إيران – الصين التحالف الإستراتيجي والاختلاف الأيديولوجي

بقلم العميد منذر ألأيوبي*

حظي توقيع إتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين ايران والصين يوم السبت الماضي 27.03 باهتمام دولي واقليمي واسع، كذلك على صعيد الداخل الايراني حيث قوبل ببعض التحفظات، لا سيما إثر معلومات عن ملاحق سرية اضافية قد يفترض وجودها، عبر عنها الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد قائلآ إن “الأمة الإيرانية لن تعترف باتفاق سري جديد مدته 25 عاما بين إيران والصين”، محذرا من أن أي عقد يتم توقيعه مع دولة أجنبية دون أن يعرف الناس عنه، سيكون باطلا.

اولآ من حيث الشكل؛ اقيمت مراسم حفل التوقيع في مقر وزارة الخارجية الايرانية، في بث حي نقلته وسائل الاعلام المحلية، وقع عن الجانبين الايراني والصيني وزيري خارجية كل من الدولتين المعنيتين محمد جواد ظريف ونظيره وانغ يي.

ثانيآ في الحافزية؛ الموقع الجغرافي المتميز لايران في الجنوب الغربي الاسيوي حيث تتربع على سواحل الحوض المائي الاستراتيجي الاهم في المنطقة: الخليج الفارسي، بحر العرب، المحيط الهندي وبحر قزوين، مع حدود برية لسبعة دول متاخمة. هذا التموضع الجغرافي يجعلها الممر الطبيعي للتجارة العالمية وجسر عبور بين الصين ودول شرق وشمال شرق آسيا.- كما يساهم في تحقيق واحياء ما يسمى “طريق الحرير” التاريخي الذي يربط الصين بباقي دول القارة، وكذلك في تحقيق المشروع الصيني الطموح “الحزام والطريق” العابر للقارات، والذي سيكون الباب العريض في تصدير المنتجات الصينية عبر منطقة الترانزيت “ايران” الى القارتين الاوروبية و الافريقية. اضافة الى انه سيضمن لايران مردودآ هائلآ يسمح لها بقفزة نوعية على الصعيدين الاقتصادي والتجاري، ناهيك بالنفوذ الاقليمي.
ثالثآ في المضمون؛ بصرف النظر عن التوقيت في ظل العقوبات الاميركية القاسية المفروضة على ايران، و العودة الى الاتفاقية المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني، ومع تعداد وقراءة بنود الاتفاقية تقنيآ وتفصيليآ، فقد طرق الموضوع كثر من مؤسسات الدراسات البحثية والمحللين الاستراتيجيين الى حد “كفت ووفت”. هذا امر طبيعي نظرآ للانعكاسات والنتائج التي ترتبها “الاتفاقية” على الصعيدين الاقليمي والدولي؛ ويمكن الاكتفاء في هذه العجالة بالتالي: انها اتفاقية ترفع من مستوى العلاقات بين الجانبين وتؤمن تحالفآ استراتيجيآ لمدة 25 عامآ، تتناول كافة الميادين بدءآ بالتعاون الاقتصادي والصناعي، التبادل التجاري، البنى التحتية ووسائل النقل، مصادر الطاقة وصولآ الى المساعدات ألعسكرية و التكنولوجية. كما انها تعتبر شريانآ حيويآ للاقتصاد الايراني من جهة، وتعميقآ للنفوذ الصيني في الاقليم.
اما السؤال الذي يمكن طرحه فهو لكيفية نجاح هذه الشراكة والارتباط الاستراتيجي الوثيق بين دولتين مختلفتي العقيدة الايديولوجية والنظام السياسي “ايران الاسلامية والصين الشيوعية”.؟؟

العالم يتغير في السياسة والمصالح الجيوسياسية، اذ ان كل دولة تعمل وفق وبما بخدم تحقيق اهدافها الاستراتيجية. اما المبدأ التاريخي “عدو عدوي صديقي” فلطالما اعتمد في براغماتية العلاقات الدولية والتحالفات. واذا كان النظام في الصين نظام الحزب الواحد “الحزب الشيوعي” ذو السلطة المطلقة والمهيمن على مقدرات البلاد، والذي يعتمد قانون “الحكم الذاتي الاقليمي القومي”. فإن النظام الايراني يوصف ب “حكم رجال الدين او الحكومة الدينية”، من منطلق مبدأ “الاسلام دين ودولة”، وقد حدد الدستور الايراني النظام السياسي بأن الاسلام هو الدين الرسمي للدولة والشيعة الاثنا عشرية المذهب الرسمي.
مما لا شك فيه ان الدولتين تجاوزتا عمق تضادهما الايديولوجي، واختلاف انظمتهما السياسية والاولوية هنا لمصالحهما الاستراتيجية المشتركة، اذ ان ما يجمعهما اكبر مما يفرقهما، فهما في نفس خانة التناقض مع النظم الديمقراطية الغربية التي في مفهومها التعددية السياسية، اضافة الى القاسم المشترك المزمن مسألة العداء للولايات المتحدة الاميركية. وإذ تضمنت اتفاقية التحالف الاستراتيجي الثنائية ارتباطآ زمنيآ ب 25 عامآ فان هذه المدة كفيلة بان تغير المشهدية المتوقعة في السياسات الاقليمية و الدولية، وما لها من انعكاسات وترددات ليس اقلها تشارك الدولتان العقوبات الاميركية رغم اختلاف نوعيتها و اسبابها بحق كلتاهما.
وفي خطوة فيها الكثير من التحفظ علقت السيدة جين ساكي المتحدثة الرسمية باسم البيت الابيض بما يلي “سننظر ما إذا كانت هناك عقوبات يمكن تطبيقها بعد الشراكة بين الصين وإيران، لكننا لم نطلع بعد على تفاصيل الاتفاقية” وذلك ردآ على سؤال حول رد الفعل الأميركي على أنباء الاتفاق الأخير بين طهران وبكين.
أخيرآ ؛ الرهان يبقى على صمود التحالف و كما شكلت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مفاجأة لواشنطن، فالمنطقة الشرق اوسطية حبلى بالمفاجآت والمتغيرات. اذ ان الامتداد الجغرافي الواسع من بحر الصين الجنوبي الى المتوسط الشرقي يعج بالتناقضات ان لم نقل المعضلات السياسية بخلفياتها الجيوسياسية والتاريخية الايديولوجية. يبقى ان العبرة ليست فقط في التنفيذ بل ايضآ في الاستمرارية.

بيروت في 03.04.2021
*كاتب وباحث في الشؤون الامنية والاستراتيجية.