أميرال الطيور … رحل محمد علي شمس الدين

“الدنيا نيوز”
بقلم : دانيا يوسف*
“وأنا‏
لا يعرف اسمي
من لا يعرف حرف “الميم”‏
‏ (مُحَمَّدْ)‏
أحفر بالأقلام النورانيّة
أحرف اسمي
كي أسكن فيه
كما أحفر قبراً للضد”.‏
هكذا عرّف الراحل العزيز عن نفسه في لقاء مؤنس لحلقة إذاعية خاصة أعددتها لإذاعة النور في قصيدة “من منكم لا يعرف اسمي”.‏
يقول الدكتور شمس الدين في كتاب “الطواف” الذي يسرد فيه سيرته الذاتية:”أنا ابن ‏المآذن الجنوبية والأجراس والتراب والحجارة والصخور:على كل حفنة تراب هناك سال لعابي ‏وانحنى قلبي وفي كل فضاء هناك طارت فراشات الأحلام”. ‏
هذا الشاعر الذي يستحضر الألم دائما في القصيدة ونراه مسكونا بالعديد من الهموم ‏السياسية والاجتماعية والانسانية. يقول مثلا:‏
‏”انزف من رئتيّ الشعر وارفعه‏
كالجرح الشاحب من نافورة هذا العصر” ‏
ويقول في قصيدة من ديوان “اليأس من الوردة”:‏
‏”سمّيت اليأس من الوردة‏
وشرعت أفتش عن معنى
لم أبصر
في كثرة ما قلّبت من الكلمات
سوى يأسي”‏
ينتقد أيضا في قصيدة “مرثية الى البلاد العظيمة” السياسة العربية المنهمكة في ايديولوجيات لا ‏نفع لها امام معاناة العيش:‏
‏”ينفذ القمح بعد قليل‏
لا رغيف على المائدة
ولا حبة واحدة
من القمح فوق السهول
إنهم من ثمانين عاماً
يجوبون هذي الحقول
ولا من سبيل الى السنبلة
ما الذي ينمو إذن
بين هذي الجبال
وفي المدن المقفلة؟
صراخ الحليب
وقرقعة الأيديولوجيا
أم الأغنيات؟
ثلوج المنافي
أم العشب؟”.‏
أشاد الدكتور شمس الدين بمملكة المتنبي في دنيا الشعر، لكنه في ديوانه “ممالك ‏عالية” يواجه المتنبي في ساح القصيدة؛ فالمتنبي الذي بنى مجده الشعري على القوة والعنف ‏وقال “الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم”، تقابله مملكة شمس ‏الدين التي بنيت على الحب والزهر فيقول:‏
‏”شيّدت من ألم البنفسج‏
دولة بيضاء عالية
ومن لغة الطيور
شيّدت مملكتي
وأسدلت الغناء على قصوري
أعلى الممالك ما يشاد على الزهور
لا السيف: هذي حكمتي”‏
‏ظلّ محمد علي شمس الدين يبحث عن قصيدة. ‏فشغفه الأول لم يغادره منذ “قصائد مهربة الى حبيبتي آسيا” ومرورا ب”غيم لأحلام الملك ‏المخلوع”،”أناديك يا ملكي وحبيبي”،”الشوكة البنفسجية”،”طيور الى الشمس المرة”،”أما آن ‏للرقص أن ينتهي”،”أميرال الطيور”،”يحرث في الآبار”،”منازل النرد”،”ممالك عالية”،”حافظ ‏الشيرازي”،”الغيوم التي في الضواحي”،”اليأس من الوردة” وصولا الى “ينام على الشجر الأخضر الطير” و”برق في ثياب الشجرة”، اضافة الى الكتابات النثرية والمقالات ‏النقدية في عدد من الصحف والمجلات اللبنانية والعربية.
هذا هو محمد علي شمس الدين أو “السيد ميم” كما يحب أن يسمّي نفسه. سكنه القلق ‏وحمّل وجعه للقصيدة فبات نتاجه كشجرة كل ما يتغيّر فيها هو نموّها وتشعّب أغصانها ‏وامتلاء هذه الأغصان وازدياد قوتها…‏فهل مثله يغيبون حقا!

__________________

*رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”.