هذا هو زعيم “داعش” الجديد بعد قتل “البروفسور المُدَمِر”

بقلم العميد منذر الايوبي*

ان تنفذ سرية من القوات الخاصة الاميركية عملية تكتيكية “انزال جوي” Airborne Force للقضاء على مجموعة ارهابية ينتمي افرادها لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش” بعد دهم مكان تمركزهم وقتل احد ابرز قادتهم عبدالله قرداش، لهو امر مفهوم مفترض الحصول، طالما ان المعركة المعلنة والدائمة من قبل الادارة الاميركية هي مكافحة الارهاب وضرب الارهابيين في ساحاتهم. وبصورة خاصة عندما تؤكد محاكاة المهمة نسبآ مرتفعة للنجاح، استنادآ لمعلومات استخباراتية دقيقة وصحيحة، اضافة الى توفز جملة من العوامل المشتركة الملائمة لِ”بيئة القتال” على سبيل المثال لا الحصر: “الظروف المناخية، الموقع الجغرافي، الزمان والتوقيت المناسب، تدني نسبة الاصابات لدى القوى المهاجمة، تلافي او تقليص عدد الضحايا المدنيين.. الخ..”.

لكن ما كان لافتآ إثر انتهاء العملية وتحقيق هدفها تلك الدعاية الاعلامية التي دُمغت بعلامة البيت الابيض، بعد ان عقد رئيس الدولة الاقوى في العالم جو بايدن مؤتمرا صحافيا للاعلان عنها ذاكرآ بعض تفاصيلها.. وبالامكان تاليآ استخلاص ثلاثة عناوين مما ورد فيه:
١- ان القضاء على الزعيم الارهابي الكبير رسالة لكل المنظمات الارهابية في العالم.
٢- قدرة القوات المسلحة الاميركية على حماية المدنيين الاميركيين.
٣- ان العملية نفذت بناء لاوامره المباشرة..

الامر الذي يعني “وهو ما انجز” الحاجة الى ابرازها واستغلالها، لتظهير الوجه الثاني للرئيس الاميركي القادر على استخدام القبضة الحديدية كلما دعت الحاجة، لا سيما في مجال مكافحة الارهاب..
استطرادآ؛ في التحليل والقراءة الموضوعية للانعكاسات؛ تبرز مؤشرات عدة:

١-خلافآ لكثير من التوقعات و الدعوات، تثبيت قرار التشبث بالحضور الاميركي السياسي والعسكري الميداني الفاعل، سواء في الاقليم ام في الميدان العراقي والسوري بصورة خاصةً.
٢- التأكيد على سياسة دعم الحلفاء، خاصة مع تزامن العملية وموافقة واشنطن على امداد دول الخليج العربي لا سيما المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة بما تحتاجه من السلاح الاميركي، في ظل تصاعد التوتر وارتفاع منسوب الهجمات المتبادلة مع التنظيم الحوثي في اليمن..!
٣- المثابرة على احتضان قوات سوريا الديمقراطية التي “تعتبرها تركيا ذراعا عسكرية لحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الارهاب الدولية”؛ بعد ان اثنى الرئيس الاميركي على مشاركتها ودورها المؤازر..!
٤- رد مباشر على الهجوم الذي شنته قوات التنظيم الارهابي “داعش” على سجن غويران في محافظة الحسكة السورية، لا سيما بعد ان وجهت اتهامات حول ضلوع الاستخبارات التركية ومسؤوليتها عنه ..
اذ ورد في بيان الناطق باسم “قسد” المدعو فرهاد الشامي: ان “أساس المخطّط وإدارة الهجوم أي غرفة العمليّات، وفق الوثائق، تم الإعداد لها خارج الحدود السورية؛ إن مسؤولية الدولة التركية في هجوم داعش هي الأكبر”..
٥- لملمة تداعيات الانسحاب الاميركي من افغانستان، “سياسة تصحيح المسار” Lane Correction Policy وبالتالي اظهار اصرار القيادة الاميركية على كبح جماح تمدد فرع التنظيم في افغانستان وآسيا الوسطى “داعش خراسان”. لا سيما بعد تنفيذه العديد من عمليات التفجير في العاصمة كابول ووقوع مئات القتلى والجرحى..
٦- ضرب فكرة او استراتيجية “القرشي” بانهاض التنظيم من هزيمته، وبالتالي الامساك بزنار جغرافي تتموضع فيه خلايا الارهاب، يمكن تنميته، مؤثر وقادر من ادلب السورية الى كابول الافغانية..

