الحرب الروسية في أوكرانيا .. نصف انتصار يعادل الهزيمة..!

 

 

بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

الازمة الاوكرانية- الروسية اكبر من ان تحدد اسبابآ ونتائج في مقال او اكثر، سواء الابحار في ثنايا التاريخ المشترك او الولوج الى التموضع الجغرافي الثابت، لكن محتوى الاسطر التالية وجهة نظر غير مضجرة قابلة للقراءة ولو بعجالة..!
اولآ، يبدو ان سيناريو العملية العسكرية الواسعة للجيش الروسي في اوكرانيا لم يفشل حتى الان، لكن خطوات التنفيذ بدأت تبتعد شيئآ فشيئآ عن التوقيت والمواعيد المقررة، بمعنى تمدد الخط الزمني لانجاز المهام التكتيكية، مثالآ: فتح فجوات او ممرات في الدفاعات Breach الاوكرانية، الاقتراب للتماس Approch March مع العدو، احتلال او الاطباق واقتحام Assault مناطق معينة؛ تأخير واضح في التسديد التراتبي للائحة الاهداف المحددة مسبقآ..!

تاليآ؛ يعتبر التزام Commit القوى المهاجمة بالجدول الزمني بندآ رئيسيآ، لكن عوامل عدة قد تتسبب في التأخير Delay وبطء التنفيذ منها مثالآ: “-طول خطوط الامداد اللوجستية -القدرة الدفاعية للعدو “فعالية الصد” Block Effect -انهيار منظومة القيادة والسيطرة والاتصالات C3 -انعدام الدقة في معلومات الاستطلاع “منطقة اهتمام استخباري” Area of Intelligence Interest مقارنة بواقع الميدان -ضعف التنسيق Coordination بين الوحدات المقاتلة وصنوف الاسلحة الاخرى كالطيران والبحرية الخ…!
استطرادآ؛ بصرف النظر عن تحليلات المراقبين في قراءة مستجدات المعارك وخرائط التموضع الدفاعي او الانتشار الهجومي، فإن الفشل الزمني امر خطير قد يؤدي الى استنزاف القوى Attrition، مع اعاقة قابلية الحركة Counter Mobility، كما قد يضعف بنية ونظام القوى المقاتلة فتتحول الحرب الخاطفة الى مرحلة السعي لحفظ التوازن على خط فك الاشتباك المفترض Disengagement Line ..!
مما لا شك فيه ان سيناريو العمليات يلحظ حتمآ هذا الامر، فالرئيس بوتين ذو براغماتية مزيج من فن الحرب مع الامن الاستخباراتي، ومن الطبيعي ألا يدخل ميدانآ قبل ان يؤمن مسالك الخروج المناسبة عند الاقتضاء، لكن المؤكد ايضآ انه من صنف القادة ذوي عقيدة “نصف الانتصار يساوي هزيمة”، وبالتالي سيصر على تحقيق اهدافه في حفظ المدى الحيوي الروسي، ضبط التنمر الاطلسي وإنهاء حالة التمرد الاوكراني ..!


