الاردن صراع سلطوي ام بنيوي؟

 

بقلم : د. غسان الخالد*

احتل الحدث الأردني أهمية بالغة، وسوف يبقى يحظى بالاهتمام لفترة ليست بسيطة، ذلك أن الحدث ليس عاديا في الأردن لكونه يحصل للمرة الأولى علانية، اقله لجهة العلانية الإعلامية،ولكثرة التحليلات السياسية التي رافقته، إضافة إلى الأهداف المبتغاة من الحدث. والحقيقة أن ثمة أمور تعتبر عادية في السلوك السياسي الذي يحكم مسألة الصراع على السلطة، كما هي عادية أو متوقعة لجهة الأهداف المتوخاة من الحدث. لكن الخطورة تكمن في التوقيت، ذلك أن انتهاز الفرص لتوجيه الرسالة، او لحدث ما، لا تنحصر خطورته في الحدث، بل بالتداعيات المرتقبة لهذا الحدث.
في طبيعة ما حصل ينبغي الفصل بين الصراع على السلطة التقليدي والطبيعي في الذهنية العربية الموروثة، وبين الأهداف التي قد تحمل بعدا وجوديا، تستمر تداعياته لعشرات السنين وربما لقرن. أليس إعلان دولة الأردن قد اكمل مئويته كما لبنان؟. أليس إعلان الأردن كدولة قد اتخذ قراره، وفاقا للذهنية الموروثة في طبيعة الصراع على السلطة في المجتمع العربي منذ آلاف السنين؟.
لا أحد منا يستطيع أن ينسى أو يتناسى كيفية نشوء دولة الأردن بعيد الحرب العالمية الأولى ووفقا لاتفاقية سايكس بيكو المشؤومة. لكن ربما ما نجهله هو الدور الذي لعبه الأردن بعيد نكبة فلسطين، مرورا بنكسة حزيران وإحداث أيلول، َحرب تشرين، وصولا إلى اتفاقات وادي عربة ونتائجها كما تداعياتها على المجتمع الأردني والعربي بشكل عام.
بالنسبة إلى طبيعة الصراع على السلطة، ينبغي فقط تذكر صراع الاخوة فيصل وعبدالله أبناء الشريف حسين، وكيف سارع فيصل بعد الإنذار الموجه له من المندوب الفرنسي بعيد إعلانه الدولة العربية كما كان متفقا عليه بين الشريف حسين والحلفاء، إلى الرحيل إلى العراق وإعلان مملكته عليه. في التاريخ الحديث، نقع على أحداث مشابهة، في الكويت والسعودية، والإمارات وقطر، وحتى في الأردن ذاته عندما عاد الملك حسين من مستشفاه في الولايات المتحدة حيث يعالج، وإصدار إرادته الملكية، بإعفاء اخيه من ولاية العهد وتسمية ابنه الملك عبدالله لهذا المنصب. وهو انتقال سلس للسلطة في الأردن. هكذا تمت عدة انتقالات للسلطة في الكثير من الدول العربية، وبالسلاسة ذاتها. وقد لعبت المرأة دورا كبيرا في التغيير في إطار ما نسميه اصطلاحا بقرار الوسادة. ولذلك فإن ما جرى في الأردن لم يتجاوز الخطوط الحمر في طبيعة الصراع على السلطة فيه.
اما مسألة الدور الأردني في الأحداث التي جرت وسبق أن ذكرتها، فيكفي ربما الاطلاع على كتيب بعنوان الجيش الأردني، لمعرفة الدور السلبي الذي لعبه، في النكبة، والنكسة وإحداث أيلول. كما يمكن الاطلاع على الكثير من الحقائق الموضوعية الحاصلة، في مطالعة أحمد الشقيري، في كتاب وصفي التل، القاتل والمقتول.
ووصفي التل هو رئيس الوزراء الأردني في أواخر ستينيات القرن الماضي وكان له دور كبير في أحداث أيلول، حيث يذكر رئيس الوفد العربي آنذاك، والمكلف من الجامعة العربية، لبحث وقف أحداث أيلول، عنيت به الرئيس جعفر النميري، ومعه ستة رؤساء عرب. من المؤسف القول إن الأردن لم يستقبلهم كما ينبغي، وان الجيش الأردني قصف مقر إقامتهم في السفارة السودانية في عمان. وهذا ما يعطينا فكرة واضحة عن دور الجيش الأردني في الأزمات العربية الكبرى. وإذا ما أضفت ما تضمنه الكتابان، من كيفية المحافظة على قوة السلطة الهاشمية في الأردن، من خلال تزكية الصراع بين قبائل الشمال وقبائل الجنوب، ومن ثم إجراءات الصلح، لادركنا أن ما حصل، هو أمر طبيعي كان يحصل سابقا خصوصا وأن عشيرة المجالي كانت رأس حربة، في ما حصل مؤخراً في الأردن. أما بالنسبة لارتباط ما حصل بدول أخرى فكذلك هو أمر طبيعي. ذلك أن بعض رموز القبائل والذين شاركوا في السلطة سابقا أو حاليا، لهم ارتباطات وعلاقات أكثر من طبيعية مع القبائل الأخرى وامتداداتها خليجيا كما باتجاه سوريا والعراق. لكن المسألة مرتبطة بشكل كبير في الأهداف المتوخاة من ما حصل مع العلم ان الأردن مطبع مع الكيان الصهيوني.
لعل ما حصل مرتبط بشكل أو بآخر بما سمي صفقة القرن، وفيها إلغاء وجودي للكيان الأردني، مع تغيير في جغرافيته المعروفة الان. وليس خفيا على احد ان الأردن كان مشروعاً لما أسموه خطأً الربيع العربي. وقد حصل حراك اجتماعي في أكثر من مرة وكادت الأمور أن تخرج عن السيطرة.
البحث في أسباب ما حصل من خلافات بين ترمب وكوشنير وولي العهد السعودي والإماراتي ومحمد بن دحلان الذي لا زال يلعب دورا سلبياً كبيراً على الساحة العربية، وبين الملك ونتنياهو، هو تعويم للسلطة الموجودة اي سلطة الملك عبدالله اولا كما كان يحصل مع والده الملك حسين. وهو تهديد خفيف، كالتلويح بالعصا، لمزيد من التنازلات لاحقاً، ولا يشكل هذا التعويم كما التلويح، لا يشكلان عودة إلى الرشد في الحقل السياسي العربي، فالطبع غلب التطبيع كما يقال. ولذلك فإن الحديث عن صراع أميري او صراع ملكي، او غير ذلك من التسميات، وزج الأسماء، كما تدخل الدول الإقليمية في الحدث، هي أمور لا يمكن نفيها، لكن الرمي في مكان والهدف في مكان آخر.

—————-

*باحث في علم الاجتماع السياسي

طرابلس في 5/ 4/ 2021