هل تطبق قوى الأمن الداخلي قانون تعزيز الضمانات الأساسية للموقوفين وحقوق الدفاع

 

بقلم : العميد أنور يحيى**

منذ صدور الوثيقة العظمى The Magna Carta عام  1215 م .في بريطانيا نتيجة نضال الشعب الأنكليزي ضد التوقيفات التعسفية للملك وأدارته،حتى صدور الأعلان العالمي لحقوق الأنسان عن الأمم المتحدة عام 1948،والتي تبناهاالدستور اللبناني في مقدمته بموجب تعديلات دستورية عام 1990، الى صدور تشريع أصول المحكامات الجزائية بموجب القانون رقم 328 تاريخ 2/8/2001 والمعدل بالقانون رقم 359 تاريخ 16/8/2001، تدرجت حقوق المشكو منه أو المشتبه فيه الى مزيد من الضمانات والحقوق المترافقة مع تطور مفاهيم العدالة الأجتماعية وحقوق الأنسان على المستوى الدولي.هذه الحقوق تبدا من قرينة البراءة ،ونظرية حقوقية بأن :كل أنسان بريء حتى أثبات الأدانة!

هذه الحقوق تبدأ منذ مثوله أمام الضابطة العدلية،قبل القاضي الجزائي، حيث ألزمت مواد القانون 328/2001 الضابطة العدلية التقيد بأنظمة لم تكن معروفة سابقا حفاظا على كرامة  وحقوق المشتبه فيه أو المشكو منه في المركز الأمني حيث يتم أستجوابه منفردا ومنها:

أ-الحق بالبقاء صامتا أمام الضابط العدلي وعدم أعطاء أفادته الأ أمام القاضي ،حيث حقه بأصطحاب محام لمعاونته أثناء الأستجواب.

ب-حقه بالإتصال بعائلته أو رب عمله أو صديق.

ج-حق تعيين محام ليضطلع على ملفه ومتابعته أمام النيابة العامة،دون الحق بحضور أستجوابه أمام الضابطة العدلية.

د-حقه بالاستعانة بمترجم أذا كان يجهل اللغة العربية.

ه-حقه بتكليف طبيب شرعي لمعاينته صحيا.

و-الحق بحضور مساعد أو مساعدة أجتماعية لمواكبة التحقيق أذا كان قاصرا.

أن الصراع قائم بين حريات الأفراد وضبط تصرفاتهم عبر قيود تفرضها السلطة :تدابير وقائية لمنع حصول الجريمة وفي سبيل تأمين الأنتظام العام :(أقامة حاجز تفتيش،التحقق من عدم نقل ممنوعات، مراقبة أتصالات بعض المشبوهين..) أو ما يسمى بالضابطة الأدارية، وأذا ما وقعت الجريمة فأن دور هذه القوى يتحول الى مهام الضابطة العدلية المكلفة بالبحث عن الجرائم والأبلاغ عنها وضبط أدلتها وأكتشاف فاعليها وتعقبهم وتوقيفهم وتسليمهم الى السلطات القضائية المختصة.

أن حرية وحقوق الأنسان هي جوهر النظام السياسي في الدول الديموقراطية الحرة وقاعدة أستمراريته،لكن وأن كانت حماية حرية وحقوق الأفراد تأتي بالأولوية،لكن مصلحة المجتمع والدولة قد تتقدم أحيانا هذا المبدا،لحماية الدولة والسلامة العامة..ولم تتأخر الولايات المتحدة الأميركية عن سنّ تشريع يجيز للشرطة والأجهزة الأمنية مراقبة بعض الأتصالات وتحركات المشبوهين ومداهمة مقراتهم ومنازلهم دون العودة الى القضاء، ولو كان ذلك على حساب الحقوق الممنوحة للمواطن الأميركي:The Miranda Rights بنتيجة تحقيقات لجنة هجمات 11 أيلول 2001 ، والمعينة من قبل الكونغرس الأميركي ، وسميت هذه الصلاحيات الجديدة The Patriot Act .

