ما هي السوق السوداء وكيف تجري التعاملات فيها؟

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*

 

السوق السوداء هي منصة تجارية، سواء افتراضية أو واقعية، يُباع فيها البضائع والخدمات بطريقة غير شرعية. ما يجعل السوق (سوداء) هو إما أن تكون طبيعة البضائع والخدمات نفسها غير شرعية أو أن تكون الصفقات غير شرعية أو كليهما معًا.
على سبيل المثال، ورغم أن البيع والشراء أمران قانونيان، تدخل الصفقة إلى السوق السوداء عندما تكون البضاعة المباعة غير شرعية.
وفي حين أن بيع الهامبرغر هو أمر شرعي بالمطلق، فعندما لا يدفع المطعم الذي يتعامل بالدفع النقدي فقط ضرائب المبيعات الإلزامية للحكومة الرسمية لقاء مبيعاته، عندها يعد أيضًا سوقًا سوداء.
لماذا توجد أسواق سوداء؟
الأسواق السوداء والتي تُسمى أيضًا بأسواق الظل، تتواجد عندما يرغب الأشخاص بالإتجار ببضائع أو خدمات ممنوعة من الحكومات.
تشوه الأسواق السوداء البيانات الاقتصادية لأن الصففات المنعقدة فيها لا تُسجل. كذلك تظهر الأسواق السوداء عندما لا يحبّذ الأشخاص دفع ضرائب على الصفقات سواء كانت البضائع والخدمات قانونية أم مخالفة. وبالمثل تظهر بعض الأسواق السوداء لأن بعض الأشخاص ببساطة لا يدركون أن هناك قوانين حاكمة هم يلتفون عليها، كعمليات المقايضة وعدم الإبلاغ عن القيمة الخاضعة للضريبة من الصفقة، أو استئجار مدبرة منزل قانونية أو جليسة أطفال لكن دون دفع ضريبة التوظيف.
ظروف السوق السوداء المحكومة بالتراخيص
تدفع التقييدات في التراخيص التي تفرضها الحكومة على الكثير من المهن بعضَ العمال إلى دخول السوق السوداء لأنهم لا يريدون أو بالأحرى غير قادرين على تحمل استثمار الوقت والمال للحصول على التراخيص المطلوبة. في نيويورك سيتي على سبيل المثال، يتوجب على المرء شراء رخصة تُسمى ميدالية الخدمة ليتمكن من استثمار سيارة أجرة بطريقة شرعية. تكلف ميداليات الخدمة هذه مئات الآلاف من الدولارات ما يجعلها مكلفة لدرجة تمنع معظم المتعهدين من اقتنائها. وبالنتيجة ربما يختار بعض الأشخاص استثمار سيارات أجرة من السوق السوداء لا تحمل رخصة لحين إلقاء القبض عليها على الأقل. ناهيك عن أن بعض خدمات المركبات العامة مثل شركتي أوبر Uber وليفت Lyft أغرقتا السوق بهذه الأنواع من الأعمال التجارية.
ظروف السوق السوداء المحكومة بالتجارة
لا يقصد المتعاملون في السوق السوداء أحيانًا التصرف بطريقة غير شرعية، لكن ما يدفعم لذلك هو افتقارهم للمقدرة على العمل بطريقة شرعية وحاجتهم للمال في آن واحد، فهم لا يبلغون الحكومة عن أعمالهم أو مدخولهم. تحدث مثل تلك الحالات عندما يحصل المهاجرون غير الشرعيون على وظائف، وعندما يحصل الطلاب المغتربون على وظائف دون حصولهم على تأشيرة عمل أو عندما يعمل الأطفال تحت السن القانونية أو في الحد الأدنى المسموح للعمر.
ظروف السوق السوداء المحكومة بالقوانين
قد تظهر السوق السوداء أيضًا نتيجة حدوث عجز سببه الحد الأعلى للأسعار المفروض من قبل الحكومة. على سبيل المثال، إذا حددت الحكومة سعر المياه المعلبة التي ربما تباع في البقالة بعد وقوع كارثة طبيعية. سينفذ الماء من المتجر بسرعة. بعدئذ من المرجح أن يظهر الباعة وهم يبيعون الماء بسعر أعلى والذي في الواقع سيدفعه الأشخاص طوعًا. السوق الثانوي للمياه هذه هي سوق سوداء.
وقد تتسبب الحكومات بإيجاد السوق السوداء من خلال المغالاة في القوانين. ولعل أبلغ مثال على ذلك في كوبا، حيث سبب نظام التقنين والخطط المركزية الغير مجدية للشيوعية صعوبة في شراء الكميات المرغوبة من المواد حتى الأساسية منها كزيت الطبخ. تزدهر الأسواق السوداء لأن المواطنين يرغبون شراء أشياء من الصعب توفيرها عبر الطرق الشرعية. بالإضافة لذلك، أن الأسواق السوداء شائعة أيضًا لأنه من العصيب إيجاد عمل.
ظروق السوق السوداء المحكومة بالاقتصاد
يمكن لمعدلات البطالة المرتفعة أن ترفع معها حضور الأسواق السوداء، فعندما لا يستطيع العمال الحصول على وظائف في الاقتصاد العلني ربما يتحولون للعمل في الاقتصاد السري. يمكن أن تكون هذه الوظائف غير ضارة كإصلاح مرحاض جارك (لكن الدفع يتم نقدًا دونما إعلام سلطة الضرائب بالدخل) أو قد تكون خطرة كبيع الكوكائين (حيث لا تقتصر المخالفة هنا على نوع البضاعة المباعة نفسها بل تتعداها إلى عدم الإفصاح عن الدخل وبالتالي التهرب من الضريبة).
