الاتفاق السعودي – الايراني ضرورة اقليمية استراتيجية..!


بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

اتى المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد زيارة وزير خارجية الجمهورية الاسلامية امير حسين عبد اللهيان الى المملكة ولقائه نظيره فيصل بن فرحان ليؤكد ان التقارب بين البلدين والتفاهمات التي عقدت لم تدخل كما روج او اشيع حالة التجمد في عز الصيف الحارق اقليميآ.. ما اعلن باسهاب ان تعزيز الثقة امر بديهي يسمح بالولوج الى البدء وتفعيل معالجة ملفات متنوعة شائكة، سواءً ثنائية ام على المستوى الجيوسياسي للشرق الاوسط والخليج العربي.. واذ ثبت ان المحادثات بناءة وفي المسار الصحيح فإن مرحلة خفض التصعيد تم تجاوزها، انتقال هادئ رغم كثرة المتضررين وثقل التحفظ الاميركي الى مرحلة التركيز على الامن الاستراتيجي الاقليمي كما التعاون الاقتصادي الوثيق والمتوازن..!

 

في المبدأ العام فإن الالتزام بعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى مع تحييد دول الخليج العربي حافز اساسي لدفع العلاقات الى الامام؛ على اعتبار من منظور سعودي ومنطقي ان ما مضى من تدخلات اضر بايران اكثر مما افاد، لا سيما ما يتعلق بتعزيز استقرار دول الجوار “الامارات، البحرين، العراق، الكويت واليمن”.. الخ..!
في السياق تأتي المواثيق المتآلفة صنو عهد بين الدولتين، امر يعاكس رغبة وسعي اسرائيل تطبيع العلاقات مع السعودية، حائلآ كابحآ استكمال اتفاقيات السلام الابراهيمية Abraham Accords التي سبق وعقدت مع دول عربية “الامارات العربية المتحدة- دولة البحرين” بالرعاية الاميركية…
مع لفت الانتباه ان مشروع “ابراهام” بالايجاز نتاج مكاتب وزارة الخارجية الأميركية ودوائر الضغط اليهودي في واشنطن مضمونه دولة فدرالية موعودة قائمة على سلام مصطنع مفروض على مجمل الدول العربية يتعدى شعار “من النيل إلى الفرات” غاية تحقيق الهيمنة الصهيونية من بوابة “الدبلوماسية الروحية”..!


تاليآ؛ في ظل سياسة الاحلاف الجيو-استراتيجية التي عادت لتسود الكوكب المنقسم بين محورين، فإن تلبية الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الدعوة لزيارة المملكة ولقائه خادم الحرمين الشريفين وولي العهد محمد بن سلمان سترسخ نهائيآ الارادة السياسية لنوع من الحيادية النسبية من منطلق الضرورات الاستراتيجية المشتركة لدى الدولتين، محصنة التقارب والمعاهدات من هوامش الاضرار الجانبية..
استطرادآ؛ عطف براغماتية ثابتة ما كادت طائرة وزير الخارجية الايرانية تهبط في مطار “مهر آباد” الدولي حتى اوردت وسائل الاعلام يوم امس خبر وصول مساعد وزير الخارجية الإيرانية مهدي شوشتري الى بيروت واجتماعه مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ‏بحضور السفير الإيراني في ‏بيروت مجتبى أماني.. اما التوصيف الطبيعي بنهاية اللقاء الهام «انه جرى إستعراض لآخر المستجدات والتطورات في ‏لبنان والمنطقة والاتصالات السياسية الجارية إقليمياً»..!

يرى اليهودي Sigmund Freud مؤسس مدرسة التحليل النفسي “الكراهية هي رغبة الشخص في (تدمير) مصدر تعاسة الحزن والكره لديه”..
واذ تأتي الدولة العبرية في مقدمة الكارهين كما المكرهين من دوليين ومحليين التزامآ او قبول على مضض، ستجهد سرآ وعلانية سعي تدمير مناسك ما تحقق بين طهران والرياض؛ فإن هذه الايجابيات التي تظهّرت في المملكة خلال اللقاء الثنائي “بن فرحان-عبد اللهيان” يفترض لبنانيآ تلقفها واستثمارها تلقائيآ في العمل بوحيها ومندرجاتها لمعالجة الحال السياسية المأزومة كما حلحلة الاوضاع الاقتصادية والمالية بُعد تلكوء او اهمال قاتل.. علمآ ان الامل مقطوع من هذه (الأرطة) القارضة ما سبق من املاك واموال وما سيلحق دون خوف او حياء ..!

طرابلس في 20.08.2023
*عميد متقاعد؛ كاتب وباحث