أما في لبنان، تعتبر السلطة القضائية المستقلة بحكم الدستور اللبناني، هي الحامية للحريات العامة والتحقق من حسن سير العدالة، فيما لا  تشكل الديمقراطية تنظيما للتعايش بين السلطة :التي تفرض بعض القيود التي تحد من حريات المواطن بهدف حماية أمن المجتمع والكيان، والأفراد: الذين يبغون مزيدا من الحريات والحقوق في أطار الدولة..

هناك مثلث يحدد العلاقة بين:المتهم،أو المشكو منه،والنيابة العامة ، والمجتمع ..الذي يحدد المجلس النيابي صلاحياته وحقوق المتهم،وحقوق المجتمع.

نشطت المؤسسات الوطنية والدولية بمراقبة مسرى حقوق الأنسان في لبنان: العنف أثناء التحقيقات،أوضاع النظارات والسجون،بطء سير المحاكمة لأسباب عديدة،حتى كان صدور القانون رقم 191 تاريخ 16 تشرين الأول 2020 والذي يرمي الى:تعزيز الضمانات الأساسية وتفعيل حقوق الدفاع ، والذي أدخل بعض التعديلات الجوهرية الى قانون أصول المحاكمات الجزائية خصوصا أثناء فترة التحقيق لدى الضابطة العدلية،وقبل مثوله أمام القاضي،فما هي أبرز التعديلات التي أدخلها التشريع الجديد؟ هل ظروف قوى الأمن الداخلي اللوجستية جاهزة لتطبيق هذا القانون؟ ما هي أبرز العوائق التي أستدعت النائب العام لدى محكمة التمييزأصدار تعميما الى النيابات العامة والضابطة العدلية ،  لتعليق العمل ببعض بنوده ذات الصفة التشريعية الملزمة؟

2- القانون رقم 191/2020 :تعزيز الضمانات الأساسية وتفعيل حقوق الدفاع!

21-الحق بتكليف محامي يحضر جلسات التحقيق مع المشكو منه أمام الضابطة العدلية!  

سمح القانون القديم لأصول المحاكمات الجزائية للمشكو منه والذي يتم أستجوابه أمام الضابطة العدلية،بتكليف محام على المحضر المنظم لدى الضابطة بأستجوابه،وهذا المحامي يمكنه الأتصال بموكله ولكنه لا يحضر أستجوابه أمام رجال الأمن..ويبقى حقه بحضور جلسات الأستجواب أمام القاضي:نائب عام،قاضي تحقيق،هيئة محكمة..وقد ترك القانون القديم للضابطة العدلية حرية الحركة والتصرف بأطار القانون وعدم أستعمال العنف وتطبيق شرعة حقوق الأنسان،لا سيما بعد أستحداث قسم حقوق الأنسان في المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي سنة 2008.رغم تحديد مهلة 48 ساعة فقط ،قابلة للتمديد مرة واحدة،لسوق المشكو منه الى دائرة النائب العام ،أنفاذا لقراره،الأ أن فترة التوقيف في القطعة كانت تتجاوز ذلك بكثير بقرار النيابة العامة.عينها .ثم جاء القانون الجديد:191/2020 حيث كرس حق المشكو منه بتكليف محامي أثناء أستجوابه في القطعة الأمنية لحضور جلسات الأستجواب أمام الضابطة العدلية،ولاول مرة ، أستجابة لطلبات الهيئات الوطنية والدولية المتابعة لحقوق الأنسان أثناء مراحل التحقيق والتوقيف وتنفيذ الحكم الصادر.

