البطاقة الحمراء..!

بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي*
الأجواء مشحونة بين انقرة و باريس و ألأزمة أقل من إعلان حرب و أكبر من سجال كلامي عبر وسائل ألإعلام بين ألرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون و ألتركي رجب طيب اردوغان ، هي تعود في أساسها إلى نُفوذ كلا البلدين في ألإقليم عامةً و سوريا بصورة خاصة إذ لطالما إنتقدت ألدوائر الفرنسية و ألأوروبية أوضاع حقوق ألإنسان في تركيا و ألإنتهاكات ألمرتكبة بحق ألصحفيين معتبرة أن هذا ألأمر يبعدها عن ألإتحاد ألأوروبي ؛ لا سيما إثر تنفيذ قائدي القوات الجوية و البرية ألتركية محاولة أنقلابية عسكرية فاشلة عام 2016 أدت إلى زج ألألاف في ألسجون من الضباط و معارضي ألنظام ألحالي الذي أرساه أردوغان مبتعدآ عن علمانية مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة ألتركية ألحديثة بعد ألحرب ألعالمية ألأولى ..!
تفاقم ألتوتر بين ألدولتين ألأطلسيتين على خلفية العملية العسكرية “نبع ألسلام” ألتي شنها ألجيش التركي في شهر تشرين ألأول ألماضي على الخاصرة التركية ألرخوة في ألشمال ألسوري حيث تتواجد ألوحدات ألكردية ألمسلحة و ألتي أسفرت عنمقتل عشرات المدنيين بينما دفعتمئات الآلاف للفرار أو ألنزوح إلى مناطق آمنة .. علمآ أن تركيا سَبَقَ و رفضت عرض ألوساطة ألفرنسية بينها و بين ألأكراد ..! تجدر ألإشارة أيضآ أن ألقوات ألكردية مدعومة تمويلآ و تسليحآ من الولايات المتحدة ألأميركية و فرنسا في معركتها ضدمقاتلي تنظيم ألدَولَة ألإسلامية ألإرهابي “داعش” في شمال و شمال شرق سوريا و قد لاقى ألهجوم ألتركي ألواسع في حينه إنتقادآ حادآ من الدوائر الفرنسية و أركان ألجيش ألفرنسي ..
تَظَهَر ألخِلاف أكثر فأكثر بعد مؤتمرصحافي مشترك عقد في باريس الخميس ألماضي مع الأمين العاملحلف الأطلسي “ينس ستولتنبرغ” Jens Stoltenberg عندما صرح ألرئيس ماكرون : 
“إنه يحترم المصالح الأمنية لتركيا لاسيما بعد تعرضها لـ “العديد منالهجمات الإرهابية على أراضيها لكن لا يجوز للمرء أن يقول إنناحلفاء و يطلب تضامننا ثم يضعحلفاءه في مواجهة هجوم عسكريعلى أساس أنه ‘أمر واقع’ ويعرّضعمل التحالف ضد تنظيم الدولةالإسلامية للخطر”..! مستطردآ سيد ألإليزيه في تعليق لاذع أن حلفشمال الأطلسي NATO بات يعاني”موتا دماغيا”..!
بألتزامن ، و في كلمة عنيفة له يوم ألجمعة ألماضي أمام وسائل ألإعلام لم يتأخر الرئيس التركي أردوغان عن ألرد ألمباشر على نظيره الفرنسيبمستوى ألعبارة نفسها قائلآ : “أتوجهإلى الرئيس الفرنسي إيمانويلماكرون وسأكرر ذلك له في (قمة) حلف الأطلسي عليك قبل أي شيءأن تفحص موتك الدماغي أنتنفسك لا تناسب تصريحات من هذاالنوع ، إلا أمثالك الذين في حالةموت دماغي”. و شدّد أردوغان علىأن “فرنسا تتجاهل مخاوف تركيا فيسوريا و تحاول في الوقت ذاته أنتجد لنفسها موطئ قدم في هذاالبلد”..!
في سياق مُتَصل ؛ تعتبر تركيا أن لديها حدودآ مشتركة مع سوريا على طول911 كيلومتر و أن “اتفاقية أضنة” ألموقعة عام 1998 “ملحق رقم 4” تمنح تركيا الحق بإتخاذ جميع ألإجراءات ألأمنية أللازمة بما في ذلك دخول ألإراضي ألسورية بعمق 5 km لمحاربة ألمنظمات ألكردية ألتي تعتبرها إرهابية ..
تفاعلت وزارة ألخارجية ألفرنسيةمع خطاب أردوغان عبر إستدعاءها ألسفير ألتركي إسماعيل حقي موسى إلى مقرها في قصر أل Matignon مساء الجمعة لمناقشةالمسألة و ذلك في ثاني استدعاء للسفير خلال شهرين معتبرة أن”هذا ليس تصريحا ، إنها عبارات مهينة” طالبةً تفسيرآ
و توضيحآ وفق ما أعلنت باريس ..!
هذا ألسجال يأتي حَتمَآ على خلفية تضارب ألمصالح ألجيو إستراتيجية و ألأمنية لكلا ألدولتين مما سيضفي على قمة حلف ألناتو ألتي ستعقد في بريطانيا يوم غد 3 Dec بمناسبة ألذكرى ألسبعين للتأسيس جوآ من ألتوتر يضاف إلى جملة الخلافات بين أعضاءه ..!
كما سيكون موضع بحث خلال القمة ألتباين ألأميركي – ألتركي فيما يتعلق بِآبار النفط ألسورية و حراس ألآبار ألأكراد في ظل ألإرتباك ألواضح لإستراتيجية البيت ألأبيض و قرار ألرئيس ترامب بإنسحاب القوات الاميركية من سوريا ثم العودة عن القرار و نشر وحدات اميركية مدرعة في محافظة دير ألزور حيث آبار النفط السورية الرئيسية فيما ترافق ذلك مع إعلان ألمتحدث ألرسمي باسم وزارة الدفاع ألأميركية ألبنتاغون “جوناثان هوفمان” ATSD(PA))Jonathan Hoffman في مؤتمر صحفي أنالانسحاب لم يعد واردآ ؛ مؤكدآ“نحن مصممون على البقاء فيالمنطقة”، أن القوات الأميركيةستبقى في سوريا “طالما كان ذلكضروريا”..!
 
