خزانات التفكير.. او صناديق الدماغ

العميد منذر ألأيوبي*

خمسة أشهر و ما زالت الطبقة السياسية في لبنان تبحث عن تشكيل حكومة من ثلاثين وزيرآ ،، مُقسمة حصصآ مقبولة لكل طرف في عدد الوزراء ،، و موزعة نوعيآ وفق قدرة كل طرف على أخذ ما يريد او يتمنى : نائب رئيس حكومة، وزارة دولة، وزارة سيادية، وزارة خدماتية، وزارة عادية، وزارة بدل عن ضائع ..!!
الوطن ضائع في متاهات التفكير عن حكومة !! فمراكز الدراسات لدينا و المعاهد ألإستراتيجية المتخصصة و المنظمات غير حكومية NGO و الغير ربحية NPO سواء رسمية او مستقلة و غيرها..! جميعها فتحت خزانات تفكيرها و تقوم بدراسات بحثية و تضع سيناريوهات مختلفة توصلأ للحل ألأعجوبة لحكومة البلد السعيد …!!
“في الولايات المتحدة الاميركية و بأختصار ،، تُطلق عبارة خزانات التفكير “Tanks Think” على مؤسسات و منظمات و معاهد دراسات تضم عقولآ متخصصة في كافة المجالات مهمتها صناعة الحدث و نتائجه و ارتداداته على مستوى العالم بما يؤمن مصالح أميركا و نفوذها”..
“في الوطن اللبناني :
إن ألإنهيارات المأساوية لكينونة الدولة اللبنانية
منذ الاستقلال حتى اليوم،، لم يعد من الممكن كبحها برعاية طبقة سياسية و طائفية حاكمة متجذرة تبحث عن مصالحها و تأمين ثروتها لا غير ..
إن مصطلحات العيش المشترك و المشاركة و العيش الواحد و التعايش ،، كلها كلمات نُقِشَت قصدَآ في وجدان الشعب اللبناني لا داعٍ لها و ليست من طموحاته كون العلمانية هي الحل و أساس الحكم الرشيد العادل ..
إن العودة إلى المنطق الطائفي كما المذهبي و حصص الطوائف من جبنة النظام ،، إضافة الى الخلاف على الصلاحيات و تفسيرات الدستور المتناقضة من قِبَل التيارات و الأحزاب السياسية سيؤسس حتمآ إلى أجواء حرب أهلية فتيلها بات جاهزآ للأشعال رغم تجاهل الجميع و نكران الواقع ..
إن عدم بلورة مواقف ومصالح الأمة المشتركة و تجسيد ذاكرتها الجماعية و تنمية قدراتها التراكمية في مجالات الفكر والسياسة والإعلام و غيرها ،، يعني قطع التواصل و إهمال إرساء ألأُسُس
الفكرية و الفلسفية ،، الاجتماعية و الاقتصادية للبرامج و السياسات الرئيسية و المصالح الوطنية ..

إن إسقاط الجوامع السياسية البديهية و مباديء اللحمة الوطنية من قواميس المجتمع اللبناني،، مؤشر لا مسؤولية تدفع بالتيارات السياسية إلى حد العداء حينآ و إلى التوافق على مضض أحيانآ أخرى أما ألإنعكاسات على مستوى الجمهور و الشارع فهي مرعبة غالبآ ..
من جهة أخرى فأن عوامل عدة باتت تؤشر إلى تسيد اليأس السياسي و ألإجتماعي من عودة “لبنان ألأكبر من وطن لبنان الرسالة” ،، إلى ما كان عليه و منها :
– محاولة تصفير “Zeroing” قضية فلسطين من هموم المجتمع الدولي و تلزيمها بوقاحة لجاريد كوشنير و نتنياهو و إسقاط حل الدولتين ما يعني إستحالة عودة اللاجئين الفلسطينين إلى وطنهم لا سيما بعد قرار وقف مهام الأنروا و تمويلها و إن بخجل ..
– ألأعداد الهائلة من النازحين السوريين الذين سكنوا في المدن و البلدات و القرى اللبنانية،، رُحِبَ بهم و أُمِنت لهم وسائل العيش الانسانية و المساعدات العينية و المالية سواء من الدولة اللبنانية او المنظمات الدولية سيبقون عبئآ إضافيآ على ألإقتصاد اللبناني المتردي دون عودة جدية إلى ديارهم تزيل إلتباسات خطط “العودة الطوعية – Voluntary Return ” ألآمنة” و غيرها من المصطلحات المعتمدة ..
– الفساد “Corruption” المستشري في كل مكان من زوايا الدولة كَبُر أم صَغُر ،، و الوضع المالي إضافة إلى الهموم المعيشية الحياتية و الاقتصادية التي لا داعٍ لذكرها .. عوامل عممت الرهاب الاجتماعي “Phobia” على المواطن في كل ما ذِكر ..

إذا كان الصراخ اليومي من قبل مثقفين و إعلاميين و مجتمع مدني يصُم ألأذان و لا من يسمع أو يرى أو يهتم ،،! فأن المجتمع غير المدني أيضآ يعرف و يتحسس و يعيش المعاناة إلا أنه مزود بكاتم فعال للصوت ..!
في لبنان الحاضر،، البلد المأزوم ذو ألأفاق الضبابية يقول العامة “البلد مكشوف يا عزيزي”،، عبارة يرددها الجميع ،، لكن معناها ألإضافي حاليآ في ظل ما يجري في ألإقليم أن السماء السورية مقفلة ب أل S-300 أمام طيران العدو الإسرائيلي ،، في حين أن سماؤنا مكشوفة ،، و صناديق أدمغتنا “BrainBuxes” مقفلة !!..

*كاتب و باحث في الشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية.