مصطفى وهبي التل عرار (2) جمهوريته الفاضلة الغجر: كل ارض الدنيا لهم!

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

 


في الجزء الثاني:
تقلب عرار بين وظيفة ووظيفة ووصل الى أرفع المناصب لكنه تركها كلها. عاش هاجس الحرية معتبرا أن الوظيفة مجرد سجن يبعده عن حياته الخاصة التي يمارس فيها كل تناقضاته. كان صاحب شخصية مميزة يمكن وصفها بالشخصية القلقة التي تحمل في طياتها العديد من التناقضات. ونتيجة لحس التمرّد والثورة الذي حمله معه، أصبحت له غرفة سجن باسمه في سجن المحطة في عمان حملت الرقم واحدا وعشرين. واشتهر بأنه يسجن من اجل الآخرين وبسبب نصرة المظلوم أو نقد الحاكم فكانت ثورته التي تأججت قولا:
“وان آذان نواب البلاد سوى عن الذي يقتضيه العلج صمّاء
لو ان برنيطة كانت عمامتكم لوظفوها ولم يخطئك اثراء”
أعود الى عرار : لم زهدت بكل تلك الوظائف والمناصب التي أتيحت لك واخترت التمرّد؟ فيجيبني بسخريته اللاذعة:” صدقيني كل مصائب قومنا تكمن في حبهم للزعامات. واقول لك شعرا:
كم صحت فيكم وكم ناديت من ألمي
فلم تصيحوا لصيحاتي وأناتي
والله ما غالكم واجتث دوحتكم
بين الشعوب سوى حب الزعامات”
تغنى مصطفى وهبي التل بكل أجزاء الأردن حتى أصبح من خلال قصائده وأشعاره قاموسا وطنيا ومرجعا لكل باحث عن جغرافية المكان.
قرأ عرار مستقبل النكبة والنكسة فصاغه شعرا:
“يا رب إنّ بلفور أنفذ وعـــده كم مسلم يبقى وكم نصراني
وكيان مسجد قريتي مــن ذا الذي يبقي عليه إذا أُزيـل كيـانِ
وكنيسة العذراء أين مكانهـا سيكون إن بُعث اليهــود مكـــان”
وحين كان يشاهد جيوش العرب تدخل الى فلسطين عام 1948 كان يصيح ويقول: “ان معاهدة سايكس بيكو نافذة المفعول الى أجل غير مسمى وان حرب فلسطين لحرب صورية”.
كما عشق عرار أرض فلسطين وعرّج في كثير من شعره عليها:
“يافا عروس فلسطين التي غبرت
ما في يدي خلا شجوي واشجاني
يا اهل يافا هل طوقتم عنقي
شتى العقود فمن برّ لاحسان
يا اهل يافا لقد بالأمس أرّقني
برق تألق في أجواء حسباني
وحين رفّ لقد والله ذكّرني
بأنني ذات يوم كنت عمّاني”
عاش مصطفى وهبي التل في مملكة خاصة مرجعيته فيها جمهورية تابعة له اسماها الجمهورية الفاضلة.حدثني أكثر عن جمهوريتك أيها الشاعر.
“بكل بساطة،أريد حاكما يفتقر لا يغنى وعنده الناس مساواة محققة. ولا اريد حاكما يشبه مدّعي عام اللواء الذي رفض استقبال “الهبر”.
ومن هو الهبر هذا؟
“الهبر زعيم الغجر وقائد جمهوريتي الذي رفض مدعي عام اللواء استقباله فخاطبته مباشرة:
يا مدعي عام اللواء وخير من فهم القضيه
الهبر جاءك للسلام فكيف تمنعه التحيه؟
ألأن كسوته ممزقة وهيئته زرية؟؟
قد صده جنديك الفظ الغليظ بلا روية
وأبى عليه ان يراك فجاء ممتعضا إليّ
يشكو الذي لاقاه من شطط بدار العادلية
ويقول إن زيارة الحكام , لا كانت بليه
فأسرع وكفّر يا هداك الله عن تلك الخطيّة
وأدخله حالا للمقام وفز بطلعته البهية
فالهبر مثلي ثم مثلك أردني التابعية”
اذا هكذا كانت جمهورية عرار الفاضلة: غجر بيوتهم من الخيش الممزق ان لم ينقلها أصحابها تنقلها الريح حيث شاءت. كل أرض الدنيا هي لهم وكل نبع ماء هو شرابهم وكل الكلأ مرعاهم ثيابهم تحمل كل مزركشات الألوان لكن قلبهم ذو لون واحد كما رآهم مصطفى وهبي التل.
تعرّض عرار لانتقادات كثيرة طالت حياته الشخصية لا سيما غرابة أطواره وعلاقته كمثقف بالغجر. وبرغم كل الصخب الذي أحاط بالشاعر سواء في حياته أو مواقفه السياسية، تبقى تجربته الشعرية محطة هامة ومميزة.
توفي الشاعر مصطفى وهبي التل عام 1949 في نفس يوم مولده في 25 أيار\مايو عن عمر ناهز الخمسين عاماً تاركاً الى جانب ديوان “عشيات وادي اليابس” وثائق تكشف جوانب مجهولة من شخصيته.