توازيآ ؛ ستبحث القمة في العلاقات الروسية – ألأطلسية حيث سيكون هذا الموضوع إختبارآ لوحدة ألصف داخل ألحلف و بصورة خاصة بعد إتمامأنقرة صَفقة شراء نظام الدفاع ألجوي الصاروخي الروسي S-400 في وقتسابق من هذا العام و إنعكاسات ذلك على نظم ألتسليح ألأطلسية ..!
من جهة أخرى ؛ بإنتظار ما ستسفر عنه القمة من مقررات فإن ألجبار ألأميركي سيلقي بظلاله عليها
و ألرهان مزدوج على دور ألرئيس ألأميركي دونالد ترامب و حضوره ألطاغي فمن جهة يساور ألقلق منظمي ألقمة ألمسؤولين ألبريطانيين إضافة إلى بعض رؤساء ألدول ألمشاركين من تصريحات ألأخير إضافة إلى تغريداته ألمسيئة و ألبعيدة عن ألديبلوماسية في كثير من ألأحيان ؛ و من جهة أخرى من ألمرجح أن يساهم حضوره في تبريد ألأجواء و لملمة الصف بغض النظر عن ملاحظاته الكثيرة على أداء دول ألناتو و مساهماتهم المالية ألضئيلة ..!
 
ألمُعطيات ألمتوفرة تشير إلى إحتمال إنعقاد إجتماع رباعي مصغر على هامش ألقمة أميركي-بريطاني-فرنسي-تركي مشترك من شأنه خفض ورقة التصعيد التركي بوجه فرنسا و تهدئة الخلافات .. كما يبدو أن أجواء ألحوار ألإيجابي ألتركي ألأوروبي بدأت أولى خطواتها مع ألإتصال ألهاتفي ألذي أجراه ألرئيس أردوغان يوم أمس ألأول مع رئيسة ألمفوضية ألأوروبية ألجديدة “أورسولا فون دير لاين” Ursula von der Leyen مهنئآ بمنصبها كما تباحثا في عدد من ألقضايا من ضمنها موضوع عودة أللاجئين ألسوريين ألآمنة و إنضمام تركيا للإتحاد ألأوروبي ..
 
خِتامَآ ؛ مما لا شك فيه ان الحميع سيلتزم توجيهات واشنطن سواء لجهة عدم عزل تركيا عن الاتحاد الأوروبي و هذا ما لا ترغب به فرنسا تحديدآ من منطلق عقلانية إستراتيجيتها ألتي يتقن ترجمتها بديبلوماسية كفوءة ألوزير ألمخضرم “جان إيف لودريان” Jean-Yves Le Drian سواءً على صعيد مكافحة ألإرهاب أو فيما يتعلق بتواجد ألنازحين السوريين في تركيا و ضرورة عودتهم إلى بلادهم و تلافي تسربهم إلى دول أوروبا ؛ مع ألأخذ بعين ألإعتبار أن قضية هؤلاء ستبقى بطاقة حمراء بيد ألرئيس أردوغان يرفعها بوجه ألجميع عند ألإقتضاء و إلى أجل غير مُسمى ..! 
بيروت في 02 Dec 2019
*كاتب وباحث في ألشؤون ألأمنية وألإستراتيجية.