“يالطا” Yalta من جَديد ..!

بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي*
يعتبر ألإرتباط ألجيوسياسي بين روسيا و دول ألإتحاد ألأوروبي بمثابة حبل ألصرة إذ لا إنفكاك بينهما فألجغرافيا من حيث ألمبدأ تحكم في ألسياسة و تتبلور في ألعلاقة ألسببية بين ألسلطة ألسياسية و ألحَيز ألجُغرافي بما يمثله من موقع إستراتيجي و ما يتضمنه من ثروات و موارد .. و لطالما شكلت أوروبا كما روسيا بعدآ جيو إستراتيجيآ متبادلآ محسوبآ بدقة بوجه بعضهما ألبعض في سبيل تحقيق مصالح و أهداف كل فريق على حساب ألآخر ضمن مفهوم آلسيطرة سواء بألسياسة و ألإقتصاد أو ب “أستخدام ألقوة للوصول إلى ألأهداف ألسياسية – General André Beaufre”..!
إنطلاقآ من هذه ألمقدمة لم يكن مستغربآ محاولة ألرئيس ألفرنسي إيمانويل ماكرون إعتماد سياسة متوازنة إلى حد ما بين ألكرملين و ألبيت ألأبيض ، كذلك صياغة جنرالات L’hexagone مقر وزارة ألدفاع ألفرنسية – إستراتيجية غير عدائية مع ألقيادة ألروسية .. في حين طغى ألتوتر على ألعلاقات بين باريس و واشنطن بعد ظهور تباين في ألأولويات و ألمصالح و ألأهداف على ألمَسرَح ألأوروبي و ألشرق أوسطي
و في ظل إنعدام ألإنسجام إلى حد ألنفور بين شخصيتي ترامب و ماكرون ..!
تاليآ ، خلال ألعام ألماضي 2018 و تحديدآ أثناء ألإحتفال بِألذكرى ألمئوية لنهاية ألحرب ألعالمية ألأولى إقترح ألرئيس ألفرنسي تأسيس و إنشاء جيش أوروبي حقيقي موحد ، ألأمر الذي لاقى إستياءً شديدآ من ألرئيس ألأميركي معتبرآ ألإقتراح مُهينآ للولايات ألمتحدة مطالبآ ألأوروبيين برفع و دفع مساهماتهم ألمالية ألمستحقة عليهم لصالح حلف ألناتو NATO .. و سرعان ما تفاقمت ألأمور إثر ألقرار ألفرنسي بفرض ضرائب على شركات ألتكنولوجيا ألأميركية ألكبرى ، رد ألرئيس ترامب عليها سريعآ عبر فرض ضرائب مرتفعة على ألنبيذ ألفرنسي ألمستورد ناعتآ ألرئيس ماكرون بِ “ألغبي” ..
إستطرادآ ، بقيت علاقات ألرئيسين تتراوح بين مَدً و جَزر وِفقآ لكل قضية أو مسألة مطروحة متزامنة مع إستهجان ألرئيس ألفرنسي من “ديبلوماسية تويتر” ألمعتمدة و ألمفضلة لدى ألرئيس ألأميركي معتبرآ إجراء ألنقاش ألمباشر عمليآ و جديآ بدلآ من ألتغريدات ألعشوائية أو ألآنيَّة ..!
في سياقٍ مُتَصل ، كان لافتآ خلال قمة مجموعة ألدول ألصناعية ألسبع G7 ألتي عقدت في مدينة “بياريتز” Biarritz -جنوب فرنسا مؤخرآ 24.08.2019 ، دعوة ألرئيس آلأميركي دونالد ترامب روسيا مرحبآ بعودتها كعضوٍ في هذه ألمجموعة .. توازيآ و قبل أربعة أيام من جلسة ألإفتتاح كان ألرئيس ألفرنسي ماكرون مستضيفآ نظيره ألروسي فلاديمير بوتين في حصن “بريغانسون” Fort de Brégançon جنوب-شرق حيث مقر ألرئاسة ألفرنسية ألصيفي ، في ترجمة واضحة لعلاقة دافئة روسية – فرنسية بدأت تُرسَم و تبدو خطوطها ألعريضة طويلة ألأمد في تشابك إستراتيجي دقيق و عقلاني بعيدآ عن (إرتجاليات أللحظة – توصيف مقتبس عن صحيفة نيويورك تايمز) أو مزاجية ألرئيس ترامب ..
