حوار (واقعي) مع إمرأة تفكر في الانتحار !!

 

بقلم : د.بهجت السعيدي*

 

(قصة حقيقية ، من وحي حوار مع إمرأة مصابة)

“أفكر في الانتحار” كانت هذه هي العبارة التي حوّلت مجرى حديثي معها من مجرد تواصل عادي بين طبيب وسيدة مصابة بفيروس العوز المناعي البشري إلى مسألة حياة أو موت والنتيجة فيها تعتمد على قابليتي على استقراء أفكارها وظروفها التي دفعتها لهذا التفكير.

كانت محبطة ويائسة جدا ولتوضيح حالة الإحباط واليأس التي قد يمر بها المصاب بهذه العدوى تخيّل أن تحسّ نفسك عاجزاً عن فعل أي شيء وحتى لو كنت قادراً على فعل شيء فلا أحد يريد منك شيئاً سوى الابتعاد أو حتى الاختفاء من هذا الوجود الفسيح الذي يتسع للأحياء والأموات وحتى الجماد وحتى الهباء ولكن أنت كإنسان تصبح خارج كل هذه التصانيف أو يطلب منك قسراً أن تكون خارجها. أسباب عدة توصل المصابين لهذا الإحساس وأحياناً يحسّون بكل هذه الأشياء دون أن يعرفوا بالضبط ماالذي أو من الذي يدفعهم لهذا الإحساس لأنه إحساس يولد بمجرد معرفتهم بإنهم مصابون ويستحوذ عليهم ولايترك لهم مجالاً لرؤية شيء سواه. أما في حالة هذه السيدة الطيبة فقد كانت الأسباب التي أوصلتها لهذه الحالة الحرجة والقرار الخطير متعددة ولم تكن مجرد إصابتها مادفعها لذلك بل كان رد فعل الناس وطريقة تعاملهم معها هي السبب الأقوى والأهم. والناس هنا يشملون كل من تعرفهم ومن لاتعرفهم ومنهم الأقارب وحتى الغرباء الذين تراهم في الشارع صارت تحس بأنهم يعرفون بإصابتها وينفرون منها وللأسف الشديد حتى العاملون في المؤسسات الصحية من الأطباء وغير الأطباء صاروا يعاملونها بشكل جارح في الوقت الذي يفترض فيه أن يكونوا أكثر الناس وعياً وتقبلاً للمصابين دون تمييز بينهم ولكنهم في هذه الحالة أصبحوا دافعاً لهذه السيدة للتفكير في الانتحار بدل أن يكونوا دافعاً لها للتشبث بحياتها بما أوتيت من قوة. فسحتُ لها المجال لتفرغ كل ما في داخلها من أعباء كونية من هم ودموع تخللتها فواصل من نشيج وصمت لتعاود بعدها الحديث فقد وجدت من يتفهّم حالتها ويعاملها كإنسانة وليس كمصابة ولا ينفر منها. كان أطفالها الرائعون إحدى نقاط ارتكازي في إقناعها بالعدول عن تفكيرها بالانتحار وكانت هي أساساً متردّدة في قرارها بسببهم. أخذتُها من يد أحزانها وسرتُ بها في مسافات الصلح مع الذات إلى أن اطمأننت أنها تخلّت عن تفكيرها.

نعم نجحتُ والحمد لله في تغيير تفكيرها واستنهاض إرادتها التي طمرتها جبال الهم والأسى ولكنّي هنا أوجّه سؤالاً لكل الذين أوصلوها لهذا الحال إذا قرأوا كلماتي فأقول لهم ماذا سيكون إحساسكم لو كنتم في مكانها؟ وأنا هنا لا أريد منكم جواباً فكل أجوبتكم لاتقنعني ولاتقنعها.

 

*طبيب وشاعر عراقي