بالمقابل؛ يعتبر الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلنسكي ان قدرة الصمود امام موجات الغزو الاولى شبه انتصار؛ اذ سيؤكد لدول الغرب ان التخلي عن بلاده خطأ استراتيجي؛ مواجهآ نظيره الروسي بنفس العناد والاصرار.. كما تنظر القيادة العسكرية الاوكرانية الى ان شل او تأخير التوغل الروسي البري ومواجهة التفوق الجوي سواء بالصواريخ المضادة للدروع او المخصصة للدفاع الجوي قد يسمح باستدراج قيادة الحلف الاطلسي للتدخل عسكريآ؛ فيصبح ميدان المعركة محددآ بمقياس الزوايا لمستوى الحرب الشاملة..
من جهة اخرى؛ في توالي المواقف السياسية؛ يبدو ان الولايات المتحدة الاميركية والحلفاء الاوروبيين والغربيين يحاولون تطبيق العقيدة العسكرية للجيش الروسي المتمثلة ب “القصف المساحي” Carpet Bombing مستخدمة الراجمات العقابية مطلقة صلياتها مستهدفة الميادين الاقتصادية والمالية المصرفية والاستثمارية الروسية ..!
في نفس السياق؛ التفاصيل كثيرة بحجم القراءات الاستراتيجية والميدانية، كما ان الاحاطة بها لا زال متعذرا في حمأة المواجهة. في المبدأ الكل سيدفع الثمن، اذ لن يكون هنالك منتصر او مهزوم..! ايام ملتهبة تفصل عن النقطة صفر حيث يتم التوجيه بالالتقاط، فتجلس الوفود على طاولة التفاوض مستخدمة ترددا Frequency محميآ من التشويش ان حل التعب وصفت النوايا..!
تاليآ ايضآ،في الخمول Lethargy كسل، قد يصبح سامآ بالحماقة، يفرض حذرآ من نعاس او خدر، تزامن اغتراب العقل مع سبات الجسد… في القصور الذاتي Inertia تعادل ملحوظ فيزيائيآ، ثبوت مقاومة او ضعف الجسم الساكن “القوات الاوكرانية” للحركة،
و سرعة ثابتة لآخر متحرك “الالوية الروسية” المهاجمة.. في التفادي Evasive تحاشي قوى الهجوم “حرب العصابات” كما القوى المدافعة “المواجهة المباشرة والمفتوحة”؛ العامل المشترك بين كليهما تلافي استهداف المدنيين مع الابتعاد عن هامش الاضرار الجانبية Collateral Damage..!
في بنود امر العمليات الروسي، اللجوء الى السلاح النووي التكتيكي Tactical Nuclear Weapon “الرادع الاستراتيجي” ذو الفعالية المحدودة سواء تدميرآ ام انتشارآ (البقعة الجغرافية المضروبة)، في حالتين: ١-هدم نقاط الاختناق. ٢-دخول قوات حلف شمال الاطلسي NATO في المعركة..!
توازيآ؛ تطور واتساع الهجوم الروسي من منطلق تسريع الحسم يدخل ضمن مبدأ “مضاعفة القوى”، كما على الخلايا الاوكرانية التخريبية، ومن الواضح ان الولايات المتحدة تستغل عامل الزمن وبطء الحسم لارسال المزيد من المنظومات الصاروخية والاسلحة “الفتاكة” عبر حلفائها الاوروبيين.

اخيرآ، النهاية الحتمية المؤكدة للأزمة ستفرض نتائج مكلفة منها لا حصرآ:
-ان اوكرانيا بجغرافيتها الحالية لم تعد موجودة. -ان الوضع الاقتصادي الروسي سيزداد صعوبة لحد الانهيار المالي.
-ان الحراك الشعبي المعارض للحرب في الداخل الروسي سيتصاعد.
-ان دولآ عديدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ستكون على طريق التفكك “دول البلطيق، لاتفيا، استونيا..الخ”.
-ان الاخيرة ستكون الوجبة التالية الدب الروسي بعد هضم الحالية.
-ان الاقتصاد العالمي سيبقى متذبذبآ “امن الطاقة- الامن الغذائي).
-ان الاتحاد الاوروبي سيبقى في عين العاصفة الى امد طويل بالتوازي مع العقوبات القاسية والغير مسبوقة التي ستفرض على موسكو..
-ان العلاقات الدولية ستشهد تغيرات جوهرية سواء بين روسيا و دول اقليمية مؤثرة ” تركيا، الكيان الصهيوني، الدول العربية، ايران، الصين..” ام بين دول الغرب الاوروبي والدول الساعية للحياد او تلك المترددة في الانحياز لاي من المعسكرين.
-لا آخرآ، ان الامور مرهونة بأوقاتها مع لحظ قوة الترددات وحجم الانعكاسات المتوقعة..!

بيروت في 27.02.2022