أن حضور المحامي أثناء جلسات الأستجواب لدى الضابطة العدلية يعزّز حقوق المشكو منه،والسماح له بطرح الأسئلة على موكله أمام الضابط العدلي والذي هو بالأجمال ليس مجازا بالحقوق ، مما يرجح كفة المستجوب والمشتبه فيه بجريمة معينة،بوجه الضابط العدلي والذي سينقل الأدلة وأقوال المدعي والشهود ودفاع المدعى عليه الى القاضي،النائب العام، للوقوف على قراره بالتوقيف أو أخلاء السبيل.وكم من مرة ،أثناء تمرسنا بقيادة الشرطة القضائية (2005-2010) ،أقدم محامون ،وكلاء المشتبه بهم أثناء التحقيق معهم، على رشوة المحقق لينقل الى النائب العام معلومات بعيدة عن الأدلة ولمصلحة المشكو منه،موكل المحامي ، مما تسبب بأحالته أمام المجلس التاديبي،والملاحقة العدلية أمام القضاء،والنقل التاديبي خارج الوحدة ،حين يضعف أمام أغراءات المحامي،وكنا نفشلأحيانا كثيرة بملاحقة المحامي،الراشي،بسبب عدم موافقة نقابة المحامين على ملاحقته ..  ! من هنا ،وبعد خدمة حوالي الأربعين سنة في قوى الأمن الداخلي أمضيناها في خدمة الفصائل والسرايا الأقليمية  والمفارز القضائية ،وثم قيادة الشرطة القضائية،فأننا نرى أن صدور هذا التشريع الجديد والذي يمنح المشكو منه، الذي يتم التحقيق معه في قطعات الضابطة العدلية التي تتدرج من :المخفر الأقليمي،بأدارة رتيب،الى الفصيلة الأقليمية ثم السرية الأقليمية  بأمرة ضابط،الى المفرزة القضائية ومكاتب أقسام:المباحث الجنائية العامة والخاصة والمباحث المركزية ،الحق بحضور محاميه جلسات الأستجواب وتوجيه الأسئلة اليه للأيحاء بنتجة معينة لصالح موكله،هي وأن كانت تواكب تطور حقوق الأنسان في الدول الديموقراطية الحرة،الأ أننا في لبنان،ربما نحتاج الى بضع سنوات لتمكين الدولة من بسط سيطرتها وألغاء نفوذ القوى السياسية والميليشيات والتهديد بالسلاح ،على بعض أدارات الدولة، لتصبح قطعات الضابطة العدلية حرة وبأستقلالية عن الضغوط ،  لا سيما بظل الخلاف السياسي الكبير بين مكونات القوى اللبنانية! المتجلي التاخير بالتفاهم على تشكيل الحكومة الجديدة!

22– عدم جواز إبقاء الموقوف في القطعة التي أجرت التحقيق بعد ختمه.

نصت المادة الثالثة من القانون الجديد على:

“بعد أنتهاء مدة الأحتجاز( 96 ساعة كحد أقصى) ،لا يجوز للنيابة العامة أتخاذ أي أجراء من أي نوع كان بحق الشخص المحتجز،ويجب على عناصر الضابطة العدلية نقل المحتجز من مركز الأحتجاز الذي تم فيه أستجوابه الى أي مركز اًخر غير تابع للقطعة عينها،على أن يصار الى تدوين ذلك في المحضر قبل أختتامه تحت طائلة البطلان.

أن هذا التعديل الجديد جاء محافظة على كرامة وحقوق الموقوف،الذي ربما خضع لأجراءات التحقيق وما يرافقه من ضغط نفسي وربما جسدي أحيانا في مكان التحقيق، على أيدي عناصر الضابطة العدلية،ومن المنطقي أن يودع نظارة قصر العدل حيث يستقر مكتب النائب العام المشرف على التحقيق العدلي،وقد أحسن المشرع بهذا النص الذي يحاكي كرامة وحقوق الموقوف،بجريمة أقترفها أو مشتبه فيه بأقترافها.لكن الأزمة في لبنان متفاقمة بظل الأزدحام الخانق في السجون المركزية والسجون الملحقة والنظارات، في بلد يضيق بسكانه،قبل النزوح السوري والأقليات الهاربة من ظلم المنظمات الأرهابية في سوريا والعراق أعتبارا من العام 2011، وقد شهدنا جريمة قتل الرائدجلال شريف،أمر فصيلة الأوزاعي عام 2020، على يد شقيق أحد الموقوفين، وحيث يستقر 38 موقوفا في نظارة حدّد أستيعابها الأقصى بثمانية أشخاص.!

