“الام شجاعة وأبناؤها” لبرتولت بريخت واحدة من 10 مسرحيات هزت العالم

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

 

عالم المسرح:الأم شجاعة وأبناؤها لبرتولت بريخت
أدرجت مجلة ” تياتر” الروسية مسرحية “الأم شجاعة وأبناؤها” التي كان عرضها الأول على أحد مسارح برلين ضمن عشر مسرحيات “هزت العالم” في القرن العشرين. وكتب برتولت بريخت هذه المسرحية في السويد بعد هروبه من المانيا النازية مع غيره من رجال الثقافة الالمان، حين بدأ هتلر بحرق الكتب في الميادين العامة وبملاحقة جميع من يعارض نظامه الفاشي. فمن هو صاحب المسرحية.
برتولت بريخت شاعر وكاتب ومخرج مسرحي ألماني ولد عام 1898 وتوفي في برلين عام 1956. يعد من أهم كتاب المسرح في القرن العشرين كما أنه من الشعراء البارزين. ويقوم مذهبه في المسرح على هدم الجدار الرابع ويقصد به جعل المشاهد مشاركا في العمل المسرحي واعتباره العنصر الأهم في كتابة المسرحية. والجدار الرابع معناه أن خشبة المسرح التي يقف عليها الممثلون ويقومون بأدوارهم هي تشبه غرفة من ثلاثة جدران والجدار الرابع هو جدار وهمي وهو الذي يقابل الجمهور. ويقوم أيضا على التغريب ويقصد به تغريب الأحداث اليومية العادية أي جعلها غريبة ومثيرة للدهشة وباعثة على التأمل والتفكير. ويمزج بريخت أيضا بين الوعظ والتسلية، أو بين التحريض السياسي وبين السخرية الكوميدية.
تدور أحداث مسرحية “الام شجاعة وأبناؤها” في أيام الحروب الدينية في اوروبا تحديدا في ربيع عام 1624 حين كان جيش ملك السويد يستعد لغزو بولندا، بينما يقوم العرفاء في جيشه بتجنيد الشباب للحملة القادمة. وبرأي العسكر أنه بدون الحرب والعنف لا توجد أية أخلاق فلا بدّ من سيطرة النظام العسكري. وتدور هذه الأحداث في اثني عشر مشهدا.
وفي المسرحية، يقوم شابان بجر عربة الأم البائعة المتجولة آنا فيرلينغ التي اطلق عليها اسم “كوراج” أي الشجاعة، لأنها لم تكن تخاف قصف المدافع وأزيز الرصاص. وكانت ترافق بعربتها التي يجرها ولداها الكتيبة الفنلندية الثانية للجيش السويدي وتقدم للجنود بضاعتها. وسرعان ما يجذب قائد الكتيبة ابنها الأكبر ايليف الى الخدمة في الجيش فيلقى حتفه في المعارك. وهكذا تفقد الأم أحد اولادها. وبعد مضي ثلاثة اعوام من الحرب تقع الام في أسر جيش العدو لكنها تفلح في استبدال العلم البروتستانتي على عربتها بالعلم الكاثوليكي وتنجو بجلدها من الخطر. وعندما طلب جنود العدو من ابنها الاصغر ان يدلهم على مكان حفظ خزانة الكتيبة، رفض فأطلقوا عليه الرصاص وأردوه قتيلا. وأنكرت الأم لدى عرض جثته عليها معرفتها به بغية الحفاظ على العربة وبضاعتها. وهكذا تواصلت الحرب عدة أعوام وجابت الأم شجاعة خلالها أراضي بولندا وموارفيا وبافاريا. وفي نهاية المطاف اغتصب الجنود ابنتها وشوهوا وجهها. لكن الأم صبرت لا سيما أنها بلغت عندئذ ذروة النجاح في تجارتها.
في العام 1632 يلقى الملك السويدي غوستاف ادولف حتفه وتعلن الهدنة ويحل السلام مؤقتا. ويتهدد الإفلاس تجارة الأم شجاعة فهي ليست بحاجة الى السلم وتعتبر الحرب مصدر رزقها الاساسي. واستمرت الحرب الدينية بين البروتستانت والكاثوليك 16 عاما، هلك خلالها نصف سكان المانيا وساد الدمار والجوع في كل مكان. والجملة الشهيرة التي تطلقها الأم شجاعة: “مـا فائدة قرع الطبول إذا لم تكن هناك آذان تصغي؟ ”
وفي نهاية المسرحية يقتل الجنود الابنة كاترين التي قرعت الطبول لتحذير أبناء المدينة من وقوع مذبحة. وهكذا ابتلعت الحرب جميع ابناء الأم شجاعة التي تواصل مع هذا سحب عربتها لوحدها في دروب الحرب. وفي آخر المسرحية تجمع الأم شجاعة شجاعتها وهي تجر عربتها الفارغة من البضاعة وتقول:”عليّ أن أذهب للتجارة”.
في مسرحية “الام شجاعة وأبناؤها” لا يأخذ الجمهور الفرصة الكافية للشعور بالتعاطف لأي من الشخصيات. فالأم شجاعة لا تُصور كشخصية نبيلة، خلافًا للتراجيديا الكلاسيكية اليونانية التي تصور أبطالها كشخصيات فوق العادة وهو ما يميز المسرح الملحمي البريختي. وباستخدام تأثير التغريب من قبل بريخت، فإنه بنهاية المسرحية لا يشعر الجمهور بالرغبة لتقليد شخصية البطلة/الأم. ويبدو أن بريخت أطلق عليها اسم “شجاعة” سخرية من استقبالها لكل شيء بترحاب شديد، وبصدر مفتوح رحب، طالما لن يضر بمصلحتها الشخصية حتى ولو كان هذا الشيء هو موت أبنائها جميعا. الأم شجاعة تكسب من وراء الحرب وفي مقابل هذا تشوهت كل مشاعرها: مشاعر الامومة، مشاعر الرثاء، مشاعر الحب ويصبح هذا نتيجة طبيعية للتشوه الذي تتركه الحرب في الأعماق الانسانية. وهذه هي الرسالة الأساسية التي أراد بريخت توجيهها من خلال هذه المسرحية.