من جهة اخرى؛ وبصرف النظر عن تفاصيل التنفيذ بدءا من انطلاق القوة المهاجمة بالطوافات من قاعدة “عين العرب” في الشمال السوري وصولا الى مسرح العمليات في منطقة “أطمة” ريف ادلب الشمالي، ثم الانكفاء والعودة، يمكن التأكيد على ما يلي:
١- مقتل زعيم الظل في تنظيم “داعش” المدعو امير محمد سعيد عبدالرحمن مولى الملقب ابو ابراهيم الهاشمي القرشي او المكنى باسم عبدالله قرداش وحامل صفة “البروفسور المدمر” لقيادته المجزرة الوحشية بحق الاقلية الايزيدية.
٢- فشل عملية الاسر او الأعتقال بعد تفجير “القرشي” نفسه بحزام ناسف، وانهاء العملية بالقضاء على المسلحين.
٣- مقتل ١٣ شخصآ على الاقل بينهم ٦ اطفال بعضهم من افراد عائلته “القرشي” ؛ خلال عملية الانزال الجوي.
٤- وقوع عدد من الجرحى في صفوف قوة النخبة الاميركية المهاجمة.
٥- تدمير احدى طوافات الانزال على الارض من قبل القوة المهاجمة بعد تعطلها، مما يعني فرضية الانسحاب السريع من بقعة العمليات تلافيآ لتوسع دائرة الاشتباك وبالتالي ارتفاع نسبة الخطر..


في سياق متصل؛ دون ذكر مسيرة حياته وهو صاحب سجل طويل في الارهاب، بدءا من كونه ضابطآ سابقآ في جيش نظام صدام حسين، مرورآ بتوقيفه عام 2004 في معسكر الاعتقال الاميركي في العراق “سجن بوكا”، وصولآ الى قيادته التنظيم المتطرف بعد مقتل زعيمه السابق ابو بكر البغدادي في هجوم شنته القوات الاميركية عام 2019، لا بد من الاشارة الى ان الارهابي القرشي سبق وعمل مخبرآ متعاونا مع ولصالح الاستخبارات العسكرية الاميركية CIA، ولاحقآ تمكن من ايجاد قناة تواصل مع الاستخبارات التركية، بعد ادارته مفاوضات في حينه مع اميره البغدادي لاخلاء موظفي القنصلية التركية في الموصل عام 2014 وتأمين نقلهم سالمين الى الحدود التركية..!
جملة اسئلة تطرح:

١- عن سبب عدم استخدام المسيرات Drones لتنفيذ المهمة بناء لاوامر الجنرال Kenneth McKenzie قائد القيادة الوسطى الاميركية US-CENTCOM التي تدير مسرح العمليات في الشرق الاوسط.؟
من الواضح ان قرار الاسر كان متخذا، مما يعني استخدام فريق من قوات النخبة SEAL للتنفيذ، وهو ما تلجأ اليه عادة القيادة العسكرية عندما تتعامل مع اهداف ثمينة؛ والمعادلة هنا بسيطة فشل اعتقال القرشي حيآ يعادل فشل استخلاص معلومات هامة في مرحلة استجوابه..
٢- هل من تورط او مساعدة استخباراتية من قبل جهاز الاستخبارات الخارجية الاسرائيلي.؟

القناة 13 اوردت تعليقآ لدور “الموساد” ودورها التاكيد على مكان تواجد “القرشي”، اضافة الى الدعم الارضي لجهة توجيه القوة المهاجمة. كما يندرج دور MUSAD ضمن التعاون العسكري والتنسيق المعلوماتي مع ميليشيا “قسد” ترجمة لاستراتيجية العدو خلق الدولة الكردية؛ “دفرسوار” موالي لها وسط البقعة الملتهبة، المثلث التركي- السوري- العراقي الغني بالنفط والموارد الطبيعية ..
٣- من هو خليفة القرشي المرتقب..؟ رغم ان لا كلام عن الزعيم الجديد حاليآ؛ لكن المؤكد ان تسميته تكون سرية ومسبقة اي قبل مقتل الزعيم الحالي. اما الاسم المرجح فهو الحاج جمعه عواد البدري شقيق ابو بكر البغدادي ورئيس مجلس الشورى العام، الذي سيدير شؤون التنظيم في هذه المرحلة لحين مبايعته؛ رغم محاولة المدعو شهاب المهاجر امير “داعش” في آسيا الوسطى تزعمه..
ومن الواضح ان التنظيم سيمر بمرحلة “خلل الاتزان” Imbalance ضعضعة مؤقتة، كما سيشهد عدة انقسامات قبل مبايعة الخليفة الجديد، لكنها لن تخفف من تماسكه وقدرته العملانية الارهابية، لاسيما وانه اعتمد هيكلية عنقودية وخلايا مستقلة مرنة منذ هزيمته في سوريا والعراق على يد قوات التحالف الاميركي..!
اخيرا، ومن منطلقات “خطة العمل الشامل” فإن عملية تحييد الارهابي “عبدالله قرداش” مطلوبة في اطار الحرب الاستباقية على الارهاب؛ تتوازى او تلي النجاح في الوصول الى اتفاق متجدد حول البرنامج النووي الايراني، وكلاهما محطات مفصلية في مسيرة الرئيس الاميركي جو بايدن، على معبر مفترض سبق وسلكه اسلافه نحو الولاية الثانية ..!

————————

بيروت في 06.02.2022