ما الذي تستطيع شراءه من السوق السوداء؟
يستطيع العملاء بيع وشراء أنواع كثيرة من البضائع والخدمات في السوق السوداء. يمكن لأي شيئ خاضع للظروف الموصوفة آنفًا أن يظهر في الاقتصاد السري. عندما نفكر بالسوق السوداء في الولايات المتحدة تميل مخيلتنا لاستحضار الأدوية الغير شرعية والدعارة والتصميم المقلّد وبيع التذاكر بأسعار جنونية.
يوجد عمليات تجري في السوق السوداء حول العالم أشد خطورة وأكثر سرية تتضمن الإتجار بالأعضاء البشرية، وبالأصناف النادرة، والأطفال، والأسلحة، وتشغيل البشر كالعبيد (المتاجرة بالبشر).
تتواجد الأسواق السوداء في مواقع لا يمكن للبشر توقع تواجدها إطلاقًا. يمكنك على الإنترنت مثلًا أن تبتاع حساب إي باي eBay ( لتحصل زورًا على تصنيف كبائع مرضٍ) وأن تشتري متابعين للاستغرام (لتزيد من الشعبية الملحوظة لأحدهم).
القضية الموالية للأسواق السوداء
يفضل بعض الأشخاص الأسواق السوداء. فبمقدور هذه الأسواق تأمين بضائع رغم أنها غير شرعية كالماريغوانا لكنها وبشكل قابل للجدل تُحسن من جودة حياة البشر (عندما تُستخدم مثلًا لتخفيف آلام المرضى الذين لم يجدوا جدوى من استعمال الأدوية الشرعية).
يمكن للسوق السوداء أن تؤمن الاحتياجات القانونية الغير متوفرة بكثرة، كالحالة اليومية السارية في كوبا أو كحالة مدينة ضربها إعصار.
يتيح الاقتصاد الأسود للأشخاص أيضًا كسب قوت يومهم والذين من دونه سيغدون فقراء أو فاقدين للرفاهية، أولئك الذين سيتاح لهم العمل بعيدًا عن التقييدات الحكومية أو في شركة لها ضريبة توظيف مرتفعة.
علاوة على ذلك، فإن واقع الحال في الأسواق السوداء هي أنها شخصية وتعتمد على تربية الشخص ومعتقداته الأخلاقية. إن كنت تعتقد أن استعمال المخدرات ليس جريمة توقع ضحايا، حينئذ لن يكون لديك مشكلة في تداول المخدرات الغير شرعية في السوق السوداء. وبالمثل إن كنت تعتقد أن معدلات الضرائب مرتفعة للغاية، فسترحب بتوظيف عمال من تحت الطاولة.
القضية المعارضة للأسواق السوداء
هناك العديد من الجوانب السلبية للأسواق السوداء، يمكن بعضها في كون الأسواق السوداء شخصية، لكن في العديد منها تبرز معضلات هامة ألا وهي حدوث توافق في المتاجرة مع كل شخص.
يحدث أن بعض البضائع في السوق السوداء تكون مسروقة من سوق شرعية، مبعدة بذلك المتاجرين الملتزمين بالقانون.
في حين أن بعض المشترين ربما لا يمانعون شراء تصميم مسروق لحقيبة يد بسعر أقل لأنهم يعتقدون أن أسعار البيع بالتجزئة مرتفع للغاية، بينما سيفزع آخرون لمعرفتهم أن مجرد تفكيرهم بإجراء مساومة على السعر سيضعهم في عداد الداعمين لعصابة الجريمة المنظّمة. يوجد غالبًا جانب سوداوي للجريمة المنظمة يتخطى السرقة وإعادة بيع البضائع المسروقة. يشترك هذا الجانب مع نشاطات السوق السوداء الأخرى في تمويل الإرهاب خاصة وأن المكاسب من السوق السوداء لا يمكن تقفي أثرها بسهولة.
العنف هو مشكلة أخرى مستشرية في الأسواق السوداء، ذلك لأن هذه الأسواق لا تخضع لقوانين، فلا يمكن للمتعاملين في السوق السوداء التعويل على حماية الشرطة الشرعية عند وقوع حوادث مثل السرقة أو الجرائم الأخرى. إن سرق أحد التجار المنافسين كيس كوكائين لتاجر آخر، لا يستطيع الأخير طلب مساعدة الشرطة لاسترداد مسروقاته. بل ربما يلجأ التاجر المسروق لإرسال أحد رجالاته ويردي السارق أرضًا ويستعيد بضاعته المسروقة، مضاعفًا بذلك تبعات الجريمة الأولى.

إحدى النقاط الجدلية ضد الأسواق السوداء هي أن المتعاملين فيها لا يدفعون ضرائب، لتثقل بذلك الحمل الضريبي على المواطنين المحترمين للقانون.
وفي الخاتمة، ستبقى الأسواق السوداء مستمرة طالما لدينا هذه القوانين وهذه الضرائب. قوانين تحرم الأشخاص من بيع وشراء البضائع والخدمات التي يرغبون بها وضرائب تحرم الأشخاص من الاحتفاظ بما يشعرون أنه حصتهم العادلة من الدخل الذي يحققونه. ستدفع تلك القوانين والضرائب الناس لإخفاء أنشطتهم عن هيئات تطبيق القانون وسلطات الضرائب وأجهزة التشريع الأخرى.

————

*رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”