أسطورة “إل دورادو”… المدينة الحلم

بقلم : دانيا يوسف*

لقرون عديدة كان الأروبيون منذهلين بأسطورة مدينة الذهب الضائعة في أمريكا الجنوبية. وحقيقة هذه الأسطورة قد تكون أكثر تشويقاً. الدورادو حرفياً تعني المُذَهَّب أو الذهبي. وتتزايد هذه اللهفة بالحكاية التى لا تنتهي عن مدينة الذهب عبر القرون. فما هي حقيقة هذه الأسطورة؟
اعتقد الأوربيون فى القرنين السادس عشر والسابع عشر أن ثمة مكان في العالم فيه ثروات طائلة يُدعى “إل دورادو”. وقد أودى البحث عن هذه الثروات بحصد عدد لا حصر له من الأرواح ما بين الانتحار والإعدام. يقول جيم جريفيث عضو جمعية الفلكلور الأمريكية: “ظلّ مسمى إل دورادو يتنقل بين مختلف المواقع الجغرافية إلى أن عُرف بأنه مسمى مكانٍ ما فى الأمريكتين به ثروات هائلة لا حدود لها”. لكن هذا المكان الذى به ثروات هائلة لا حدود لها لم يتم العثور عليه.
ترجع جذور أسطورة إل دورادو إلى أمريكا الجنوبية، وهي تحتوي على بعض الحقائق كغيرها من الأساطير التى تعيش طويلًا. في العام 1520 كان الأسبان قد احتلوا المكسيك التي تربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ إلا أن الحملة لم تحقق من الرخاء والغنائم ما حلم به الجيش المخلص لشعار: “دائما نحو الأبعد” الذي يزين راية كاستيل.
وبعد فترة من الزمن بدأ الأسبان بسماع قصص عن المدينة الأسطورية من الهنود الأسرى لديهم وقصص تداولوها عن طقوس كانت تجرى قرب البحيرة . كذلك سمعوا قصصا عن قبيلة من السكان الأصليين تسكن أعلى جبال الأنديز فيما يُعرف بكولومبيا اليوم. هذه القبيلة كان لها شيخ تولّى الزعامة وأُقيمت مراسم الاحتفال في بحيرة “غاتافيتا” GUATAVITA.
وقد تعددت الأقاويل حول مراسم الاحتفال، لكن العامل المشترك بينها يقول إن الحاكم الجديد كان يُغطَّى بمسحوق الذهب، وكان ذلك الذهب وغيره من الجواهر الثمينة يُلقَى بها فى البحيرة لاسترضاء إله يعيش تحت الماء. بدأ الإسبان يطلقون على زعيم القبيلة المُغطى بالذهب إل دورادو أي “الرجل المُذَهَّب”.
تساءل عدد من الباحثين عن معنى هذه الشعائر. وفي العام 1954 قام عالم آثار كولومبي بتقديم بحث أثبت خلاله أنه منذ آلاف السنين وفي الوقت الذي كان الإنسان يعيش في جبال الأنديز، وقع نيزك كبير من السماء. كانت كتلة مشعة هبطت فجأة كوميض براق من الذهب. ومن المحتمل أن الهنود الحمر الذين شهدوا الحدث ظنوا أن أحد آلهتهم قد وصل إلى الأرض. ولعلّه احتراماً لهذه الذكرى، ذكرى وقوع وميض من الذهب على الأرض، قام زعيمهم بهذه الشعائر حين كان ينزل إلى ماء البحيرة وجسده مغطى بالذهب ظنا منهم بأنهم سيحصلون على القوة الإلهية. وفي الوقت نفسه هناك رجال يرمون الذهب في البحيرة. على الأرجح كان أولئك كهنة موظفين مهمتهم مرافقة الملك في طقوسه.
بعد مرور قرون، أصبحت هذه الأسطورة مصدر قوة دافعة للباحثين عن الذهب. آلاف الجنود والمغامرين والرجال الأقوياء صارعوا عوامل صعبة للغاية، احرقوا مدناً بأكملها وقاموا بمذابح دامية، وكثيرٌ منهم خسروا حياتهم في السعي للوصول إلى الأرض حيث الذهب أكثر وفرة من الحديد.
وسبب كل هذا الانجراف أطماع النفس ورغباتها ولم يصل احد الى هذه المدينة سواء الإسبان الغزاة أو أي شخص أخر. التفسير الذي قدمه علماء الآثار يدعو إلى المزيد من العجب، وهو أنه حتى الإنكا الذين عاشوا في ذلك المكان وفي وقت وصول الإسبان، لم يكونوا على علم بوجود تلك المدينة. ولم يكن من السهل بالنسبة للأسبان الوصول إلى المدينة الاسطورية المخبأة في الادغال إذ أن النباتات الكبيرة وأوراق الأشجار قد أخفتها جيداً. ربما كان من المستحيل أن يعرف الإسبان وجهة سيرهم وكانوا معرضين لهجوم العناكب والأفاعي والضفادع السامة. ولكن ما أخافهم أكثر من كل هذا هو الجوع الذي اضطر الكثيرين منهم إلى أكل الجلد الموجود على سروج دوابهم بعد أن أكلوا لحومها.
ولكن على الرغم من كل هذه المشقات، فإن الرغبة بالوصول إلى الأماكن التي تحوي الينابيع الذهبية المذكورة في الاسطورة دفعتهم للمحاولة مراراً وتكرارا على الرغم من الخسائر التي لقوها. هنالك تفسير يعتقد بأنه منطقي أنه هنالك قبيلة كانت تعيش بين الأدغال ولكنها كانت تبني بيوتها من الخشب والقش وليس من الذهب. وعلى إحدى الطرق المؤدية إلى هذه القبيلة توجد أحجار كبيرة نقشت عليها بعض الرسوم. يعتقد علماء الآثار أن هذه المنطقة كانت مركزاً لتقديم الذبائح إلى إلههم الشمس، في الصورة المرسومة على الحجارة.
وكان هناك أحد الجداول في مكان عيشهم وكان يوجد به انعكاسات ذهبية سببها معدن ال”ميكا” وهو معدن لديه مزايا الانعكاسات الموجودة في الذهب ذاته وكان يكثر عندهم وربما لهذا السبب وجدت الاسطورة.
البحث عن إلدورادو كان هوساً وجنوناً أودى بحياة الملايين من الرجال والنساء فالطامعون كانوا مجرمين، وشعوب بريئة ذهبت ضحية الجشع والطمع والوحشية. وعلى الرغم من أن إلدورادو لم تكتشف بعد، فإن البحث عنها متواصل حتى الآن.
عاشت الأسطورة طويلًا لأن الناس ودوا لو كانت حقيقة وبناءً عليه، أين تقع مدينة الذهب المفقودة هذه؟
يجيب عن هذا السؤال الشاعر إدجار آلان بو فى قصيدته “إل دورادو” بكلام عجيب وبليغ فى الوقت نفسه حين قال: “إذا اعتليت جبال القمر وذهبت أسفل وادي الجان فستصل إلى إل دورادو”.

*إعلامية وناقدة