بركان ما بين النهرين..!

بِقَلَم العَميد مُنذِر الأيوبي*

إنفجرت فجأة في ألعراق بعد ان كانت بركانآ خامدآ Extinct و تدفقت ألصهارة Magma ألحارقة في كل إتجاه دمآ و دموعآ حيث بلغ عدد ألقتلى منذ بدء ألإحتجاجات ألشعبية و ألمواجهات مع قوات ألأمن أكثر من 150 قتيلآ و حوالي 5000 جريح حتى الان … و إذ كان خروج معظم القوات الاميركية عام 2011 بعد سنوات على إسقاط نظام حكم الرئيس صدام حسين أمرآ لا مناص منه إلا أن ألصفائح ألتكتونية Tectonic Plates و القشرة Crust ألأرضية السياسية في ألبلاد عجزت عن ألإلتحام يتصاعد من شقوقها و تصدعاتها Rifts أبخرة الفساد و رماد Ash صراع عابق في أجواء ألقصور ألحاكمة متآلفة مع إهتزازت جيوسياسية تفرض مواجهة حتمية مع قوى تكفيرية إرهابية تنتظر فرصة لتطفو على سطح ألمشهد ألإقليمي من جديد ..!

في سِياق مُتصل ، من ألواضح تسارع التطورات ألعراقية سياسيآ و ميدانيآ حيث تلقي بظلالها على ألإقليم رغم محاولات ألتهدئة التي يقودها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي مع ألمحتجين ألمتظاهرين و التي بقيت عقيمة ، إذ ان وعوده بالإصلاح السياسي و تحسين مستوى المعيشة كذلك تجديد البنى التحتية و مكافحة ألبطالة و تأمين فرص ألعمل مع كبح الفساد ألمستشري و محاسبة الذين هدروا المال العام و إستولوا على مقدرات البلاد بقيت خجولة إن لم نقل سرابآ … كما يُسَجَل إيجابآ أن هذا الحراك ألذي إنطلق عفويآ لم يأخذ طابعآ مذهبيآ أو عرقيآ حيث ضمت جموعه مختلف الشرائح و ألفِئات الاجتماعية و ألدينية إذ أن ألهدف واحد و “ألمصيبة تجمع” على ألقول ألمأثور ..

توازيآ ، مصادر استخباراتية متعددة اشارت إلى محاولة أجهزة أمن خارجية لا سيما “ألموساد” ألإسرائيلي “ألدخول على ألخط” و استغلال التظاهرات لتأجيج حُمى الفوضى علمآ أن الساحة العراقية مزدحمة بعملاء ألإستعلام و التجسس لصالح سفارات دول خارجية و إقليمية .. كما أن ألخطوات ألمُنسَقة مع ألدَولَة ألسورية في ألحرب على ألإرهاب و قتال ألمنظمات ألتكفيرية “داعِش، جبهة ألنصرة إلخ..” و ألعلاقات ألجيدة بكامل تفاصيلها و آخرها إفتتاح معبر البوكمال بين الدولتين لم يكن مدعاة إرتياح لدى قسم كبير من أفرِقاء ألصِراع ألإقليمي و ألدولي ..

