هل يبطل المجلس الدستوري قانون الكهرباء؟

 

كتب جهاد اسماعيل*

ينتظر اللبنانيون كلمة المجلس الدستوري في مراجعة الطعن بقانون الكهرباء المقدم من عشرة نواب، مستندين الى مجموعة نقاط اعتبروها مخالفة لأحكام الدستور، من عدم التصويت بالمناداة، أو التعدي على اختصاص السلطة التشريعية، مخالفة مبدأ وضوح القاعدة القانونية وأصول التشريع، عدم استصدار قانون منح التزام أو امتياز والى زمن محدد، علاوة على ذلك، فإن الطاعنين تقدموا بطلب يرمي الى اتخاذ قرار بوقف تنفيذ مفعول القانون المطعون فيه جزئيا او كليا، الى حين البت بالمراجعة، سندا لأحكام المادة 34 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري.

لم تتوقّف التساؤلات عمّا إذا كان المجلس بصدد قبول الطعن أم لا، انما الإجابة عليها تضعنا أمام احتمالات أربعة وهي:

-إمّا ردّ الطعن بدعوى تعطيل النصاب كما جرى في أكثر من محطّة، بسبب الميول السياسية لبعض أعضاء المجلس الدستوري والتي شرّعها قانون إنشائه، عندما قال بانتخاب نصف الأعضاء من قبل المجلس النيابي وتعيين النصف الآخر من الحكومة، وعندما كرّستها الصبغة المذهبية والسياسية في كلّ المؤسّسات، لا سيّما وأنّ غياب ثلاثة أعضاء من أصل عشرة من شأنه أن يمنع النصاب ويعطّل القرار، لا سيما أنّ الأخير يحتاج إلى أكثرية سبعة من عشرة كي يكون سارياً أو نافذاً.

– لمّا كان نصّ المادة 32 من قانون المجلس الدستوري يلزم المستدعي بتبيان النصوص المطعون بعدم دستوريتها والنقاط المخالفة للدستور، ولمّا كان نصّ المادة 37 من القانون نفسه يقول ” إذا أعلن قرار بطلان النصوص المخالفة للدستور كلّياً أو جزئياً، يعتبر النصّ الذي تقرّر بطلانه، كأنّه لم يكن، ولا يرتّب أيّ أثر قانوني”، ولمّا كانت المراجعة قد انصبّت بشكل أساسي على انتفاء صلاحية السلطة التشريعية في منح اي التزام او امتياز في قطاع الطاقة والى زمن محدود، خصوصا وأن القانون المطعون به يمنح مجلس الوزراء حق منح عقود BOT، ما قد يدفع المجلس الى ابطال الفقرة المشكو منها من دون ان يطال سائر الفقرات، بحيث يكون الابطال جزئيا لا كليا، ويستوجب التعديل الجزئي.

– وإما قبول الطعن واعتبار القانون المطعون به كأنه لم يكن بسبب المخالفات الدستورية الواردة في متنه، التي تتوزع، بحسب اعتقادنا، على النحو التالي:

• مخالفة القانون المشكو منه المادة 36 من الدستور اللبناني، لناحية عدم التصويت بالمناداة.
•مخالفة القانون المطعون به لأحكام المادة 89 من الدستور اللبناني، لناحية عدم صدور قانون منح التزام أو امتياز وإلى زمن محدود، ونقل اختصاص منح اي التزام او امتياز الى الحكومة، لا سيما وأن المجلس الدستوري كان قد اصدر قرارا يعتبر فيه أن هذه الصلاحية هي حصرية لمجلس النواب.
•مخالفة القانون المطعون به لأحكام المواد 16 من الدستور، لناحية عدم مراعاة إختصاص مجلس النواب، كسلطة يعود لها التشريع وبشكل حصري.
•مخالفة القانون المطعون به لأحكام الفقرة (هـ) من مقدمة الدستور، لجهة عدم احترام مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.
• مخالفة القانون المطعون به لمبدأ وضوح القاعدة القانونية وأصول التشريع لجهة كيفية نص القوانين، باعتبار أن المادة الثانية منه لا توضح أصول اجراء المناقصات ولا المهل الزمنية ولا تحدد المعايير التي يجب ان تحكم الخطة، ولا تحدد الالية التي بمقتضاها يجري بيع الطاقة للدولة.
•مخالفة القانون المطعون به لمبدأ الأمان التشريعي ومبدأ الثقة المشروعة اللازمة بالقوانين

– الاحتمال الرابع، ولو ضعيفا، وهو انكباب الحكومة نحو التعيينات القضائية بعد البت بالموازنة العامة، والعمل على اعادة تشكيل المجلس الدستوري من جديد، بهدف الاتيان بمجلس اكثر انحيازا للسلطة من جهة، وعدم السماح للمجلس بالفصل في هذه القضية نظرا لتداعياتها على مستوى التوافق السياسي ومنهجية عمل الطبقة السياسية في مقاربة الملفات الخدماتية والانمائية.

لذلك، إن المجلس الدستوري امام اختبار جديد من شأنه أن يثبت مسار العدالة الدستورية في بلد كلبنان، ويبرز مدى امكانية المرجعيات الرقابية والقضائية في النظر بارتكابات السلطة الحاكمة على اكثر من صعيد، خاصة وأن ثمة نوايا في حصر كل السلطات بهيئة واحدة!، فهل سيفعلها المجلس الدستوري ويبطل قانونا ضرب الدستور في عرض الحائط؟

__________

*باحث دستوري وكاتب