مي زيادة وجبران (2) قصة حب على الورق عاشت 19 عاماً على الورق

“أخبار الدنيا” – دانيا يوسف

 

في العام 1912 ، كانت شهرة الأديب اللبناني جبران خليل جبران قد اجتازت المحيطات وبلغت الأراضي العربية ومن ضمنها مصر. وقرأت مي كتبه، فشعرت أن كتاباته تنم عن عاطفة إنسانية عالية، وأخذت تتبع أخباره وما ينشره باهتمام كبير، وأحست بجانب خفي يشدها نحوه، برغم بعد المسافات.
فكتبت أولى رسائلها إليه وذلك في التاسع والعشرين من شهر آذار/مارس عام 1912 واستهلتها بتعريف ذاتها فقالت: “أمضي مي بالعربية، وهو اختصار اسمي، ومكوّن من الحرفين الأول والأخير من اسمي الحقيقي الذي هو ماري، وأمضي ايزيس كوبيا بالإفرنجية، غير أن لا هذا اسمي ولا ذاك. إني وحيدة والدي وان تعددت ألقابي”.
وحدثته في تلك الرسالة عن حياتها في مصر التي استقرت فيها مع والديها وعن مقالاتها في الجرائد والمجلات العربية. وتلقّى جبران تلك الرسالة بفرح، وكتب اليها مشجعا استمرار المراسلة بينهما، فأهداها روايته الجديدة “الأجنحة المتكسّرة” فكانت فاتحة باب العلاقة بين الاثنين.
هل أحبت مي جبران؟ وهل أحبها بدوره؟ سؤال طرحه كثيرون ولم تكن الإجابة سهلة لأن علاقة مي بجبران كانت فريدة في تاريخ الأدب العربي. أسماها البعض بانها الحب السماوي الذي يحلق بعيدا في فضاء الفكر والسمو والعفة. ووصفها البعض بأنها محض خيال أو وهم جميل عاشه الأديبان عن بعد دون أن يرى أحدهما الآخر ولو لمرة واحدة في حياتهما. وبرغم ذلك فقد تركت هذه العلاقة الفريدة تراثا أدبيا رفيع المستوى تمثّل في تلك الرسائل المتبادلة بين مي وجبران…
مي:”صديقي جبران
لا أريد أن تكتب لي إلا عندما تشعر بحاجة إلى ذلك أو عندما تنيلك الكتابة سرورا، ولكن أليس من الطبيعي أن أشرئب إلى أخبارك كلما دار موزع البريد على الصناديق يفرغ فيها جعبته! ولتحمل إليك رقعتي هذه عواطفي فتخفف من كآبتك إن كنت كئيبا، وتواسيك إن كنت في حاجة إلى المواساة، ولتقوك إذا كنت عاكفا على عمل ولتزد في رغدك وانشراحك إذا كنت منشرحا سعيدا”
جبران:”وصلت إلى الصومعة ولدي تلة من الرسائل ولكن كنت أبحث عن رسالة واحدة لأقرأها ثم في اليوم التالي أطل على الرسائل الأخرى. إن جميع الرسائل تضمحل أمام عيني عندما أتناول رسالة من صغيرتي المحبوبة فجلست وقرأتها مستدفئا بها.”
مي زيادة:”غابت الشمس وراء الأفق ومن خلال الأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة واحدة هي الزهرة، أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ربما وجد فيها من هي مثلي، لها جبران واحد، تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء ..

فتتسرب إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقي القلم جانبا لتحتمي من الوحشة في اسم واحد:جبران!”
جبران:”حلت رسالتك ألف عقدة في حبل روحي، حولت الانتظار وهو صحراء إلى حدائق وبساتين.لذلك أسير اليوم بجانب خيال أجمل واظهر لبصيرتي من حقيقة الناس كافة، أسير وفي يدي يد حريرية الملامس، ولكنها قوية وذات إرادة خاصة، ولينة الأصابع لكنها تستطيع رفع الأثقال وتكسير القيود.”
عمد الباحثون إلى تحليل مضمون هذه الرسائل وطرحوا سؤالا جوهريا مفاده: كيف تحب امرأة سوية النفس، سليمة الأعصاب رجلا ما لقيته وما عرفته؟ وذهبوا إلى القول أن هواجس مي هي السبب الذي أدّى بها إلى حب جبران والتصدّع نفسيا بعد موته. وبموت جبران عام 1931، أسدل الستار عن قصة حب عاشت لأكثر من تسعة عشر سنة كلها على الورق!

(في الجزء الثالث: رجال حول مي وصالونها الأدبي)