تعاني قوى الأمن الداخلي،بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعصف بأدرات الدولة منذ سنوات،وقد تفاقمت مؤخرا ،من شح كبير في تأمين المال للصيانة والتدفئة والتجهيز ، مما جعل الأبنية وملحقاتها بوضع مأساوي،حيث يستعين القادة الأمنين بتقديمات هيئات غير حكومية،وطنية أو دولية،لأنجاز بعض التصليحات الضرورية جدا،وأن تفاقم أرتفاع أعداد الموقوفين في النظارات والسجون مرده الأساسي الى بطء سير العدالة وأحجام الدولة عن بناء سجون جديدة مقررة منذ سنوات بسبب شح الموازنة وتوقف الهبات لدعم مسيرة قوى الأمن الداخلي وأعطاء الأولوية الى أدارات خارج وزارة الداخلية!

أن أشتراط نقل الموقوف الذي ختم محضره من مكان التوقيف والأستجواب الى مكان أخر هو بموقعه ويلبي طلب الهيئات غير الحكومية المهتمة بأمكنة التوقيف وتنفيذ الأحكام العدلية،لكن الفشل بنقل الموقوف الى نظارة أخرى أو السجن المحدد بسبب أكتظاظها ، يعرض التحقيق كله الى البطلان،ترى هل يقدم النائب العام التمييزي على أصدار تعميما لتعليق العمل بهذا البند من القانون الجديد أتقاء للطعن من قبل الخصوم بالتحقيق كله،بظل تفشي وباء الكورونا وأنهيارقيمة العملة الوطنية،وعدم التفاهم على تشكيل الحكومة التي ينتظرها الناس منذ أشهر؟

23– من يحلف اليمين للمترجم الغير محلف عند الأستعانة به؟

 وفقا للقانون القديم،328/2001 ،فأن الضابط العدلي يستمع الشهود دون تحليفهم اليمين القانونية.

من حقوق المشكو منه الأستعانة بمترجم عند جهله اللغة العربية،وعلى الضابط العدلي تكليف مترجم محلف.أذا تعذر العثور على مترجم محلف وكان أحد الفرقاء المستجوبين يجهل اللغة العربية،فيستعين المحقق من الضابطة العدلية بمترجم،شرط أن يحلف اليمين القانونية للقيام بمهمته باخلاص.أذا كان رئيس مخفر الهرمل يحقق بجريمة قتل،متهمة بها عاملة أثيوبية،تجهل اللغة العربية،ويمكن الأستعانة بزميلتها وهي تتقن العربية أيضا،هل يمكن تكليف العاملة الأخرى ،وهي غير محلفة،أن تتولى مهام الترجمة الى لغة المحقق العربية؟ هل يحق للنائب العام الأستئنافي توكيل رئيس المخفر لتحليف العاملة الثانية اليمين القانونية بتفويض من المدعي العام،أم عليه نقل العاملة الشاهدة الى مكتب المدعي العام في زحلة لتحليفها اليمين القانونية للقيام بمهامها بأخلاص ثم متابعة أجراءات التحقيق في مخفر الهرمل؟

تسهيلا لمهمة الضابط العدلي نقترح أن يفوض المدعي العام رئيس المخفر القيام بمهمة تحليف اليمين القانونية للمترجم الغير محلف،تخفيفا عن الشاهد المترجم مشقة الانتقال ، وتعجيلا بالتحقيق العدلي!

24- ضبط أفادة المشكو منه لدى الضابطة العدلية مسجلة بالصوت والصورة تحت طائلة البطلان للمحضر المنظم!

