التقارب السعودي – الايراني بين الاستراتيجية والتكتيك..!

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

كان مهمآ بقدرٍ قرار المملكة العربية السعودية قطع علاقاتها الديبلوماسية مع ايران بداية عام 2016، ورغم ان ذلك يعتبر مؤشراً لمدى تفاقم الخلافات بينهما، الا ان التسويات السياسية بين الدول تبقى قائمة في أي لحظة تقاطع، ولا سيما اذا بقيت ضمن المساحة السياسية، ولطالما أعادت “التسويات” الامور الى مجاريها وان تدريجيآ. لكن الاهم الاصعب في المعالجة هو تدحرج كرة المصالح المتضادة بين البلدين الى هوة سحيقة، فتحت ساحات الصراع العسكري الغير مباشر المتعددة عبر وكلائهما. كما ضاعف من حجم الشروخ سياسة الاحلاف التي اعتمداها مما جعل الاقليم على انقسام عامودي اسير محورين متعاكسين استراتيجيا “محور التحالف الغربي؛ ومحور الممانعة او المقاومة”.

وتوازي ذلك مع حرب اعلامية مفتوحة بالمباشر طالت نظام الحكم في كلا البلدين وايديولوجيا الدولة العميقة، وصولآ الى الاختلاف المذهبي المبدأي والاساسي على خلفيته التاريخية الغير محمودة..!
من جهة اخرى؛ من الثابت المفترض ان العلاقات بين الدول ترتكز على الواقعية وهي التي تحكم انطلاقآ من التموضع الجيو-سياسي اضافة الى البنيوية الاستراتيجية واهدافها المرسومة؛ وفي ذلك تركيز جوهري على سيادة الدولة وامنها ومصالحها العليا والبعيدة. تاليآ وعلى اعتبار ان الصراع بين دولتين او قطبين استثناء وان الطبيعي هو علاقات التعاون والتفاهم او نظرية “صفر مشاكل” بالحد الادنى؛ فان عودة التواصل بين طهران والرياض عبر (بغداد)، هي الخطوة الاولى لاعادة بناء علاقات الثقة بينهما.. وقد جاءت ترجمتها في التاسع من الشهر الماضي بلقاء عقد في العاصمة العراقية بين الطرفين متمثلين برئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان ونائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد إرافاني، وذلك برعاية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
في التفاصيل المتوفرة بعد مرحلة التكتم على اللقاء، انه اتى نتاجآ لسلسلة رسائل متبادلة بين طهران والرياض تولى الجانب العراقي نقلها مع إسباغ الودية عليها، أما النقاشات فتناولت اولآ مسار التهدئة وخفض التوتر المزدوج الذي سيعتمد بينهما؛ تاليآ سلوك خارطة الطريق المتضمنة عناوين لجملة قضايا خلافية متشعبة تتعلق بالواقع الجيو سياسي على صعيد الاقليم:
١- الحرب في اليمن والسير في هدنة من ثوابتها وقف الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على المملكة، تؤدي الى انهاء حرب الست سنوات وذلك في اطار تسوية سياسية تضمن للحوثيين مكانآ في السلطة.
٢- وقف انشطة الميليشيات الموالية لايران او ضبطها في الاقليم والعراق تحديدآ.
٣- خفض الوجود الايراني العسكري في سوريا والحد من التسلل والتوسع الديموغرافي.
٤- عدم السير في خطوة تطبيع العلاقات بين السعودية واسرائيل توازيآ مع دولتي البحرين والامارات العربية المتحدة والسودان الخ؛؛؛
٥- الحد من الضغوطات المباشرة وغير المباشرة على ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن لابقاء العقوبات الاميركية الاقتصادية والمالية على ايران.
٦- عدم “التشويش” على مفاوضات فيينا لمجموعة « 4+1 » المتعلقة بعودة واشنطن الى الاتفاق النووي الايراني سواء بالتنسيق مع اسرائيل او غيرها،
٧- الوضع الداخلي السياسي اللبناني وسيطرة حزب الله على مركزية القرار لا سيما العسكري، بالتوازي مع ازدياد نفوذه وتعدد مؤسساته الرديفة الخادمة لبيئته.
٨- التنسيق الامني الكامل والمتبادل في مواجهة فلول الميليشيات الاسلامية المتطرفة “داعش والنصرة” وغيرها من مشتقات معلبة للتخريب ومغلفة دينيآ.
كما كان المرتجى من اللقاء الامني الشروع في الخطوة التالية وهي التمهيد لحوار سياسي على مستوى السفراء او مساعدي وزيري خارجية البلدين، الامر الذي تحقق على ما يبدو، والذي يعكس جدية وايجابية يُبنى عليها.. وهذا ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز يوم امس من “ان الاجتماع المقبل المرتقب سيعقد اواخر الشهر الحالي على مستوى السفراء” وان معلوماتها مستقاة من مصادر عراقية مطلعة..!
في سياق متصل؛ من الواضح ان اللقاء الامني اولآ وتفعيل نتائجه ثانيآ يمثل خطوة البداية في مسار التقارب السعودي – الايراني فهو ليس مشهدآ مؤقتآ او في خانة التكتيك السياسي المرحلي بل قرارآ حديآ ذو منظور مستقبلي قائم على خلفية جيو سياسية يؤكد ثابتتين: الدور المحوري لكلا البلدين في الاقليم، وترسيخ حالة الهدوء والاستقرار في منطقة الخليج، عبر رفع مستوى التنسيق الامني وضمان العبور السلس لناقلات الطاقة في الممرات البحرية والمضائق.
كما ان مواضيع البحث بحجمها الكلي وثقلها النوعي تؤكد ايضآ على قناعة قرار استراتيجي متخذ من القيادة السياسية لكليهما بالخروج من نفق الصراع الى رحاب تسوية باتت اكثر من ملحة، لما لها من ارتدادات ايجابية عليهما وبالتالي على دول الاقليم. وهذا ما تم ترجمته من خلال زيارة توصف بالنوعية الثلاثاء الماضي لنائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان الى العراق على رأس وفد امني – سياسي رفيع المستوى ولقاءاته “البغدادية” الثلاثية الابعاد “رئاسة وحكومة و برلمانآ”. بالتوازي مع توقيع 5 اتفاقيات اقتصادية وأمنية بينها على ما ذكر تفعيل النقل البري التجاري بين البلدين.
استطرادآ؛ لم يعد الانتظار طويلآ لتحصيل الايجابيات من اعادة بناء العلاقات السعودية – الايرانية في ظل متغيرات التبريد الشرق اوسطية من اهمها: -محادثات فيينا التي قاربت الانتهاء ايجابآ.

