، يصل تفكيره حد الهلوسة ويعتقد أن مساعده سعدون، أو خادمه بالأحرى هو الملك، وقد كان موجوداً معه في الغرفة كل الوقت وبالتالي يستحق القتل. ولكن هذه اللحظة حين أتت، كان متردداً جداً، وكان قد فكر ملياً قبل طعنه وقتله. ولكن عندما يموت سعدون يكتشف الديكتاتور وحدته في غرفة مغلقة ومع هاتف مقطوع الخط. يقف أمام المرآة التي اعتاد الوقوف أمامها، لكنه عوض أن يمدح صورته كما فعل مراراً، يضرب المرآة بقبضته فتتطاير شظايا ومعها تتطاير شظايا وجهه.
سلّط محفوظ الضوء على”الديكتاتور” مثلما يسلّط السيف على الضحية، فكشفه وكشف أسراره والنواحي المظلمة من شخصيته. فالديكتاتور الذي شاءه برتبة “جنرال” بدا الجزار والضحية في آن، وقد جعله محفوظ أسير هاتين النزعتين، مختلقاً له ظلاً أو تابعاً أو خادماً تمثل في شخصية سعدون. إنها اللعبة التي حاكها الكاتب بإحكام. فالديكتاتور ليس وحيداً، ولو لم يجد من يتصل به أو يقرع بابه في اللحظات الأخيرة، لحظات جنونه وسقوطه في الهذيان. إنهما شخصان في شخص أو رجلان يتبادلان اللعبة أو القناع. الديكتاتور يجد نفسه في وجه خادمه والخادم يستحيل في الختام ديكتاتوراً وإن سقط قتيلاً تحت طعنات سيده السابق. إنها لعبة السيد والعبد أيضاً، السيد الذي يطمح لأن يصبح عبداً والعبد الذي يصبح سيّداً مصادفة أو قدراً. لكن الديكتاتور هنا هو ديكتاتور حقيقي ولم يكن تراجعه الذي نمّ عن زيفه كديكتاتور، إلا ترسيخاً لملامحه القاسية.