هل تضرب أمريكا حزب الله من خلال أزمة مالية في لبنان؟

 

 

المحلل السياسي: ألكسندر نازاروف

يقف لبنان اليوم على أعتاب أزمة مالية طاحنة، لكنه في الوقت نفسه يقف على بعد خطوة واحدة من إمكانية إنقاذه منها، فهل يمدّ الغرب للبنان يد العون، أم يدفعه نحو الهاوية؟

إن الوضع المالي في لبنان كارثي، بينما لا يملك لبنان مليارات الدولارات التي يحتاجها كي يحافظ على الوضع الراهن دون تدهور، كما أصبحت شروط الحصول على قروض جديدة في الفترة الأخيرة في أسواق المال أصعب بكثير، وهو ما يجعل لبنان رهن القروض “السياسية” من حكومات ومؤسسات دولية أخرى.
لقد حصل لبنان، في المؤتمر الذي عقد بباريس شهر أبريل 2018، على وعود بمساعدات تبلغ قيمتها 11 مليار دولار، بشكل أساسي من مؤسسات مالية يتحكم بها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية. لكن هذه المساعدات لم تصل بعد إلى لبنان، فيما قيل إنه بسبب تعذّر تشكيل الحكومة اللبنانية، التي ينتظر أن تنقذ البلاد من خلال “إصلاحات مالية”.

لماذا تنتصر “الدعاية الروسية” على الدعاية الأمريكية

وهنا يطرح سؤالان:
السؤال الأول، هل تقف بالفعل حقيبة وزارية أو اثنتان عقبة أمام تحويل المساعدات الدولية للبنان، في الوقت الذي يقف فيه الوضع المالي للبنان والمنطقة على حافة أزمة طاحنة، يمكن أن تصاحبها قلاقل سياسية، وزعزعة للاستقرار، وغيرها من التداعيات غير المتوقعة؟
أم أن تلك مجرد أعذار واهية، تسمح بتدمير الاقتصاد اللبناني، من أجل الوصول إلى مآرب أخرى؟ حيث أن المبالغ التي يحتاجها لبنان، لا تمثل بالنسبة للغرب مبالغ ضخمة، خاصة وأن الظروف طارئة. فأوكرانيا تحصل، بفضل دعم واشنطن، على قروض من صندوق النقد الدولي، دون الالتزام بقوانينه التي تمنعه من منح قروض للدول التي تمتنع عن سداد ديونها التجارية، وهو ما تفعله أوكرانيا. أي أنه حينما تريد الولايات المتحدة ذلك، فإن أي مخالفة للقوانين لا تمثّل عقبة في طريق الحصول على مساعدات مالية، ولكن حينما لا تريد الولايات المتحدة ذلك فإن القروض تتوقف لأبسط الأعذار.
لا شك أن أحد أهم أهداف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، هو محاولة إخراج تنظيم حزب الله من سوريا، وإضعافه أو تدميره بشكل عام. ومن الممكن التوصل إلى ذلك الهدف من خلال توريطه في أزمة لبنانية داخلية، حيث أن أزمة كهذه، وأي صدامات عسكرية بين الطوائف اللبنانية، سوف تقيّد حزب الله، وتضعفه بشكل كبير، وتحقق الهدف المنشود، لكن الثمن هو تدمير الاقتصاد اللبناني، مع إمكانية وقوع تداعيات عنقودية في دول عربية أخرى معرّضة لأزمات مشابهة.