– انهاء حالة العداء بين السعودية وسوريا عبر عودة العلاقات الديبلوماسية وفتح سفارة المملكة في دمشق، لحظة الانتخابات الرئاسية السورية المضمونة النتائج لصالح الرئيس بشار الاسد، وبعد عدة اجتماعات سبق وعقدت بين نائبه لشؤون الامن القومي اللواء علي المملوك ورئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان؛ وفي توقيت مناسب على المستوى الدولي الاميركي تحديدآ والاقليمي العربي لعملية التقاط سعودي لسوريا وانتشالها المرحلي من المدار الايراني الى المنظومة العربية.

تزامنآ؛ فإن قاعات الحوار ستبقى ابوابها مشرعة لاستضافة الاخوة الاعداء في حرصهما على عدم افشال المحادثات وترجمة لرغبة ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن بالتخفيف من حدة التوتر في المنطقة، وتثبيتآ ايضآ لدور عراقي شرق اوسطي وسطي ووسيط، مترجم بعلاقات حسن الجوار لطالما طمحت اليه بغداد باعتباره الاسلم لها وفق تركيبتها السياسية والطائفية والعرقية..
ولا بد من الاشارة هنا الى التالي:

– ان اسرائيل القلقة من نتائج محادثات فيينا، ستتضاعف هواجسها من الحوار السعودي – الايراني باعتبارها المستفيد الاول من حالة العداء بينهما؛ كما ان تل ابيب تدرك جيدآ ان الوقائع الدولية والاقليمية ستفرض عليها التأقلم مع هذه المستجدات.

– ان روسيا تعتبر التقارب السعودي -الايراني أمر مهم لتهدئة رياح الاقليم الساخنة وان نتيجته الايجابية ستكون ضمانة لصالح منظومة الامن الجماعي المنسق في المنطقة.
ماذا عن العامل الفلسطيني الثابت في المعادلة وانفجاره الفجائي.؟ ادت ممارسات الاحتلال الهمجية الاخيرة بحق الفلسطينيين وارتفاع وتيرة التهجير وبناء المستوطنات الى تصاعد حدة المواجهات وتحولها حربآ مستجدة قد تكون محدودة يشنها العدو الاسرائيلي على قطاع غزة.

ماهية انعكاسات “الحرب” على مرحلة التقارب السعودي – الايراني.؟

مما لا شك فيه ان العدوان الاسرائيلي اثبت صلابة المقاومة الفلسطينية والاسلامية تحديدآ في المواجهة على بنية تحتية لترسانة عسكرية ذات قدرة صاروخية هامة ايرانية المصدر لا تمانعها المملكة. كما وحد الشعب الفلسطيني وقياداته المشرذمة اصلآ على خلفية ارتباطاتها الخارجية ”قسم منها مع العدو” وفصائله المسلحة معيدآ الصراع الى مربعه الاول بعد سبعة عقود من الزمن..
ختامآ؛ سيكون من اهم ارتدادات التفاهم الاستراتيجي الثنائي الايراني- السعودي والسعودي – السوري ايجابيات ملموسة على صعيد معالجة الوضع السياسي والاقتصادي المتفاقم في لبنان، وان كان البلد الصغير ولطالما كان كذلك معتبرآ ورقة وليس لاعبآ على طاولة الاقليم. كما ان التفاهم سيخفف العبء على ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن وسيسمح لها بالانصراف اولآ نحو معالجة الاوضاع الداخلية ونتائج وباء COVID-19 وانعكاساته على الاقتصاد الاميركي، وثانيآ التفرغ لمواجهة التنين الصيني اقتصاديآ وماليآ والحد من طموحاته العسكرية وسعيه لتبوأ مقعد القطب الثالث في حكم الكوكب بعد روسيا..!

 

بيروت في 16.05.2021
*متخصص في الشؤون الامنية والاستراتيجية.