نص القانون الجديد في الفقرة الرابعة من البند السابع من المادة الثالثة علىى :

في جميع الأحوال،يجب أن تكون أجراءات الأستجواب أو الأستماع الى أقوال المشكو منه مصورة بالصوت والصورة بدءا من لحظة تلاوة حقوقه المذكورة،على أن ترفق التسجيلات بمحضر التحقيقات الأولية تحت طائلة بطلان المحضر! كما يعود الحق بالأطلاع على مضمون التسجيل للقاضي المشرف على التحقيق والمستجوب ووكيله وللمدعي ووكيله فقط .”

كما نصت على عقوبات مسلكية وجزائية وغرامة تطال القائم بالتحقيق سواء أكان من قضاة النيابة العامة أو من عناصر الضابطة العدلية في حال لم يراع أي من الضمانات الأساسية المذكورة ،وذلك من دون أي أذن مسبق من أي مرجع!

أن قطعات قوى ألامن الداخلي من درك وشرطة قضائية وشرطة بيروت تنتشر على الأراضي اللبنانية كافة ،ومعظمها يفتقر الى متطلبات التجهيز :كهرباء،أنترنت،أجهزة كمبيوتر،نظارة توقيف صحية وغيرها. فكيف يمكن لمخفر وادي خالدـ بنطاق فصيلة القبيات الحدودية،تسجيل أفادة مشتبه فيه بجريمة قتل ضمن النطاق الأقليمي ،وبالصوت والصورة،وهو يفتقر الى التيار الكهربائي المتواصل والأنترنت، والتجهيزات اللوجستية لتامين التصوير والتسجيل لأفادة المشكو منه ،وفقا لنص المادة الجديد،والأدهى بأن عدم أرفاق شريط التسجيل بالصوت والصورة يعرّض المحضر العدلي الى البطلان،أضافة الى عقوبات مسلكية وجزائية وغرامة تطال المسؤول عن عدم تنفيذ ما نصت عليه المادة الجديدة!

أن القسم القليل جدا من قطعات قوى الأمن الداخلي قد جهز بكميرات التسجيل والتصوير في العاصمة أو خارجها،بأستثناء بعض قطعات شعبة المعلومات التي تنجز أدق التحقيقات وأخطرها وأكثرها غموضا بقضايا الأرهاب والتعامل مع العدو أو قضايا الفساد التي تطال موظفي قوى الأمن الداخلي ،أو خارجها ،بتكليف من السلطة القضائية المختصة، وترفق هذه التحقيقات بأدلة قاطعة تبين أعتراف المشكو منه بعد مواجهته بالأدلة القانونية ،دون أستخدام العنف أو التهويل،أما باقي القطعات فهي تفتقر الى التجهيزات لتنفيذ أحكام المادة المذكورة(تسجيل وتصوير مراحل الأستجواب كاملة من لحظة أضطلاع المشكو منه على حقوقه المحددة في قانون أصول المحاكمات الجزائية) ،كما أن عقوبات الحبس والغرامة أضافة الى الملاحقة التاديبية تطال القضاة في النيابة العامة بحال عجزوا عن تصوير وتسجيل مراحلأستجواب الموقوف في مكاتبهم الغير مجهزة بالأجمال بهذه التقنية!

أن ألأوضاع المالية المأزومة والدقيقة التي تستهدف لبنان منذ أكثر من 18 شهرا،جعلت الحكومة تعجز عن صيانة المعدات المجهزة بها:سيارات،كمبيوتر،محركات،مولدات،أبنية ،معدات طبية وغيرها وربما قد تعجز عن دفع الرواتب ومعاشات التقاعد للموظفين لديها ،وبالتالي فأن أمكانية تحقيق لوجستية الكاميرات للتصوير والتسجيل ليست في القريب المنظور،فكيف توفق النيابة العامة المختصة بين التشريع الجديد الذي يجعل من محاضر التحقيق التي لا تشتمل على  تسجيل وتصوير أفادة المشكو منه أمام الضابط العدلي،عرضة للأبطال وفرض عقوبات جزائيةتصل الى سنة حبس وغرامة تصل الى عشرة ملايين ليرة لبنانية،أضافة الى ملاحقات تأديبية للموظف المخالف أكان قاضيا أم من الضابطة العدلية في قوى الأمن الداخلي.وبين أستحالة التطبيق لأسباب عجز الموازنة؟

25- مهلة تنفيذ القانون الجديد.