من جهة أخرى منذ 19.03.2014 تاريخ ضم شبه جزيرة ألقُرم Crimea و “سيفاستوبول” Sevastopol إلى آلإتحاد ألروسي إثْرَ إستفتاء جاءت نتيجته في حينه حاسمة لجهة ألإنفصال عن أوكرانيا ، أقدم ألإتحاد ألأوروبي على تطبيق عقوبات إقتصادية بحق موسكو تسببت بخسارة قاربت 50 مليار دولار كما أدت هذه ألعُقوبات لاحقآ إلى تعادل سلبي !! إذ تحولت عبئآ على ألدورة ألإقتصادية في أوروبا أيضآ و كبدتها خسائر تعادل أل 100 مليار دولار سنويآ و ذلك بعد ألقرار ألروسي منع إستيراد ألمنتجات ألأوروبية و حظر ألتعامل مع ألدول ألمشاركة في فرض ألعُقوبات مستعيضآ بدلآ عنها بألسلع و آلمواد ألغذائية ألمتوفرة في ألصين ، تركيا و إيران ..!
إزاء ما تقدم ، لم يجد ألرئيس ألروسي فلاديمير بوتين ضيرآ في عمق ألأداء ألسياسي ألأوروبي ألمُستجد من قبل عاصمة ألإتحاد “بروكسل” Brussels (ألرغبة في تعليق ألعُقوبات) و ألمتناغم مع ألمبادرة ألفرنسية خصوصآ بعد إنسحاب بريطانيا ألحليفة ألأوروبية ألأساس للولايات ألمتحدة من ألإتحاد ألأوروبي ، فأهداف موسكو ألإستراتيجية و ألجيوسياسية ألمتمثلة أولآ بإعادة روسيا ألقطب ألند في إدارة ألكَوكَب و ثانيآ تجميع ألميراث ألسوفياتي تتحقق إضافة إلى فرضها نفوذها ألإقليمي و توجهها نحو روسيا ألأوراسية ألهائلة ألموقع ألإستراتيجي و ألثروات ألطبيعية و موارد ألطاقة و ألأسواق ألتجارية ألأكبر في ألعالم ؛ من هنا تلقف ألرئيس بوتين ألإنعطافة ألباريسية ألناعمة مُشجعآ بعد تلمسه جديتها إثْرَ زيارة كل من وزيري ألدفاع “فلورنس بارلي” Florence Parly و ألخارجية “جان-إيف لودريان” Jean-Yves Le Drian موسكو و لقائهما نظيريهما ألروسيين في بحثٍ لِسُبل ألتعاون و ألتَنسيق سواء على ألمَسرَح ألأوروبي أو مناطق ألتوتر إضافة إلى ألملفين ألإيراني و ألسوري بصورة خاصة ..!
ماذا عن واشنطن ؛ لا شك أن ألرئيس ألأميركي ترامب في دعوته روسيا ألعودة إلى مجموعة ألسبعة G7 يعترف بألقدرة ألروسية ألمتطورة تصنيعآ و تسليحآ و مواردآ كما أنه وفق قناعته متأكد من أهمية ألدور ألروسي ألمتوازن ألضابط و ألمستوعب للوضع في ألإقليم و مشكلاته ؛ و هو يجد أيضآ “ألرئيس ترامب” من منطلق ألواقعية ألسياسية و ألبراغماتية Pragmatic ألمعهودة لديه في عودة روسيا بشكل كامل الى ألساحة ألدولية بعد أرغامها ألجميع على ألإعتراف بدورها قطبآ عالميآ لا غنى عنه ما يستدعي ألإحترام .. ربما سيجد بعد ألإنتخابات ألرئاسية ألأميركية ألقادمة و عودته إلى ألمكتب ألبيضاوي كذلك سُقوط صَفقة ألقَرن أن ألسير نحو تسوية عالمية شاملة شبيهة بمؤتمر يالطا Yalta شباط 1945 أمرآ لا بد منه حيث ستُرسَم هذه ألمرة على ألخرائط ألرقمية Digital Cartography ألخطوط ألمتعددة ألألوان و في مقدمها ألأحمر ألمُحظر تجاوزه ، ألأزرق ألمُثبت لهدوء أماكن ألتوتر و ألأخضر ألمُحدِد مناطق ألنفوذ ..! من أجدر من ترامب في وضع توقيعه ألعريض على ألصكوك ؟؟ و لنا في فلسطين و ألقدس و ألجولان ألعِبَر و لنتنياهو إهداءه ألقلم ..!
*عَميد مُتقاعد .
بيروت في 16.09.2019