الطريق إلى ما وراء الفرات: هل ستعبر أنقرة النهر

السؤال الثاني، هل تساعد وصفة “الإصلاحات المالية” السحرية التي يضعها الغرب شرطا لحصول لبنان على المساعدات في إنقاذ الوضع، أم على العكس، تدفعه نحو الكارثة؟
الإجابة كلا، لن تتمكن تلك الوصفة من إنقاذ الوضع، فتشكيل الحكومة أو عدم تشكيلها، وأي إصلاحات ستنفذ لن تغير من قدرة لبنان على التعامل مع الأزمة المالية بمفرده. لقد وصل الدين الحكومي اللبناني إلى 150٪ من الناتج الإجمالي المحلي، بينما يذهب حوالى ثلث الموازنة العامة للحكومة لسداد فوائد القروض فحسب، وبلغ عجز الموازنة الحكومية لـ 9 أشهر من عام 2018 مبلغا وقدره 4.5 مليار دولار.
لكن الخطورة الأساسية الآن تتلخص في أن سعر الليرة اللبنانية مرتبط بسعر الدولار الأمريكي، وبقيمة أعلى من قيمتها الفعلية بكثير، وهو ما يوفر مستوى حياة أكثر رفاهية استنادا إلى خفض الأسعار على السلع المستوردة، وإلا لما تمكن اللبنانيون من شرائها. والليرة القوية تحفّز الاستيراد، لكنها تؤدي إلى عجز كبير في ميزان التجارة (وصل إلى حوالى 1.5 مليار دولار في أكتوبر 2018)، وعجز في ميزان المدفوعات (وصل إلى مليار دولار في نوفمبر 2018) . ببساطة، فإن على لبنان أن يجد مليار دولار إضافية شهريا علاوة على ما يحصل عليه من صادراته وجميع موارده الأخرى، حتى يتمكن من دفع ثمن ما يستورده، وفوائد ديونه.

واشنطن تحشد شركاءها العرب ضد طهران

إذا، أو بمعنى أدق حينما، لن يكون هناك ما يكفي من الدولارات، سوف تنهار العملة المحلية بشكل حاد، ما سيتسبب في عجز الحكومة عن سداد الديون، أو إعادة جدولتها، وانخفاض الاستيراد ومستوى المعيشة على نحو مضطرد. وبما أن البنوك اللبنانية تمتلك جزءا كبيرا من الدين الحكومي، فإن عجز الحكومة عن السداد قد يدفع بكثير من تلك البنوك إلى الإفلاس، ويؤدي إلى تجميد أرصدة البنوك، والتوقف عن منح الائتمانات وربما حتى التوقف عن التعاملات البنكية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار كامل للنظام الاقتصادي في البلاد، وهو ما يهدد بتداعيات عنقودية في المنطقة بأسرها، ووفقا للتصريحات الأخيرة لوزير المالية اللبناني، فإن تلك اللحظة يمكن أن تأتي في وقت قريب.
إن مصطلح “الإصلاحات المالية” في الظروف اللبنانية هو مصطلح خاو من المضمون، من الممكن استبداله بمصطلح “الانهيار الموجّه”، فالانهيار و”الإصلاحات” سوف يؤديان إلى نفس النتيجة. فالأزمة اللبنانية هي نتاج عدم توازن طويل الأمد، مدته أكثر من 20 عاما، في العلاقات التجارية والمالية للبنان مع العالم الخارجي، ولن تتمكن أي إصلاحات، وأي حكومة من تحويل لبنان في ظرف سنتين إلى اقتصاد قوي مصدّر، وسداد العجز الهائل في الميزان التجاري.

حصاد عام 2018..عام ما قبل الانفجار الكبير!

خفض قيمة الليرة اللبنانية هو المخرج الوحيد من الأزمة المالية اللبنانية، أي من خلال تحقيق توازن مالي وتجاري على مستوى أقل بكثير، وهو ما سيؤدي قطعا إلى خفض الاستيراد وانخفاض مستوى حياة اللبنانيين، ومن الممكن أن يؤدي إلى عدم استقرار سياسي، وما يتبع ذلك من تداعيات غير متوقعة.
أي أن شروط الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لمساعدة لبنان تقضي بتعويم الليرة اللبنانية ودخول البلاد إلى فوضى مالية وسياسية. وليس أمام لبنان خيارات كثيرة، وهناك قرارات صعبة لا بد وأن تتخذ، لكن من المستبعد أن يكون الدفع بلبنان نحو عدم الاستقرار المالي، يتزامن بالصدفة مع ارتفاع تأثير حزب الله في لبنان والمنطقة.
أصبح علينا أن ننتظر بضعة أسابيع أو أشهر، حتى نعرف ما إذا كانت ستندلع الأزمة، ومدى صحة تصوري عن الوضع.