نصت المادة الخامسة من التشريع الجديد على:

يعمل بهذا القانون فور نشره في الجريدة الرسميةبأستثناء ما يتطلبه بالنسبة لألزامية التسجيلات الصوتية التي يعمل بها بعد أنقضاء مهلة شهرين من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية!

يتضح من النص أن مهلة الأعفاء من التيسجيل قد أنقضت بتاريخ 23 كانون الأول 2020،وتتابع قطعات قوى الأمن الداخلي المكلفة بمهام الضابطة العدلية،القيام بالتحقيقات العدلية بأشراف النيابةالعامة المختصة،دون التوقف عند هذا الشرط،نظرا لأستحالة تزويد هذه القطعات باللوجستية اللازمة لتامين التسجيل المنصوص عنه في القانون الجديد وقيامها بمهام الضابطة العدلية تبعا لأشارة النيابة العامة.

هل أن كل المحاضرالعدلية المنظمة بعد تاريخ 23/12/2020 وغير مستوفية شرط التسجيل باطلة؟هل سيتم ملاحقة منظموها بجرائم كلفتهم بأستقصائها النيابة العامة،جزائيا وتأديبيا وفرض غرامات مالية عالية بحقهم؟

26-تعميم النائب العام التمييزي بتاريخ 11 أذار 2021.

يمر لبنان بأزمة سياسية ومالية وصحية تهدد كيانه والأستقرار الأمني والأجتماعي فيه،لا سيما بعد فشل الرئيس سعد الحريري المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وأزاء تفاقم الأوضاع الدقيقة التي تصيب الموظف والمواطن وكثرة جرائم السرقة والقتل والسلب وغيرها من الجرائم التي تطال المواطن في شخصه ورزقه وكرامته،وضرورة القيام بالتحقيقات العدلية المطلوبة لحفظ حق الضحية وأثباتا للواقعة،ولو تعذر أحيانا كثيرة كشف الجناة وتوقيفهم وسوقهم الى النيابة العامة المختصة:

وبما أنه لا يجوز أقفال المخافر والمراكز الأمنية المكلفة بمهام الضابطة العدلية ، غير المجهزة أصلا بتقنيات التسجيل لأفادات المتداعين والشهود وغيرها في أغلبية قطعات قوى الأمن الداخلي..

وحيث أن سلطة النائب العام لدى محكمة التمييز تشمل جميع قضاة النيابة العامة بمن فيهم مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية،والنائب العام المالي،أضافة الى أشرافه على أعمال الضابطة العدلية المعاونة للنيابة العامة..

وبعد أن ردت هيئة التشريع والأستشارات في وزارة العدل بالسلبية على كتابه الذي طلب فيه تعليق العمل بأحكام تسجيل وتصوير أفادات المشكو منهم أمام الضابطة العدلية لأستحالة التطبيق نظرا لعدم تجهيز هذه القطعات الأقليمية والقائمة بمهام الضابطة العدلية،وقالت الهيئة بردها: على الدولة الرشيدة تأمين الحاجات اللازمة بهدف تنفيذ القانون الجديد!

وتداركا لبطلان هذه المحاضر العدلية المنظمة منهم وفقا للتشريع الجديد.،,

أصدر النائب العام التمييزي:القاضي غسان عويدات تعميما بتاريخ 11 أذار 2021 موجها الى قضاة النيابات العامة بالتشدد في أعمال رقابتهم على أعمال الضابطة العدلية لناحية التطبيق السليم لأحكام القانون رقم 191 ،بأستثناء تسجيل جلسات التحقيق بالصوت والصورة.

