لبنان في أتون النار وإحراقه يجسد رؤى ونبوءات توراتية

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

ثلاثة ايام حتى الآن وتحت افق مشتعل من النار المندلعة في احراج بلدات القبيات والهرمل وما يجاورهما، طاول اللهيب المنازل والممتلكات متسببآ بتهجير سكانها، كما ارتقى شهيدآ “امين ملحم” واصيب العشرات بحروق متفاوتة واختناقات جراء السخام الاسود اثناء محاولاتهم اطفاء الحرائق المتنقلة.. كانت الريح بشراستها خصمآ عنيدآ فاعلآ ومساعدآ لتمدد النيران وتوسع بقعتها؛ اما عمليات الاطفاء ففي وضاعة قدراتها وضعف امكاناتها عديدآ وتجهيزآ “كالمستجير من الرمضاء بالنار”..

ما كان صيف يمر على الوطن دون حدوث حرائق مفتعلة، مع غياب معتاد لسلطة ومسؤولين الا عن الشاشات. هي في معظمها جرائم قصد عمد تضرب رئة الوطن المؤكسد اصلآ، مانعة عنه اوكسيجين الحياة واستمرار دورة الطبيعة.. اما الجناة فمنهم اشرار من تجار فحم وحطب، وكذلك أولئك الحاقدين الاعداء الذين لطالما دأبوا على اشعال عود الثقاب تحت غطاء حَرِ الصيف بارادة تجسيد رؤى ونبوءات توراتية، في مأساويتها خراب ودمار، إحراق أرز شامخ مبارك محصن ب اشجار السرو والشربين والسنديان والبلوط، سرمدية خضراء استوطنت ارضآ مباركة منذ فجر التاريخ..

*«إفتح يا لبنان ابوابك ولتأكل النار أرزك».-سفر زكريا (١-١١)- ثابت ان ابواب الوطن مشرعة من الجهات الاربع واذا كان البَرُ يولول ويصرخ بعد ان بات لقمة سائغة للنار، فإن انفجارآ رهيبآ تكفل بتدمير مرفأ بيروت بوابة المتوسط الشرقي، معلقآ المئات على مقصلة الصلب مع اصابة الالاف بجروح متفاوتة الدرجات، اما ثلث العاصمة فحطام ودمار مخيف..

السِنَةُ النار متعددة تنفخ في صدور اهل البلد لقمة سائغة لمقومات عيشهم ومدخرات مالهم كما بناء مستقبل ابنائهم، ولاحباط مقاومتهم اليأس وتعزيز الامل تقرر اعادتهم الى العصور المظلمة في حرمان من كهرباء وماء من دواء ومحروقات الخ…

بعد ضياع تسعة اشهر في عجز عن تشكيل الحكومة الحريرية، ودون الدخول في التفاصيل والارقام والتسميات والعقبات سواء على نقاط التقاطع او فواصل التوازي، فإن الرئيس المكلف الجديد أمامه ثلاثة تحديات هي بمثابة استحقاقات صعبة لا مستحيلة يعرفها ويجيد تحقيقها؛ فالاصلاحات مع محاولة وقف الارتطام في المقام الاول يليه او يزامنه مفاوضة صندوق النقد الدولي مع السير بالتدقيق الجنائي والتفاوض مع الدائنين اصحاب السندات السيادية اما إنجاز الانتخابات النيابية فيفترض ان توسم بحيادية معتلمة، خارطة طريق معتمدة للاشهر المعدودات من عمر الحكومة، اذ لم يعد هناك وسيلة للخروج من حالتنا الراهنة إلا عن طريق صياغة الطريق نحو الهدف المنشود عبر وعي شعبي يحقق التغيير ولو جزئيآ وتراكميآ، عبر ممارسة الديمقراطية المقدسة في تصويت واعٍ مانعٍ لمن ارتكب وبغى.. تَبت يداهم «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ، سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ- الى آخر ألآية الكريمة»- سورة المَسَد-..!
تاليآ سيحمل درع الحقيقة الصارخة من تلده الصناديق اسمآ مكتوبآ ومقرؤآ على اوراق بالية ناقوس نار وردية مضيئة ..
خِتامَآ؛ الرابع من آب آتٍ بعد ايام ذكرى حزينة ستبقى محفورة في العقل والوجدان.. الجراح في القلوب، لن تبرد النفوس ويروى الظمأ كما لن يتوقف الالم وعمق الوجع سوى بالحقيقة المؤلمة اما الاستسلام فقتل للاحياء دون حسبان..! يوم الحساب لن يتأخر حق حلولي بمعناه حدوث الخلاص “الثواب والعقاب”، الراقدون في تراب الأرض الحزينة سيبعثون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وأولئك ألآثمون الى اتون النار..! الارواح متكسرة الاجنحة ترفرف فوق العنابر تصرخ مطالبة بالعدالة لا بالثأر؛ انهم بالقضاء والقدر شهداء يستحقون التضحية..
“في غمرة الموت تستمر الحياة .. في غمرة الكذب تستمر الحقيقة .. في غمرة الظلام يستمر الضوء” – (المهاتما غاندي).

—————–

بيروت في 30.07.2021