“الارض الطيبة” لخصت أحلام البسطاء وآمال المهمشين في الصين.. 50 عاما من حياة فلاح

 

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

أديبة أمريكية، قضت فترة طويلة من حياتها في الصين، وكانت هي موضوع الكثير من قصصها ورواياتها. إنها ﭘـيرل بَك التي درست وعاشت في الولايات المتحدة والصين ولقّبت بالكاتبة الصينية نظراً لأن معظم كتاباتها حكت عن الصين ثقافة وإنساناً.
ولدت ﭘـيرل بَك عام 1892وتوفيت عام 1973. لم تكن تبلغ خمسة أشهر من عمرها عندما أخذها والداها إلى الصين، حيث كانا يعملان في التبشير المسيحي، فاندمجت بهذا المجتمع، واطلعت على ثقافته وديانته، أساطيره وحكاياته، كما تعرّفت إلى ثقافات أخرى كالثقافة الهندية، ما جعلها تبرز لاحقاً في مجال حقوق الإنسان.
للكاتبة إنتاج أدبي متعدد. وأجمل ما كتبته رواية “الأرض الطيبة”، التي لخصت أحلام البسطاء وآمال المهمشين في الصين. نُشرت هذه الرواية عام 1931 وتصدرت لائحة الكتب الأكثر مبيعاً في أميركا عامين متتاليين.
أحداث الرواية:
تدور أحداث الرواية في الصين ما بين أريافها ومدنها ومقاطعاتها، وتغطي ما يقارب خمسين عاما من حياة الفلاح “وانغ لانغ” بما فيها من كفاح وكدح وتبدّلات جذرية في المجتمع. تبدأ أحداث الرواية بزواج “وانغ لانغ” من الجارية “أو-لان” التي يشتريها من أسرة إقطاعية، مروراً بكده في أرضه وتحقيقه النجاحات بفضل اجتهاده وحكمة زوجته، قبل أن يضطره الجفاف والقحط إلى هجران أرضه الطيبة التي يعشقها، والانتقال بعائلته إلى إحدى مدن الجنوب، ليعيش أسوأ أيامه حين تشرف عائلته على الموت جوعا وبردا, ويوشك على بيع ابنته لأحد التجار، قبل أن يتغيّر مسار الأحداث فجأة عبر الانفلات الأمني الذي أصاب الصين في حدود عام 1911عندها يستولي وانغ لانغ على ممتلكات أحد الأثرياء الذين فرّوا بسبب الاضطرابات، ويعود إلى أرضه ويتحوّل إلى مالك كبير للأراضي في الريف، وتتغيّر حياته كلياً. وهكذا تظهر شخصية وانغ لانغ تجسيداً للتبدلات الجذرية التي مرّ بها المجتمع الصيني، وقلبت موازينه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وفي ختام الرواية يكون وانغ لانغ قد بلغ من الكبر عتياً، ويموت أغلب من يحبّهم من حوله، ويصبح زاهداً بالحياة فيما تقضّ صراعات أبنائه مضجعه, ولكن يبقى تعلقه بالأرض الطيبة الحقيقة الوحيدة التي يشعر بها، فلا يلقى الراحة والسلام إلاّ حيث يقبض ترابها بيديه. إنّها الأرض الطيبة، التي نشأ فيها، وكان حلم العودة إليها الحافز الذي صنع نجاحاته.
شخصيات الرواية:
تحفل الرواية بالشخصيات النابضة بالحياة برغم أن جميعها يدور في فلك “وانغ لانغ” باعتباره الشخصية الأساسية في الرواية, إلا أن ذلك لم يشكل عائقا أمام تطورات رائعة في البنى النفسية لباقي الشخصيات، فهناك الزوجة (أو-لان) بحكمتها وواقعيتها وصبرها، وهناك لوتس الزوجة الثانية كنموذج للمرأة المرفهة التي لا تبالي إلاّ بالمال والجاه، وكذلك ابن العم كنموذج للشخصيات الوصولية التي تستفيد من الأزمات، إضافة إلى الأبناء الذين لم يعيشوا إلا مرحلة الثروة فأعماهم بريقها، والابن الأصغر الذي تمرّد على أميّته وواقعه الاجتماعي، وثقّف نفسه لينضم إلى الثورة الصينية ويصبح أحد ضباطها .
أسلوب الرواية وأبرز ما عالجته:
ترسم ﭘـيرل بَك ملامح الريف الصيني بأسلوب سهل، وفي إتقان مذهل يشعر القارئ معه أنه يحيا في الأرض ويشم رائحتها, سامعا صوت الجراد الذي اجتاحها وأتلف محاصيلها، كما يشعر بنبض المدينة، وفخامة قصورها، كذلك ببؤس أحياء فقرائها.
عالجت رواية “الأرض الطيبة” عددا كبيرا من القضايا المهمة بدءا بحياة الفلاحين والفروق الاجتماعية، مرورا بحقوق المرأة والحب والوفاء والإخلاص والحرب والثورة. الأرض الطيبة رواية مليئة بالمشاعر الإنسانية المتضاربة, صراع الإنسان مع الطبيعة وصراعه مع ذاته للحفاظ على شرفه وكرامته, علاقات الحب والكراهية والغيرة وتقلبات الحياة.
مكانة الرواية:
نالت رواية “الأرض الطيبة” استحسان القراء والنقاد، وترجمت إلى أربع وثلاثين لغة. فقد وثقت بدقة تفاصيل المجتمع الصيني وتحوّلاته وتبدّلاته خلال مرحلة مفصلية من أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وفي عام 1932 فازت الرواية بجائزة ﭘـوليتزر للآداب، ولعبت دوراً فعّالاً في فوز ﭘـيرل بَك بجائزة نوبل للآداب عام 1938. وبعد 73عاماً من صدورها، وتحديدا عام 2004، عادت هذه الرواية إلى لائحة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، وهو استثناء لا سابق له.