حسنا أجتهد النائب العام التمييزي بأصدار هذا التعميم لأستمرار عمل المرفق العام ،ومتابعة الأجهزة الأمنية وموظفي الضابطة العدلية القيام بالمهام الملقاة عليهم ضمن الضابطة الأدارية لمنع أرتكاب الجرائم ،والعدلية بتكثيف الأجراءات من قبل الشرطة لملاحقة الجناة وسرعة توقيفهم ،منعا لعمليات  الثار وأخذ الحق المسلوب بالقوة من قبل الضحية وذويه.. مع أرتفاع معدلات الجريمة بكافة أصنافها،وأقفال الطرقات وأعمال العنف ضد الأملاك العامة والخاصة أستنكارا للغلاء وأنهيار قيمة النقد الوطني ،وعدم جلاء التحقيق بقضية تفجير المرفأ بتاريخ 4 اّب 2020.

لكن هل يحق لقاضي ، مهما علا موقعه ضمن السلطة العدلية،عدم تنفيذ نص قانوني ملزم أو تعليق العمل به بظل أستحالة تطبيق فقرة من القانون نظرا لعدم تجهيز مقرات الضابطة العدلية بوسائل التسجيل لأستجواب المشكو منه،ولا أمل قريب بتحقيقه بظل الأزمات المالية الحادة التي تمر على مالية الدولة؟؟.

هل الضرورات تبيح المحظورات!؟؟

3- الخاتمة والمقترحات

أن الزام الضابطة العدلية تسجيل وتصوير أستجواب المشكو منه في القطعة الأمنية،هو أكثر من مفيد ويمنع عناصرها من أستخدام وسائل غير أنسانية أثناء الأستجواب،كما أن نقل الموقوف من القطعة التي تم التحقيق معه فيها الى نظارة أخرى يراعي الشرعة العالمية لحقوق الأنسان ،لكن أن نسبة 96% من المراكز الأمنية والمستخدمة كضابطة عدلية غير مجهزة بتلك الوسائل للتسجيل،وكان على لجنة الأدارة والعدل،أو لجنة حقوق الأنسان في المجلس النيابي الأستماع الى مندوب عن قوى الأمن الداخلي والوقوف على حقيقة التجهيزات التقنية في مراكز الأمن المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة ، لتنفيذ التسجيل ،قبل أقرار هذا التشريع الذي يواكب مسيرة حقوق الأنسان وطنيا ودوليا، وقد أباحت التمسك ببطلان المحضر المنظم بالتحقيق بالدعوى،بعد 23/12/2020 أذا لم يراع عملية التسجيل،وجاء هذا القانون مبكرا يفتقر الى الواقعية،وظل أقرب الى التمني منه الى الحقيقة،وخيرا أجتهد الرئيس غسان عويدات ،رئيس النيابات العامة كلها،بتحمل المسؤولية لتعليق العمل بهذا البند،تسييرا للمرفق الأمني العام وخدمة للعدالة.

أما لجهة تمكين المشكو منه الأستعانة بمحامي أثناء أستجوابه أمام الضابطة العدلية،وحيث غالبا ما يكون المحقق في القطعة الأمنية ليس بكفاءة المحامي والخوف من تأثيره على التحقيق العدلي وتوجيهه بعيدا عن المسرى الطبيعي،وربما كان من الأفضل تأخير أصدار هذا التعديل الجديد لقانون اصول المحاكمات الجزائية ريثما يتم تجهيز المباني الأمنية بمعدات التصوير والتسجيل،بعد تأمين التيار الكهربائي والأنترنت والكمبيوتر للمخفر،وبناء السجون المقترحة منذ سنوات طويلة،لكن الفساد يطال بعض كبار المسؤولين، لذا ظلت هذه المباني موجودة بالقوة فقط وليست بالفعلضمن مشاريع عديدة غير منفذة !