في نفس ألسياق ، و بصرف ألنَظَر عن خريطة توزع التظاهرات و ألإعتصامات سواء في ساحات و شوارع العاصمة بغداد او المحافظات و المدن الأخرى و ما رافقها من أعمال عنف و تخريب أحيانآ ، فإن ألإستجابة ألأمنية بألرصاص ألحَي لقوى حفظ ألأمن و ألنظام و وحدات مكافحة الشغب مُستهدفةً المتظاهرين لم و لن تكون محمودة ألعواقب لا بل أبرزت هشاشةً و إرتباك ألقيادة ألعسكرية بألتزامن مع تأزم ألوضع ألسياسي و إنعدام ألقناعة بتحقيق ألإصلاحات ألمنشودة على كافة المستويات …
من هذا ألمُنطلق يبدو أن ألعمل ألجراحي أصبح أمرآ ضروريآ ، مما يستوجب إستقالة ألحكومة و الدعوة إلى انتخابات نيابية مُبكرة تطال أسس النظام السياسي فإحتدام الصراع ليس من مصلحة أحد كما ان المراجع الدينية و السياسية و على رأسها ألمرجع الشيعي ألأعلى علي ألسيستاني و زعيم التيار الصدري مقتدى ألصدر و رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي و غيرهم تدعو إلى ألتهدئة و ألبدء بخطوات اصلاحية جذرية ..
تاليآ رغم أن ألعراق دولة محورية على مستوى الإقليم إلا أن ألصِراع بألنار ألمحتدم في ألمنطقة على جبهات عدة إضافة إلى ألنزاع ألأميركي – ألإيراني سواء على المستوى الجيو استراتيجي أو ألإيديولوجي إضافة الى ألحصار الاقتصادي و المالي ألمفروض على طهران جميعها عوامل تشكل عقبة كأداء في وجه تطور النظام السياسي حاليآ ، كما أن تغلغل الفساد في شرايين الدولة ألعميقة و نظام المحاصصة و توزيع المغانم المُتَبع بين الافرقاء السياسيين سبب جوهري في صعوبة الوصول و تطبيق خطة إصلاحية تُرتجى …

تساؤلات كثيرة تطرح عن دور الولايات المتحدة و إيران في الحلول ..؟
بإختصار و رغم بُعد ألمقاربة أو ألمقارنة يرفض أهل ألعراق تدخل الولايات المتحدة في شؤونهم الداخلية و يعتبرون أن الدور الوحيد الذي يمكن ان تلعبه واشنطن هو التعاون الاقتصادي و التجاري
و المساعدات المالية و هي ليست سوى جزءآ يسيرآ مما تكبده العراق من خسائر نتيجة الغزو ألأميركي عام 2003 ..! من ناحية ثانية لا يستسيغ ألعراقيين أيضآ تدخلآ إيرانيآ أو وصاية ما رغم الروابط الوثيقة التي تربط ألشعبين ألجارَين .. في هذا ألإطار سُجِلَ إتصال هاتفي يوم أمس بين رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي و وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو إستعرضا فيه الوضع ألمأزوم و الاحتجاجات التي تَعُم البلاد حيث أكد عبد المهدي عودة الاستقرار قريبآ بألتزامن مع إطلاق مجلس الوزراء حزمة إصلاحات لتهدئة الشارع و تلبية مطالب المحتجين .. في حين كان لافتآ إطلاق المرشد الإيراني السيد علي خامنئي تغريدة له إعتبر فيها ما يحدث “مؤامرة الأعداء للتفرقة بين العراق و إيران و لن يكون لها أثر”..!
ختامآ ، في علم ألبراكين يبدأ ألثوران Éruption عبر إنبثاق غازات و أبخرة بكميات ضخمة تُكَوِن سُحُبَآ من الغبار و الرماد كما ان انهيار المنظومة السياسية و الثورات ألشعبية تبدأ بغبار ألشارع و دخان الإطارات المشتعلة حيثُ الحجارة شبيهة الحِمَم Lava تحرق اركان النظام او السلطة ..
أيضآ مثلما لا يمكن إطفاء ألصهارة Magma ألملتهبة ألمتدفقة من فوهة Crater ألبركان بل تحويل خط سيرها كذلك الحراك ألشعبي لا يمكن إطفاء جَذوة إنتفاضته .. بات مَسار الإصلاح السياسي أمرآ مُلحآ بألتوازي مع بدء ألمعالجات الاقتصادية و المعيشية ألإجتماعية فهشاشة النظام و إستمرار تآكله من الداخل سيؤدي إلى نزف الكثير من الدماء و لن تستقيم ألأمور و تهدأ دون ألسير بكلا الخطوتين معآ دون إبطاء ..

*عميد،كاتِب و باحِث.
بيروت في 07.10.2019