أن بٌعد قضاة النيابة العامة عن ممثلي الضابطة العدلية،الذين ينجزون ما نسبته 95% من الدعاوى المقدمة اليها ،وعدم الأستماع مباشرة الى الخصوم، قد يجعل حقوق الخصوم بين أيدي الضابط العدلي ،الذي ينقل خلاصة الأدلة والأقوال الى ممثل النيابة العامة البعيد غالبا عن أرض التحقيق ، والذي يبني قرار التوقيف أو أخلاء السبيل تبعا لما يستخلصه من الضابط العدلي!.

أن رقابة النائب العام الأستئنافي أو المالي وقاضي التحقيق والقاضي المنفرد الجزائي على أعمال الضابطة العدلية هي أكثر من ضرورية وأساسية لمنع الضابطة من الجنوح وخرق مبادىء شرعة حقوق الأنسان،وأقدامهم أحيانا على أبتزاز أحد فرقاء الدعوى،بحجز حرية بعضهم خلافا للقانون ولمصلحة أحد المتداعين مما يشكل خرقا فاضحا لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية،علما أن المادة 402 منه نصت:

يتفقد كل من النائب العام الأستئنافي و المالي  وقاضي التحقيق والقاضي المنفرد الجزائي،مرة واحدة في الشهر،الأشخاص الموجودين في السجون التابعين لدائرة عمله بأجراء التدابير التي يقتضيها التحقيق والمحاكمة.

لكن وبكل أسف،وبنهاية خدمات طويلة،حوالي الأربعين عاما نفذت فى مهام الضابطة العدلية  منها: تدرجت من:أمرة فصيلة أقليمية في الدرك ،الى قيادة سرية أقليمية في الدرك، الى أمرة مفرزة قضائية ثم قيادة الشرطة القضائية لم نشاهد أي قاضي نيابة أو قاضي جزائي منفرد يتفقد أي نظارة بنطاق عملنا!!

أننا نلفت النظر الى مخاطرتسريب أقراص CD تسجيل اٍستجواب المشكو منه ،لا سيما بقضايا الأرهاب والمخدرات الممنوعة والسلب والجرائم الخطرة الى غير الأشخاص المحددين بالقانون ،بظل الفساد العالي المستوى في بعض أدارات الدولة،حتى الأمنية والقضائية،وكم من مرة قرأنا افادات سرّية صحيحة لمستجوبين لدى الضابطة العدلية في الصحف ووسائل الأعلام المتعددة،مما يشكل خطرا على حياة الضابط العدلي وقضاة وكبار المسؤلين نتيجة فساد أحد موظفي وزارة العدل أو الضابطة العدلية! .

نقترح سرعة صدور تشريع جديد عن المجلس النيابي يعلق العمل ببند الزامية تسجيل وتصوير مراحل أستجواب المشكو منه أمام الضابطة العدلية ريتما يتم تجهيز كافة المراكز الأمنية بهذه التفنية ،والذي  يستغرق سنوات عديدة!

أخيرا، يبقى الدور الأهم للسلطة القضائية،حامية الحريات،بمراقبة مسرى التحقيق العدلي عبر الأنتقال الى مقر الضابطة العدلية ، عند اللزوم ، للوقوف مباشرة على أقوال المشكو منه لا سيما بقضايا أمنية خطرة تنال من هيبة الدولة أو جرائم الأتجار بالمخدرات الممنوعة،وأن لا يأمن القاضي بالكلية   الى أن ما ينقله اليه الضابط العدلي، الذي قد  يحتاج الى : تحصين أعلى ضد الفساد و تدريب متخصص يلاقي ظهور أصناف جديدة من الجرائم، ، والتحلي بالنزاهة والجدارة ،  هووحده كل الحقيقة!

——————–  

*القائد السابق للشرطة القضائية في لبنان.

*حائز على ماجستير في القانون العام.